26-نوفمبر-2019

من الفيلم (IMDB)

استقلت أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي في 1990. وفي 2004 فاز المرشح القريب من روسيا فكتور يانكوفيتش بالانتخابات، قبل أن تطعن المعارضة بالنتائج بسبب شبهات تلاعب خلال الفرز فألغيت النتيجة. عاد يانكوفيتش وفاز في انتخابات 2010 وأصبح رئيسُا لأوكرانيا. في العام 2013 شعر الأوكراني بالخذلان بعد تراجع يانكوفيتش عن وعده بالانضمام إلى الإتحاد الأوروبي وإعلانه عن فشل المفاوضات مع الاتحاد ما دفع الشعب بالخروج إلى الشارع.

يسلّط الفيلم الوثائقي "Winter On Fire" الضوء على ثورة الشعب الأوكراني في وجه يانكوفيتش بين خريف 2013 وشتاء 2014

الفيلم الوثائقي "Winter On Fire" يسلّط الضوء على ثورة الشعب الأوكراني في وجه يانكوفيتش بين خريف 2013 وشتاء 2014 وصولًا إلى الإطاحة به. فاز هذا الوثائقي بالعديد من الجوائز العالمية، وحقّق نسب مشاهدات عالية، وكان ملهمًا للكثير من الثوار في العالم.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "The King".. المؤامرة التي تصنع ملكًا

يمتد الفيلم قرابة ساعة ونصف، يرتكز على مقاطع فيديو حية من ساحات التظاهر، ويظهر القمع الوحشي الذي تعرض له المتظاهرون. لكذلك يتناول شهادات لشبان شاركوا بالثورة، وجنود انشقوا عن النظام بسبب رفضهم لاستخدام ضد أهل وطنهم. ويلخص بشكل موجز أحداث الصورة الممتدة بين تشرين الثاني/نوفمبر 2013 وشباط/فبراير 2014، ويوثق أهم الأحداث والمواقف حلال هذه الفترة بالطريقة والترتيب الزمني الذي سنستعرضه في ما يلي.

منشور على فيسبوك يشعل البلاد

في 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، أرسل أحد الناشطين رسالة لآلاف مستخدمي فيسبوك في أوكرانيا، دعاهم فيها للتظاهر في ميدان نيزاليزنوستي الواقع في ساحة الاستقلال في كييف، ضد إعلان الرئيس فشل المفاوضات مع الأوروبيين. في الوقت المحدد كان هناك حوالي 300 متظاهر في الساحة، قبل أن تبدأ الوفود بالتقاطر تدريجيًا. في اليوم الثاني غصّت الساحة بآلاف المتظاهرين بالرغم من المطر الغزير الذي كان ينهمر. رفع المتظاهرون الأعلام الأوكرانية، وحملوا اللافتات المطالبة بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ورفعوا شعار "أوكرانيا جزء من أوروبا".

استمرت التظاهرات بشكل يومي، وفي اليوم الخامس انضمّ طلّاب الجامعات للمشاركة، ما أعطى زخمًا كبيرًا للتظاهرات في العدد وفي النوعية. في اليوم التاسع وبعد فشل كل محاولات السلطات الأوكرانية إقناع المتظاهرين بالعودة إلى بيوتهم، اقتحمت قوات الشرطة ساحة الاستقلال، واعتدت على المحتجين بالضرب المبرح، مستخدمة العصي والحديدية، فيما كان صوت المتظاهرين يصدح "ثورة ثورة" ، "فليسقط النظام " و"الشرطة من الناس".

العنف المفرط في ميدان نيزاليزنوستي جعل المتظاهرين يفرون منه، وينقلون تجمّعهم إلى باحة دير كنيسة ميخايليفسكي. أعاد الثوار تنظيم أنفسهم في الباحة التي ما لبثت أن امتلأت بآلاف من الذين يرددون "سويًّا نحن أقوياء". وأنشأ الناشطون في باحة الدير مراكز مختلفة لتوزيع الأطعمة والألبسة الدافئة، إضافة إلى مكاتب تقدّم خدمات طبية وأخرى قانونية، بمبادرة من متطوعين في كلي المجالين. صمود المتظاهرين البطولي شجّع مئات الآلاف من المواطنين للمشاركة في مسيرات في شوارع كييف ضمت كل فئات المجتمع، وانحاز مئات الفنانين والكتاب للثورة في وجه الحكومة، كذلك فعل عدد كبير من رجال الدين من مختلف الطوائف، والذين رفضوا بشدة استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين.

