22-يونيو-2018

لقطة من الشريط (آيرش تايم)

لا يخضع تصنيف السينما دائمًا لطبيعة السيناريو حصرًا، بل لتدخل الكاميرا وتركيب المشاهد وإيقاع المونتاج حصة في حسم الهوية اللانهائية للشريط قبل خضوعه لمساحة التفاعل مع الجمهور. هذا ما يعيد تأكيده أري استير، مخرج إعادة القولبة وتفكيك المدارس البصرية ومزجها في شريطه الأخير Hereditary الذي يتطلب جهدًا ذهنيًا واسع الحيلة لإدراك مداخله إلى عالم الرعب والعزف على إيقاعات تركيبية مبسطة للمشاهد. لكنها عصية على التنبؤ، تمامًا كأن المشاهد أمام إنعمار بيرغمان القرن 21. لا بد من متابعة شريط الـ127 دقيقة الذي طرحه استير رفقة توني كوليت وعدد من النجوم غير التقليديين لإدراك المطبات الجمالية التي وظفها استير في إطار "رعب" ذهني أكثر منه مشهدي الطبعة. تقدم الناقدة السينمائية تارا برادي المزيد حول القدرات العصبية  الخارقة لهذا الشريط في مراجعتها المنشورة عبر صحيفة "أيرش تايمز" وننقلها هنا مترجمًة بالكامل.


 ما مدى الرعب الكامن في فيلم Hereditary، "هل هو أكثر الأفلام رعبًا منذ فيلم Exorcist؟"، تخيل لو أن الطفلة غيج في فيلم Pet Sematary أنجبت طفلاً من الطفل روزماري من فيلم Rosemary’s Baby، ثم تسلق هذا الطفل الجديد أعلى سلم جيكوب الذي نراه في فيلم Jacob’s Ladder فسقط متناثرًا بشكل بشع ومنفر.  

أعد نفسك لدرس مربك في الحزن الذي يتخطى المراحل السبع التقليدية

أعد نفسك لدرس مربك في الحزن الذي يتخطى المراحل السبع التقليدية ليصل إلى المرحلة المائة ألف أو شيء من هذا القبيل، إذ يتراوح بين الانهيار النفسي والتلبس الشيطاني ونوبات من هوس إشعال الحرائق والصراخ والعويل. بكل جدية، إذا لم تترشح توني كوليت لنيل الأوسكار عن هذا الأداء المذهل، فيجب على محبي الرعب  أن يزحفوا إلى مقر الأكاديمية، متحلين بروح العصور الوسطى، حاملين المشاعل فورًا.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Arrival".. فضائيون مسالمون لمساعدة البشر!

سيخبرك كارهو فيلم المخرج أري استر الأول البارع والمذهل أنه في الحقيقة ليس فيلم رعب. كما هو الحال في فيلم  Get Out أو الفيلم الذي لم ينل تقديرًا كافيًا على الإطلاق It Comes at Night، يعد هذا الفيلم من فئة أفلام اليقظة أو الرعب المصطنع.  

تجمع الفيلم في مراحله المبكرة خصائص مشتركة مع فيلم joint  للمخرج إنغمار بيرغمان أكثر مما يجمعه بأي من أفلام جورج روميرو. كثير من القلق. تقريبًا لا توجد سوى دقيقة واحدة من الاسترخاء بفضل الاختيار شديد التناقض للموسيقى في شارة نهاية الفيلم.  

هذا فيلم رعب لأنه مرعب حقًا. هذا فيلم تميزه مذبحة حقيقية، وهو يضرب بجذوره في عدد من التقاليد الرفيعة لأفلام الرعب، وهو ما يبعث السعادة في محبي هذه الفئة من الأفلام. نحن لا نفسد الأشياء بذكرها كلها، دعونا نقل إن ذكر أي شيء يمثل حرفيًا حرقًا لحبكة هذا الفيلم الملتوية والمدهشة، لكنه يبدأ من دائرة تقليد فيلم Don't Look Now قبل أن يتجاوزه إلى ما هو أكثر منه جنونًا وإثارة.

تسير أحداث القصة في إطار مأساة امرأة متوسطة العمر لا تستطيع استيعاب موت أمها الذي عرف عنها أنها ساحرة، خلا خطاب جنازتها من المديح بشكل مثير للخجل.

آني غراهام "توني كوليت" الفنانة التي تصنع قطع الأثاث الداخلي الصغير على طريقة بيوت الدمى مثلما استلهمت من عائلتها الغريبة، تعيش في تجمع سكني ريفي كئيب مع زوجها المتسامح الذي يعمل طبيبًا "غابرييل بيرن" وطفلين يعاني كل منها من مشكلته الخاصة.

