08-أغسطس-2017

لقطة من الفيلم

فيلم "الحرائق/Incendies"، هو فيلم جدير بكل عربي مهتم بتاريخ الشرق الأوسط وأحداثه أن يشاهده، فهو فيلم يؤرخ لحقبة حياة إنسانة واكبت الحرب الأهلية اللبنانية. فيلم "الحرائق" مأخوذ عن نص مسرحية تحمل ذات الاسم للكاتب اللبناني وجدي معوض، وهو الكاتب الذي رحل من بلده الأصلي، لبنان، إثر الحرب الأهلية إلى فرنسا بعمر لم يتجاوز التاسعة، ومن فرنسا اضطر للهجرة إلى كندا بسبب عدم تجديد إقامته.

بطلة فيلم "الحرائق/Incendies" الرئيسية هي لبنى أزابال وهي ممثلة تعتبر في الوسط العربي من أفضل النساء المؤثرات

وهناك درس وجدي معوض الفنون المسرحية، وأبدع في كتابة المسرحيات التي نالت إعجاب النقد الكندي، وحصل من خلالها على الكثير من الجوائز، وبات اسمه لامعًا بل وعالميًا.

المخرج والكاتب الكندي دينيس فيلنوف أخذ النص الأصلي للمسرحية وحوله إلى سناريو فيلم من إخراجه كذلك، ويعد دينيس فيلنوف من أفضل مخرجي العصر الحديث، حيث كان أول أفلامه هو "الحرائق" عام 2010 وترشح الفيلم لجائزة الأوسكار كأفضل فيلم أجنبي، كما صنف ضمن قائمة أفضل 10 أفلام لذلك العام.

بطلة الفيلم الرئيسية هي لبنى أزابال وهي ممثلة من أب مغربي وأم إسبانية، تعتبر في الوسط العربي كأفضل النساء المؤثرات، ومعظم أفلامها نالت جوائز وشهرة عالمية واسعة فهي كذلك بطلة فيلم "الجنة الآن" 2005 للمخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، وهو فيلم ترشح للأوسكار كذلك كأفضل فيلم أجنبي في عامه.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "الرجل الذي فقد ظله".. كيف يمكن للوهم أن يدمّر صاحبه؟

فيلم "الحرائق" يرتبط بقصة حياة "نوال مروان" تم دمجها مع حياة "سهى بشارة" دون ذكر أسماء أو تحديد، في فترة الحرب الأهلية اللبنانية، تأخذ أحداث القصة منحى الاسترجاع والدمج بين الحاضر والماضي، حيث أن الفيلم يبدأ بوفاة البطلة واعترافها لأبنائها بوجود أسرار عظيمة في حياتها عليهم اكتشافها، واكتشاف والدهم الأصلي وكذلك أخيهم الذي لا يعرفون عنه شيئًا.

يبدأ الاسترجاع من قصة البطلة وهي شابة صغيرة جدًا، وقصتها بتجاوز العادات والقوانين، في حب بين مسيحية ومسلم فلسطيني، حملت منه طفلًا، ويوضح لك المخرج كيف كان الفلسطينيون في تلك الحقبة يعاملون كلاجئين غير مرغوب بهم في لبنان، فيتم قتلهم. وتتوالى الأحداث بفقد هذه الأم لطفلها منذ ولادته خشية الفضيحة وتركه في إحدى الملاجئ في الجنوب.

تهاجر للدراسة في المدينة، وهناك تبدأ نشأتها السياسية، لكن مع اشتداد وطيس الحرب تعود لتبحث عن ابنها المفقود هناك، تفلت زمام الأمور لتصبح هي "المسيحية" مشتركة في اغتيال أهم شخصيات اليمين المسيحي آن ذاك، وكل ذلك بعد اكتشاف تدمير الملجأ الذي كان يحوي طفلها من قبل المسيحيين.

فيلم Incendies مأخوذ عن نص مسرحية تحمل ذات الاسم للكاتب اللبناني وجدي معوض، الذي رحل من لبنان، إثر الحرب الأهلية إلى فرنسا

يبين لك فيلم "الحرائق" كيف تنقلب الموازين في المتوقع من الفئات الاجتماعية والطوائف حين يتعلق الأمر بارتباط شخصي وعلاقة حقيقة بعيدًا عن الشعارات، فطفلها مسلم، وعرفت أن من آذاه مسيحي، وقد تحمل القصة رؤى مختلفة من وجهة نظر وجدي معوض، لكن ما تبينته من الفيلم هو ذلك الألم الشخصي الذي ينتاب الإنسان فيقلب كل ما يتبناه رأسًا على عقب.

