24-أغسطس-2017

لقطة من الفيلم

في الألفية الثالثة، مثّلت سلسلة "Planet of the Apes كوكب القرود" واحدة من أكثر السلاسل الفيلمية شهرة وجماهيرية، بدءًا من جزئها الأول الذي ظهر عام 2011 بعنوان Rise of the Planet of the Apes أو "صعود كوكب القرود"، وقد حظي بحفاوة نقدية واستقبال جماهيري لافتين، مرورًا بالجزء الثاني منها Dawn of the Planet of the Apes أو "فجر كوكب القرود" في 2014، ووصولًا للفيلم الختامي War for the Planet of the Apes "الحرب من أجل كوكب القرود" المعروض حاليًا في الصالات.

نجاح سلسلة كوكب القرود يعزوه البعض إلى موازنة صانعيها بين تقديم قصة جيدة، أبطالها شخصيات مرسومة بعناية وتحمل مشاعر متناقضة

نجاح السلسلة يعزوه البعض إلى موازنة صانعيها بين تقديم قصة جيدة، أبطالها شخصيات مرسومة بعناية وتحمل مشاعر متناقضة وبين توفير مشاهد جمالية تستفيد من المنجز التكنولوجي الهائل في مجال التصوير السينمائي.

مشاهدة التتمة الختامية للسلسة ستكون دليلًا ومثالًا على فرادة ذلك العمل "المينستريمي"، فهو بالفعل نوع نادر من الأفلام الناجحة تجاريًا، باحتوائه على قصص فائضة بالمشاعر وجدل فكري حول دوافع وشرعية البقاء يطرح ملاحظات ثقافية ملحّة في مرحلة زمنية تشهد تصاعد خطابات الكراهية ضد الآخر المختلف.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Morvern Callar": الهروب على طريقة ألبير كامو

يبدأ "War for the Planet of the Apes" بمواجهة عنيفة بين كتيبة من الجنود البشريين ومجموعة من القرود، في ظل اشتعال الحرب بين المعسكرين، رغبة من البشر في الانتقام مما فعله القرود بهم في الجزء السابق.

ما سيلي ذلك المشهد مباشرة هو قصة انتقام، قصة هروب "ويسترنية" أكثر منها حربية، سيستفيد خلالها صنّاع الفيلم بالاستعانة بصورة واضحة وصريحة بمجموعة من أفلام النوع الكلاسيكية، مثل "القيامة الآن" للمخرج فرانسيس كوبولا و"جسر على نهر كواي" لديفيد لين و"الهروب الكبير" لمخرجه جون ستروغس.

ما حدث قبل ذلك مباشرة: الفيروس الذي ساهم في تدمير جزء كبير من البشرية وساعد القرود في السيطرة، يبدو أن ثمة تحديث ظهر له. يفقد الإنسان القدرة على الكلام ويكون عليه التعبير عن نفسه بأصوات مثل.. نعم مثل القرد. شوكة في عين الكولونيل (وودي هارلسون).

الإشارة إلى الكولونيل كورتيز (بطل رواية "قلب الظلام" لجوزيف كونراد وفيلم "القيامة الآن" لكوبولا) لا يتغاضى الفيلم عن إبرازها: هو العسكري المستبد الدخيل الذي يحارب شياطينه الخاصة NH JU، رجل أمضى أوقاتًا طويلة وعصيبة في ميادين القتال والدم فألفه الحزن وجنون الارتياب، معركته ضد القرود يراها حربًا مقدسة، وهو أيضًا الذي يقتل زوجة القرد سيزار (آندي سركيس) في افتتاحية الفيلم. يسعى سيزار للانتقام، فيستغل فترة توقف الحرب بين معسكر البشر والقرود ليدعو بعض المقربين لضبط الكولونيل الذي يقود الحرب ضد القرود عن العقيد وقتله.

حبكة الجزء الأخير من سلسلة كوكب القرود لن تتمحور حول المعارك المبهرة المعتادة، بل ستأخذ منحى داخلي أكثر على غرار "A Man Escaped"

الكراهية ستعود في الفيلم الجديد، ولكنها لن تكون مجردة كما في الجزء السابق، بل ستتداخل بصراعات نفسية داخلية تمور بها أرواح أفراد المعسكرين، في ظل صراع محتدم ومربك فكريًا على البقاء. لا شيء محسوم نهائيًا هنا، فالفيلم لا يحاكم شخصياته، بل يقدّم ذلك الصراع بطبقاتٍ متعددة لتوسيع مسار جدل المشاهدة.

