11-يوليو-2019

من الفيلم (IMDB)

في مشاهد درامية اجتماعية، وكنوع من تجسيم المأساة، يعيد المخرج الأمريكي براين بو مناقشة فكرة العنصرية، بإطلاق فيلمه "العالم الذي نصنعه" (The World We Make) المُنتج عام 2019.

يعيد فيلم "العالم الذي نصنعه" تناول قضية العنصرية من جديد من أجل الانتصار على الأفكار التفريقية

الفيلم، المنقول عن رواية بالعنوان نفسه لسيدني كنجسلي، يحكي قصة حب بين لي مدربة الخيل، وجوردن لاعب أكاديمية كرة القدم الطموح.

اقرأ/ي أيضًا: الذاكرة تستيقظ.. عن الخارقين وسحر الغرائبي

شابان على عتبة الحياة والأحلام تجمعهما العاطفة، ويحاول المجتمع الصغير من حولهما، حيث المدينة الحديثة، تفريقهما بحجة اختلاف الأعراق، وتكافح لي البيضاء، من أجل مساندة جوردن الأسمر البشرة لتحقيق طموحه، والانتصار على فكرة المجتمع التفريقية.

البحث عن الخيارات

يمضي الفيلم، في 108 دقيقة من الدراما الاجتماعية، بتماسك مريح بين تطورات الأحداث، وكذلك السببية التي تترتب عليها نقاط الصراع. تقديم بسيط لفكرة الفيلم، تتكاثف فيها أسلوبية المخرج وحركات الممثلين لتقديم عمل مقنع.

يراقب المخرج براين بو عن كثب البنية التأسيسية للشخصيات، ومن ثم يعمل على تطويرها، للوصول لحبكة تصنع الأثر، مستفيدًا من جذور موضوع العنصرية في الوعي الإنساني. فتتطور شخصية لي (روز ريد) من فتاة ريفية تعيش بين الخيول إلى شخصية تحمل فكرة مصارعة المجتمع على عالم تريد أن تصنعه. فيما تمر شخصية جوردن (كاليب كاستل) بعدة تقلبات، بمروره إلى دائرة حلمه، الذي لم يكن يتخيله، بأن يرتبط بامرأة بيضاء، هي بالأساس أخت لصديقه المتوفى. ومن بعدها يستسلم لإرادة المجتمع، الذي يصدر الممانعة بأدواته المختلفة، القناعات، والنظرات، والتعنيف الجسدي. ما يهدّد مستقبله الكروي، بعد تعرضه للضرب وارتجاح المخ للمرة الثانية. هل هي انهزامية أمام عالم مخيف، أم منطقية البحث عن الخيارات؟ هي مسألة يطرحها الفيلم كمشروع تفكيري، لقضايا مشابهة، أو مختلفة يمرّ بها الإنسان في حياته.

عرق مغاير

بالنظر إلى شخصية الأب، للطرفين، فقد كان أبو لي يصارع ألم فقد زوجته بالسرطان، ومن ثم ابنه كايسي بحادث أليم، لقد تكسّر معنى العالم في وجهه، وآثر اعتزال الخاصية التي تربطه بشيء آخر، اعتزل ضحكه، وكرّس فكرته عن الحياة بأن يكون مرآة عاكسة لبشاعة الكون. لكنه كان عليه العودة. ولا بد أنها لمساحة كبيرة منحتها قصة عشق ابنته لشاب من عرق مغاير، ليعيد صياغة فكرة حياته. أم أبو جوردن، فكان ما يرسخ فيه، تجربة مع امرأة بيضاء، هجرته، بعدما أنجبت له جوردن، لقد كان يهرب سوط واقعه، للقمار، شادًا ذيول ذكرياته، رافضًا لتكرار ابنه لنفس النار.

الاقتباسات والسيناريو

لم يعمل معالجو الفيلم كسيناريو على تفريغ فلسفي خاص، خاصة أن أحداث الفيلم تتطلب تواجد جمل اقتباسية، لو كانت ستعطي مزيدًا من الاشتعالية لسياق الفيلم الدرامي. فالإنسان في مراحل الضعف، والتحدي كذلك، حتى في حزنه، يمارس التنقيب عن أجمل ما في ذاته، ليسند عليه. إنه تأثير الاقتباسات، هو من يغير العالم.

وبما أن الفيلم ينقل مأساة على ثيمة الدراما، فقد كان للإضاءة يدًا مسيطرة على تقلبات الأحداث، وتناوبت الكشافات في التعتيم والإضاءة وفق ما يتطلب السياق الدرامي، وقد كان مشهد موت كايسي الأكثر إعتامًا لحظة وفاته، وحتى في المشاهد التي تلت ذلك. وكان النور يد عليا، كرسالة أمل، حول أجسادنا، أو وعينا، بأن الضوء هنالك، خلف هذه العتمة القاسية، علينا التحرك من أجله.

كأنه لا موسيقى

وعن الموسيقى التصويرية في الفيلم، فلقد كانت متوارية، بحيث لا تلحظ وجودها. ومع ذلك فإن الموسيقى لم تكن لتضفي مزيدًا من القيمة لأي مشهد سينمائي. وفيما يخص إيقاعية الحدث في الفيلم، فإن بطء الإيقاع، بهدف تقليل سلطة الجذب الحركة، بحيث لا تطغى على وقع المكان الريفي، ومن بعد آخر، فإنه كلما كبر زمن فكرة ما (العنصرية)، صارت جسدها أثقل، بالتراكم، وصار لمعالجتها، الروية هي الأنسب.

الإيقاع البطيء

إن الأسلوبية الإخراجية تبدو كمراهنة لا تُعرَف النتيجة النهائية، إلا بالانقضاء. وقد صوّر المخرج مشاهد فيلمه في منطقة ريفية تسمى وليامسون، على حواف نهر هاربيث الأمريكي، كرمزية لأصول الفكرة، وكذلك انتقل بمشاهده، لمدينة فرانكلين كحداثة في تجسيد الفكرة ضد الأعراق المغايرة.

مسألة تقريب الأشياء التي لم يكن لها أن تتقارب يومًا، أو لم تكن مهيئة لذلك، هي أداة الدهشة التي يبحث عنها أي مخرج في أفلامه

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "المتسلل ليلًا".. صورة الحياة التي صنعوها لك

كان براين بو يسعى إلى سباق مع قطار قديم، بعدما جرده من محيطه النمطي، ونقله إلى سياقه الدرامي الخاص، وأظنه قد أجاد في ذلك. وتبدو مسألة تقريب الأشياء التي لم يكن لها أن تتقارب يومًا، أو لم تكن مهيئة لذلك، هي أداة الدهشة التي يبحث عنها أي مخرج في أفلامه.

الفن والعنصرية

وإن كان بإمكاننا التساؤل، هل تعالج مشكلة كالعنصرية فنيًا؟ أم أن ذلك لم يكن ليكون، لو أن الفكرة بقيت في منطقة الإعتام؟ كما يقول مورغان فريمان: "تنتهي العنصرية بالكف عن الحديث عنها". هل التنازل عن التعليقات والإضاءات، يضع حلًا لمشكلة قائمة؟

اقرأ/ي أيضًا:

"The Spy Who Dumped Me".. الجاسوسية ببطولة أنثويّة

كونستانس وُو.. كيف فرضت آسيا وجوهها في هوليوود؟