22-مارس-2017

لقطة من الفيلم

كيف تُغير الحرب شكل حياة الناس البسطاء، فيعلقون بين مأساة الفقدان والنسيان والتصالح مع الواقع، هذا ماحدث مع عائلة الشاب فرانتز الألمانية في عام 1919 بعد نهاية الحرب العالمية الأولى والتي فقدت خلالها تلك العائلة ابنها في فرنسا. في حين بدأت تأخذ نتائج الحرب ذاتها والتي لم يمر عليها الكثير من الوقت طابعًا يصبغ حياة الخاسرين بالأسود.

تعريف بسيط لمدخل فيلم Frantz 2016 للمخرج الفرنسي فرانسوا أوزون والذي لم يكتفِ فقط عند حكاية الفقدان تلك، بل جعل منها أكثر حياتية ومعاصرة بعد وضعها في سياقِ واقعٍ يزخر بالمصائب، وطرح من خلالها مسائل شخصية تشبه فترة مابعد الحرب بتخبطها.

كيف تُغير الحرب شكل حياة الناس البسطاء، فيعلقون بين مأساة الفقدان والنسيان والتصالح مع الواقع، هذا ما نتابعه بفيلم "Frantz"

كيف لنا أن ننسى ونسامح؟ ربما استحضار الحكايات والرموز من أزمنةٍ سابقة يكفل خلق مساحة للتأمل والتفكير في ذلك. ولكن بعيدًا عن أية دروس أخلاقية أو عبر مستنبطة.

يتابع الفيلم حكايته بالأبيض والأسود بدايةً من الشابة آنا والتي أدت دورها الممثلة الألمانية باولا بير التي تضع الزهور كل يوم على قبر خطيبها المتوفى، وذات يوم تصادف زهورًا غريبة على القبر تسأل عن من قام بذلك وتفاجئ بأن فرنسي غريب هو صاحب الزهور تلك، حين كان وقتها من الغريب أن يضع فرنسي زهورًا على قبر ألماني أو العكس، يبدو هذا التشدد والاستغراب باديًا على انفعالات وانطباعات عائلة فرانتز التي لم تكن سعيدة بالخبر المفاجئ.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Beauty and the Beast".. هل يستحق المشاهدة؟

لتبدأ تلك العقلية البسيطة بالتنبئ والتفكير، حتى يزور أدريان الذي قام بدوره الممثل الفرنسي بيير نيني، ذلك الشاب الفرنسي الغريب عيادة والد فرانتز فيرفض الأخير معالجته لأنه فرنسي، ولكن ريثما يقبل به بعد أن يدخل ذلك الغريب إلى البيت مرة أخرى كصديق فرنسي قديم لفرانتز، يروي للعائلة قصةً كاذبة يُلونها أوزون بدوره لتكون كذبة زاهية يصدقها الجميع، فيصبح صديق الابن الغريب صديق العائلة أيضًا وبحضورٍ ملونٍ للابن الغائب.

تتعدد اللقاءات وريثما تتعلق به آنا فتنشأ بينهما علاقة حب غير معلنة، يرى أدريان بأنه من الضروري الاعتراف لها بالحقيقة. حقيقة علاقة لحظية جمعته بفرانتز في خندقٍ واحد أثناء الحرب، رأى حينها بأنه يجب أن يقتل قبل أن يُقتل، حين لم يكن للفكرة معنى، أمّا الآن فالوقت يسمح بالاعتراف والتسامح والحب.

تخفي آنا هذه الحقيقة عن عائلة فرانتز التي بدأت تشجعها على حب الغريب، ليكون بيدها وحدها الحقيقة والصفح والحب، فتتحول آنا من تلك الحياة البسيطة إلى نمط آخر يبحث عن الأمل في حياته وطريقة تفكيره.

اقرأ/ي أيضًا: My Paradise: الألم والوقوف أمام مرايانا المهشمة

يمرّ الوقت على كذبةٍ ملونة لايمكنهم فعل شيءٍ حيالها إلاّ النسيان والإصرار على الأمل. فأمام فاجعةً يفضل الجميع عدم تذكرتها، قد تبدو تلك الحقائق مثيرة للجراح وقد تخدش الواقع باستحضارها.

كيف لنا أن ننسى ونسامح؟ ربما استحضار الحكايات والرموز من أزمنةٍ سابقة يكفل خلق مساحة للتأمل والتفكير في ذلك

جماليًا تخلق الأجواء الانطباعية التي يزخر فيها الفيلم دورًا في خلق مساحات الأمل تلك خلال سرد الأحداث وتتابعها، حتى في تشكيل المشاهد والصور وشكل بوستر الفيلم، ليتحرك الفيلم معها تباعًا نحو سلوك بعيد عن كل ماتحويه الكذبة أو القصة الحقيقة من ألم. فتتجه نحو عالمٍ أقل تعقيد ربما ترغب به آنا وعائلة فرانتز والشاب الفرنسي أيضًا.

يطبع المخرج فيلمه المختلف كليًا عن أعماله السابقة، وبكل مافيه من رسم وتصوير دقيق لمشاهد طبيعية ترصد إنطباعات الممثلين وتأثرهم بما يجري، في مشاهد البحيرات ولقاءات الشاب والفتاة وماتحويه من خوف بسيط من ذلك الحب الذي بدأ بالظهور.

وعن ذلك الأمل القادم تُلون روح الانطباعية تلك المشاهد في استحضارٍ من المخرج لتلك الفترة وانطباعات كلود مونيه وحضوره الفعلي والمباشر في الفيلم، بعد أن أخبر أدريان عائلة فرانتز بزيارة الاثنين لمتحف اللوفر وإعجاب فرانتز بلوحة كلود مونيه المسماة المنتحر، والتي تتجه إليها آنا لتتأمل قبل نهاية الفيلم تلك الحياة الجديدة التي قد تكون مفعمة بالأمل.

اقرأ/ي أيضًا:
فيلم "Life".. أحد أكثر أفلام 2017 المنتظرة
تجارة قرصنة الأفلام.. سينما بالمجان!