أصبحت تشارلي "ميلي شابيرو" ابنتها البالغة من العمر 13 عامًا، مدمنة السكَّر وصانعة الدمى الغريبة، أكثر انطوائية بعد موت جدتها. بينما يغرق بيتر "ألكس وولف" ابنها الأكبر المراهق في مشاغل المدرسة الثانوية التقليدية: كثير من الماريغوانا، وتعلق غريب قليلًا بزميلة له في الصف. وكنا بالكاد قد استوعبنا السيناريو، قبل أن يرفع أستر من عيار الشحنات العاطفية بشكل دراماتيكي.

هذا فيلم رعب لأنه مرعب حقًا. هذا فيلم تميزه مذبحة حقيقية، وهو يضرب بجذوره في عدد من التقاليد الرفيعة لأفلام الرعب

على الأرجح لا يوجد سوى مشهدين فقط في الفيلم كله يدفعان المرء للقفز والصراخ، لكن صناع الفيلم يثيرون التوجس والقلق عبر زرع التحذيرات والأحاجي والتكنهات المنذرة لما سيحدث في المستقبل، في كل ركن من إطار الشاشة.

تظهرالأشكال بسرعة في أطراف المشهد. وقد يكون التوهج الذي نراه في المشاهد شبحًا أو خدعة بسبب الضوء الخافت. كما يقدم عازف الساكسفون الطلائعي كولين ستيتسون نتيجة بارعة ومتغيرة، هنا تنبض؛ وهناك تصرخ، والتي تتسبب في شعور الخطر تمامًا كما تتسبب فيه حركة كاميرا باول بوجوريزيلسكي، بلقطات تعكس التلصص الذي يتطلبه الإحياء المُصغر لحياة آني. وقبل وقت طويل من اتخاذ الحبكة اتجاه واضح نحو الخوارق، جرى خلق جو عام من الخوف غير محدد المصدر.

بالعودة إلى حجة بيرغمان، لا يعد شيئًا من ذلك مثيرًا للقلق تمامًا مثل المخاطر المحطمة للأعصاب في رحلة آني العاطفية. وهناك الكثير من المشاهد الصعبة أمام كوليت لتؤديها، وبترك الأمر لشخص أقل موهبة، سيتحول اليأس المتزايد إلى حالة من الاضطراب العقلي. لكن لا يوجد أي شيء يجعلنا نشك في تناولها للدور بكل ما أوتيت من إخلاص وقوة.

يتساوى معها طاقم العمل في القوة. وعلى الرغم من أنه حظي بدور أقل ظهورًا، يؤكد بيرن على قدرته - شاهد أيضًا دوره الرائع في فيلمه الحديث Louder than Bombs - للتعبير عن الإخلاص في خضم الشدائد.

اقرأ/ي أيضًا: ويذهب الأوسكار إلى..

يتحارب وولف بشكل مقنع مع عش من الهرمونات المتحاربة. وعلى غرار الرائعة ميليسينت سيموندس في فيلم A Quiet Place، تقوم ميلي شابيرو بدور غريبة الأطوار المتعاطفة لأحد أصغر الشخصيات وأكثرها هشاشة. بالتأكيد، لا يمكن تجاهل آن دود، التي كان من المفترض أن تفوز بكل الجوائز على سطح الأرض لدورها في فيلم Compliance، مرة أخرى؟

سيتجادل المتحمسون للأبد حول الغموض الإبداعي المنتشر في نهاية الفيلم البارعة. وسيكون لديهم تقريبًا نفس القدر من المتعة الناجمة عن الكشف عن المؤثرات التي أثرت على أستر. لكن الكاتب والمخرج الأمريكي الشاب صنع فيلمًا وضع الرعب في أماكن لم يذهب إليها من قبل. وقد فعل ذلك ببراعة.

حُبكت الحوادث الغامضة بدقة مع إمكانية المرض النفسي. وكان القرار بمناوبة البطولة في المراحل الأخيرة من الفيلم من القرارات الشجاعة بقدر ما كان مقنعًا.

في بعض الأحيان، يبدو الفيلم أكثر شبهًا بفيلم يتحدث عن حالة الرهائن تمامًا كما لو كان هو فيلم رعب. عليك الخروج من السينما بسرعة لتهرب فقط من الرعب والفزع الذي يسببه الفيلم. لكن، فات الأوان، فقد تأصلت متلازمة ستوكهولم. ولا تقوموا بحركات مفاجئة. تحفة فنية مزعجة وممزقة للأعصاب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "Incendies".. حرائق الحرب الأهلية التي لا تنطفئ

أفضل 10 أفلام لسنة 2017 في رأي النقاد حتى الآن