30-مايو-2017

لقطة من الفيلم

فيلم The Beautiful Troublemaker (La belle noiseuse) الذي صدر عام 1991 هو أحد أبرز العلامات المنسية للسينما، وأكثرها كسرًا للقواعد المتعارف عليها في صناعة الأفلام. والأمر مع هذا الفيلم لا يختلف كثيرًا عن باقي أفلام مخرجه "جاك ريفيت" فأفلامه كلها صنعت على نفس الشاكلة.

يناقش فيلم La belle noiseuse قضيتي الفن والإلهام. وهل يمكن أن يضحي الفنان بكل شيء في سبيل فنه وأن يكون في النهاية عبدًا لفنه

الفيلم لم يكن له سيناريو على الإطلاق، مقتبس في الأصل عن قصة قصيرة لبلزاك. كان المخرج يجلس مع طاقم العمل ليتفقوا على ما سيتم تصويره اليوم، ويستمر الفيلم على هذا المنوال حتى خرج لنا المخرج بتحفة فنية من أربع ساعات.

يناقش فيلم The Beautiful Troublemaker قضيتي الفن والإلهام. وهل حقًا يمكن أن يُضحي الفنان بكل شيء في سبيل فنه وأن يكون في النهاية عبدًا لفنه. يحكي الفيلم قصة الرسام المشهور "فرنهوفر" الذي اعتزل الرسم والناس منذ فترة طويلة وقرر أن يعيش في الريف مع زوجته في بيته الكبير، غارقًا في ذكرياته محاولًا الهروب منها.

اقرأ/ي أيضًا: فرقة "مونتي بايثون" وكوميديا أفلام السبعينات التي لن تتكرر

ليأتي رسام شاب معجب بأعماله لزيارته مع صديقته "ماريان" ونرى نفور "فرنهوفر" الدائم من الناس ومحاولته الدائمة الهروب منهم. يحكي لهم عن آخر لوحاته التي كانت سبب اعتزاله لأنه لم يقدر أبدًا أن ينهيها. لوحته " The Beautiful Troublemaker" أو المشاكسة الجميلة، ولا يعرف السبب في عجزه عن إكمالها.

يُلمِح أحد الحاضرين "لفرنهوفر" بأن يعود ليُكمل اللوحة ويُنهي اعتزاله هذا، ويخبره أن "ماريان" ستكون موديلًا مناسبة لإنهاء اللوحة. وهنا يبدأ أعظم جزء في الفيلم، رسم "فرنهوفر" لماريان، انجذابه لها ونفوره منها، انجذابها له ونفورها منه. شد وجذب وحب وغضب، مشاعر كثيرة ومتضاربة بين الاثنين.

في البداية نجد أن "ماريان" تكره "فرنهوفر" بشدة، وترى أنه يُعاملها كجماد، يحركه كما يشاء، يختار له الوضعية المناسبة لكي يرسمه. لكنها مع الوقت تدرك ضعف "فرنهوفر" وهشاشته. وأنه شخص لا حول له ولا قوة أمام موهبته، عبد ذليل لها، لا يستطيع كبحها. حتى زوجته لم تسلم من ذلك، ففي البداية كانت حبيبته ومع الوقت تحولت إلى عبد لفرنهوفر ولوحاته حتى انكسرت وتحطمت، لكنها رغم ذلك تحبه.

اقرأ/ي أيضًا: الحياة التي اختارها تيرانس ماليك

الحوار في فيلم The Beautiful Troublemaker قليل إلى حد ما في البداية، إذا كنت شخصًا لا يحب الفن أو الرسم فأعتقد أنك لن تتحمل مثلًا مشهدًا من ست دقائق من الصمت يقطعه صوت خربشات رجل يرسم. بينما في النصف الثاني من الفيلم فالحوار مكثف، قوي، جارح، تشعر بثقل الكلمات، كل جملة حوارية كأنها أبيات شعر. كل لحظة صامتة تحمل في طياتها ما تعجز الكلمات عن وصفه. نظرات "فرنهوفر" لماريان ونظراتها له تقرأ فيها الكثير.

هل الإنسان حقًا يملك الموهبة؟ وهل هو قادر على تطويعها؟ أم أن المخرج يريد أن يخبرنا أن صاحب الموهبة إذا أراد أن يصل إلى المجد سينتهي به الحال وهو محطم وذليل مثل فرنهوفر.

حوار فيلم  La belle noiseuse قليل، فإذا كنت لا تحب الفن فأعتقد أنك لن تتحمل مشهد من 6 دقائق من الصمت يقطعه صوت خربشات رجل يرسم

فيلم The Beautiful Troublemaker للمخرج جاك ريفيت لا يُقدم لك إجابة مريحة للأسف، بل يُقدم لك الإجابة المؤلمة التي تحاول طوال الفيلم نبذها. الموهبة نقمة قبل أن تكون نعمة، قد تُقدم الموهبة لجمهور صاحبها أشياء عظيمة، لكنها في النهاية قد تكون سبب تعاسة صاحبها.

قُرب نهاية الفيلم، نجد "فرنهوفر" وقد أنهى لوحته، أو بالأحرى انتهت اللوحة منه. ونجده قد ترك كل شيء ونام في المرسم، وكأنه، جندي عائد إلى دياره من الحرب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تعرف إلى حصاد جوائز مهرجان كان 2017

فيلم "مخدومين".. جانب من الخراب اللبناني العظيم