"البركوت" يلجأون للعنف الوحشي لأجل وأد الثورة

في اليوم الـ11، حاول المتظاهرون اقتحام مقر الحزب الحاكم في كييف، فانهال عليهم رجال الشرطة المعروفين باسم جماعة "البركوت" بالضرب المبرح، ولاحقوهم في الشوارع وألحقوا بهم إصابات بالغة. عاد المحتجون بعزيمة أكبر ونجحوا في السيطرة على مبنى الإدارة الحكومية في كييف. كان المتظاهرون يطلبون من رجال الشرطة رفض الانصياع لأوامر يانكوفيتش، والانضمام للثورة، لأنها لصالح مستقبل الشعب الأوكراني بأسره.

في 2014، بينما يوّجه المتظاهرون النداءات للشرطة في عدم المساهمة في تدمير مستقبل أوكرانيا، كان الرصاص الحي ينهمر عليهم

في اليوم الـ20 اجتمع يانكزفيتش مع ممثلين من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لإيجاد حل ديبلوماسي للأزمة. وفيما كان يانكوفيتش يفاوض الغربيين، كان رجال البركوت ينقضّون على المتظاهرين، وينفذون ما بدا أنه قرارًا بإخلاء الشوارع من المحتجين مهما كان الثمن. القيمون على دير ميخايليفسكي قاموا بقرع كل الأجراس في وقت واحد، لعل هذا يؤثر على مشاعر رجال الشرطة ويجعلهم يترددون في ضرب المتظاهرين، مع العلم أن المرة الأخيرة التي كانت قد قُرعت فيها أجراس الدير كلها في الوقت نفسه تعود للعام 1240، عندما غزا التتر والمغول كييف. آلاف المتظاهرين تدفقوا إلى الميدان لحماية باقي المتظاهرين، وشكلوا سلاسل بشرية، وبات التفوق العددي في صالحهم. اضطر "البركوت" للرضوخ في النهاية وتأجيل هجومهم.

اقرأ/ي أيضًا: الذكاء الاصطناعي vs الذكاء البشري

واجه المتظاهرون البرد القارس وقلة الموارد الغذائية والطبية، لكنهم كانوا مصرين على الصمود، فبنوا التحصينات في الميدان، ووضعوا الأسلاك الشائكة لمواجهة اعتداءات رجال الأمن. شارك الأطفال والفتية في العمل، وتطوعوا لبعض المهام كشحن هواتف المتظاهرين، والمساعدة على استخدام الإنترنت. لم يكن هناك قادة معينون للثورة، بل مجموعات شعبية تتشارك الحلم نفسه، وتتخذ القرارات في حينها بما يخدم مصلحة استمرار الثورة وتحقيقها لأهدافها.

حفل رأس السنة في الشارع والشعب يسقط الرئيس

استقبل المتظاهرون عام 2014 وهم في ساحات التظاهر، وردّدوا شعارات "عامًا سعيدًا يا أوكرانيا" و "المجد للأبطال" ورسموا بمصابيح هواتفهم لوحات رائعة ليل 31 كانون الأول/ديسمبر 2013.

في 16 كانون الثاني/يناير 2014، أي بعد 57 على بداية التظاهرات، صادق البرلمان الأوكراني على عدة قوانين تساهم في قمع الاحتجاجات، كمنع ارتداء الخوذ، ومنع التجمعات الكبير والمسيرات السيارة، كما أعطيت الحكومة الحق بوضع ضوابط على استخدام الإنترنت. في اليوم الـ60 حاول المحتجون اقتحام مبنى البرلمان كتعبير عن رفضهم الشديد للقوانين الجديدة، التي وصفوها بقوانين العار. حاول رجال الشرطة منع المتظاهرين من الوصول إلى المبنى مستخدمين العنف المفرط، فأطلقوا الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، كما استعانو بمجموعة "تينوشسكي" المؤلفة من عصابات مجرمين مأجورين يساعدون الحكومة في القمع، ولا يعرفون الرحمة.