فيلم "Incendies" يتابع حياة نوال مروان بكثير من المفاجآت غير المتوقعة والتي لست معنية بسردها للقارئ حتى لا أفسد عليه الفيلم، ولكن قد يبدو لك الفيلم في بدايته مملًا وعاديًا بل وتقليديًا، لكنك حين تصل إلى الذروة ويطلعك على فظاعة الحرب والاعتقالات وما يجري بداخل السجون. ستأخذ مشاعرك وعقلك تأثرًا مغايرًا، خاصة وأن الفيلم يحمل نهاية صادمة لا يمكن للمشاهد توقعها، بل وإنها مؤلمة بطريقة تجعلك تتوقف لدقائق مشدوهًا ومتألمًا من تلك الحقيقة التي تعتبر ممكنةً، بل وممكنةً جدًا في الحروب التي يختلط فيها الحابل بالنابل، ولا تعرف في ضياعها من عدوك من صديقك، وكيف سيترك فيك هذا الضياع ضياعًا أكبر.

اقرأ/ي أيضًا: قصة فيلم"سواق الأتوبيس" وسحر الواقعية الجديدة

فيلم الحرائق أو "Incendies" يحمل الكثير من اللفتات الجميلة والمهمة، منها فكرة المرأة المغنية، هكذا كانوا يطلقون على نوال في فترة اعتقالها، فهي لم تترك الغناء أبدًا في سجنها الانفرادي مستعينة به في التغلب على أصوات التعذيب، يخبرك الفيلم، كيف للغناء أن يرتبط بالمرأة لتتذكر أنها دومًا على قد الحياة، ولكن هذا الغناء سيصمت للأبد إذا اغتصبت هذه المرأة وانتهكت، فاغتصاب المرأة سيقهر فيها كل شيء يمكن أن يكون قادرًا على الحياة من جديد.

كما يخبرك فيلم "Incendies"، كيف يمكن لأصولك ومعتقداتك أن تتبدد للأبد، إذا ما تم غسل الدماغ وتدريبه من جديد على معتقدات المسيطر في ذلك الوقت، فأنت كالعجين القابل للتشكيل ما دمت تحت قبضة يدين تعلم ما تريد فعله بك إن لم تعد واعيًا بما يكفي.

يخبرك فيلم "Incendies" كذلك كيف للظلم فيك -إن ساد- أن يصل لذقنك وروحك ويفتك بها دون أن تعلم، كيف إن أصبحت ظالمًا بلا حسبان ستدمر نفسك بنفسك وتحرقها دون أدنى قدرة على إصلاح الأمر.

يخبرك فيلم Incendies كيف للظلم فيك -إن ساد- أن يصل لروحك ويفتك بها دون أن تعلم، كيف إن أصبحت ظالمًا بلا حسبان ستدمر نفسك بنفسك

في لفتة أخرى للفيلم ترى كيف للإنسان أن يبدو عليه أنه عادي جدًا، غير أن في جوفه يحمل الكثير من الخبايا والأهوال التي قد يغلق عليها المفتاح سنين طوال دون أن يلاحظ عليه أحد أنه ذلك الشخص، خاصة إن كان تاريخ ذلك الإنسان متصلًا بحرب ما، تركت به من الفجائع والأسرار ما يفوق القدرة على الكلام، فيكون صامتًا هادئًا، ينخدع به كل من حوله.

الغربة تساعد كثيرًا في جبّ الماضي، والمكان هو الأساس في نبش الحقائق، المكان الذي يحمل ذاكرة لن تُنسى ولن تتعدل مهما مضى عليها الزمن. إن أثر الحرب أكبر بكثير مما تبدو عليه، إنه أثر يمتد لأجيال، وحين تفتش عن سببها ودافعها الحقيقي لن تجد أبدًا ما يستحق فعلًا كل تلك "الحرائق".

 

اقرأ/ي أيضًا:

وهم الوجود في فيلم The Truman Show

فيلم Buena Vista Social Club: Adios دراما أساطير الموسيقى الكوبية