حبكة فيلم "War for the Planet of the Apes" لن تتمحور حول المعارك المبهرة المعتادة في مثل تلك الأفلام، بل ستأخذ منحى داخلي أكثر على غرار "A Man Escaped رجل هارب" لروبرت بريسون، وسيكون على المتفرج متابعة مخططات هروب وألعاب نفسية وذهنية ومهمات تجسس وألعاب صدفة وحظ، تحمل حكاية معركة كونية لا تبدو لها نهاية قريبة في الأفق.

يملك الممثل آندي سركيس، منذ تجسيده دور غولوم الشهير في ثلاثية The Lord of the Ring "سيد الخواتم" قيمة ثابتة فى عالم السينما. هنا، تتنازع شخصيته مشاعر الانتقام والسلام، ومع استنكافه الضميري ومسؤولياته ودوره كزعيم لمعسكر القرود فهو تقريبًا النظير الأيديولوجي للكولونيل البشري (أو ربما مثيله؟ هل يجسّد فظائع الإنسان كقرد؟ لأنه في السلسلة يجري تقديم القرود بصفتهم الطيبين/الجيدين في مقابل إلحاق الصفات السيئة بالبشر). كل من الكولونيل وسيزار يهدفان إلى عالم صالح للعيش والسكنى لبني جنسهم.

يحمل سيزار الكثير من شخصية النبي موسى الذي قاد شعبه إلى أرض الميعاد، أكثر من كونه الإمبراطور الروماني الذي ساد أوروبا، وقد ظهرت الشخصية للمرة الأولى في آخر فيلمين من السلسلة الأصلية التي ظهرت في أواخر الستينات، Conquest of the Planet of the Apes (1972) and Battle for the Planet of the Apes (1973). هناك أيضًا، تزعّم سيزار حركة مقاومة القرود في مواجهة البشر.

اقرأ/ي أيضًا: أكثر الشخصيات تناقضًا تتحالف في الأفلام.. كيف يصنع الكتاب ذلك؟

في تلك الأفلام المبكرة كانت القردة رمزًا للعبودية والأقليات داخل المجتمع الأمريكي، أما الآن فلا مجال لوجود تلك التيمة المضمنة إلا إذا كنت تفسّر بناء الجدار بين المعسكرين المتحاربين في الفيلم إسقاطًا على نية الرئيس الأمريكي المجنون دونالد ترامب بناء جدار مماثل على الحدود الأمريكية المكسيكية. هذه قيمة إضافية لفيلم من أفلام الانتاجات الصيفية الضخمة.

الثنائي مات ريفز مخرجًا ومارك بومباك مؤلفًا يجتمعان مجددًا في War for the Planet of the Apes بعد تعاونهما السابق في الجزء الثاني من السلسلة، ويبقيان على قتامة وكآبة أجواء الفيلم، ولكنهما أيضًا يتغلبان على الكثير من مشكلات سيناريو الجزء السابق.

مثّلت سلسلة "Planet of the Apes كوكب القرود" واحدة من أكثر السلاسل الفيلمية شهرة وجماهيرية

التخلص من الإيقاع البطيء، وإضافة عدد من القرود المتكلمين للتغلّب على رتابة الحديث بلغة الإشارة بين القرود، والحفاظ على النبرة السوداوية الحاضنة للفيلم ككل، أمور ستجعل الدراما التي يقدمها الفيلم صعبة أحيانًا وعدمية في أحيان أخرى، مع بعض السنتمنتالية هنا وهناك من وقت لأخر.

موسيقى مايكل جياشينو ستذكّرنا أحيانًا بمؤلفات جون باري لأفلام جيمس بوند، لكنها ستشكّل مزيجًا من الميلانكولية والتوتر تطرّز اللحظات الثقيلة التي يسمح لها التصوير بترسيخ نفسها. هنا فيلم يبني نفسه بتأني، طبخة دسمة تطبخ على مهل، شاعرية وطبيعية قاسية يسيران جنبًا إلى جنب.

اقرأ/ي أيضًا:

10 أفلام تذكرك بالتاريخ الذهبي للزعيم عادل إمام

أكثر من 10 أفلام استوحى منها Game of Thrones