بالرغم من القمع الوحشي الذي تعرضوا له، كان قرار المتظاهرين هو البقاء في الساحات حتى النهاية، كانوا أيضًا يرفضون كل الوعود والضمانات التي قدّمها يانكوفيتش مقابل خروجهم من الشارع، كانت لديهم قناعة بأنهم أمام فرصتهم الوحيدة لإسقاط النظام.

دخلت الثورة الأوكرانية يومها الـ90 في 18 شباط/فبراير 2014، وكان على الثوار تحديد مطالبهم بشكل واضح، بعد نجاحهم في كسب معركة الصمود في الشارع. وقد تم حصر المطالب في نقاط ثلاث هي إخلاء سبيل كل المتظاهرين الذي تم اعتقالهم، إرساء مبدأ المساواة في السلطة، وتحديد موعد انتخابات رئاسية مبكرية. ووضعوا تنفيذ هذه المطالب كشرط أساسي للخروج من الشارع. ونظّم المتظاهرون في اليوم نفسه تظاهرة مليونية باتجاه مبنى البرلمان للضغط في اتجاه تنفيذ هذه المطالب. في شارع "هروشفزكوغو" القريب من البرلمان، تعرّض المتظاهرون لقمع وحشي من قوات البركوت وعصابات تينوشسكي. وقد استخدموا الرصاص الحي والغازات المسيلة، الدخان الأسود ملأ سماء كييف.

في الوقت الذي كان المتظاهرون يوجهون النداءات عبر مكبرات الصوت لرجال الشرطة للاحتكام إلى ضميرهم، وعدم المساهمة في تدمير مستقبل أوكرانيا من خلال تنفيذ أوامر يانكوفيتش، كان الرصاص الحي ينهمر عليهم، وكان القناصون يصطادون المتظاهرين بدون رحمة. ومع ذلك فقد صمد المتظاهرون على الأرض ولم يتراجعوا، كاونوا يكافحون من أجل أوكرانيا. سقط عشرات القتلى ومئات الجرحى في ذلك اليوم، كان حمام دم حقيقيًا.

بعد 94 يومًا تمامًا على بداية الثورة الأوكرانية، رصدت إحدى كاميرات المراقبة الرئيس يانكوفيتش وهو يفر من كييف بطائرة خاصة

لجأ الثوار إلى دير "ميخايلينفسكي" مرة أخرى، وأقاموا المشافي الميدانية لعلاج جرحى 18 شباط/فبراير، ومراكز للمؤن والألبسة. أعادوا تنظيم أنفسهم من جديد استعدادًا للمرحلة المقبلة. بعد إمعان السلطات في استخدام العنف، رفض عدد كبير من رجال الشرطة الإنصياع لأوامر الحكومة وانضموا للمتظاهرين وتعهدوا بتقديم الحماية.

اقرأ/ي أيضًا: ضمن سلسلة "Nova".. في زمن ذاكرة الجيب

صباح 22 شباط/فبراير 2014، أي بعد 94 يومًا تمامًا على بداية الثورة، رصدت إحدى كاميرات المراقبة، الرئيس يانكوفيتش وهو يفر من كييف بطائرة خاصة. وأعلن البرلمان لاحقًا بأن الرئيس استقال بطريقة غير دستورية. تمّ تحديد موعد انتخابات رئاسية مبكرة في أيار/مايو 2014. احتفل المتظاهرون في الساحات بهذا النصر الذي حققوه بدمائهم وصمودهم في الشارع. في الأشهر اللاحقة حُلّت قوات البركوت، ووقعت الحكومة الجديدة اتفاقية انضمام للاتحاد الأوروبي، وقدم يانكوفيتش طلب لجوء سياسي إلى روسيا فتمت الموافقة عليه، ليسطّر الشعب الأوكراني واحدة من أهم ملاحم القرن الـ21، ويثبت أن إرادة الشعوب وتعاونها بإمكانه في النهاية الانتصار على آلة القمع مهما تمادت في بطشها.

اقرأ/ي أيضًا:

وثائقي "الساعات الأخيرة".. كيف كانت آخر لحظات حكم مرسي؟

رحلة في عالم الثقوب السوداء