16-مايو-2023
فيلم "Spiderhead"

من الفيلم

يستند فيلم "Spiderhead" إلى قصة قصيرة من تأليف جورج سوندرز بعنوان "الهروب من العنكبوت" نشرت في العام 2010. مدته 106 دقائق، صدر في العام 2022. قام بإعداد السيناريو كل من ريت ريز وبول ويرنيك. وهو من إخراج جوزيف كوزينسكي مخرج فيلم "Top Gun: Maverick"، ومن أداء كل من كريس هيمزورث ومايلز تيلر وجورني سموليت.

الحكاية

تدور القصة حول مجموعة من السجناء يشاركون في تجارب تتضمن حقنهم بعقاقير كيميائية ذات تأثير عقلي. وعلى أمل تخفيض عقوبتهم السجنية يتم تقييد حريتهم في مركز أبحاث فخم إلى حين الانتهاء من التجربة. للسجناء غرفهم الخاصة، ويقومون بالأعمال المنزلية، ويمكنهم التجول بحرية دون إشراف الحراس، ولكن ضمن شروط محددة. يخضع الأشخاص للاختبارات اليومية عبر حقنهم بالعديد من الأدوية، وكلها تغير من مشاعرهم وتصوراتهم عن محيطهم.

تدور قصة فيلم "Spiderhead" حول مجموعة من السجناء يشاركون في تجارب تتضمن حقنهم بعقاقير كيميائية ذات تأثير عقلي

 

بشر كفئران للتجارب

تسلب الأدوية المحقونة الإرادة الحرة للسجناء. واعتمادًا على المادة المحقونة، تختلف ردود الفعل من الضحك الذي لا يمكن السيطرة عليه إلى الإثارة الشديدة إلى نوبات الرعب المظلمة. دواء N-40 Luvactin يجعل الناس يقعون في الحب ويصبحون أكثر حميمية مع بعضهم البعض. يوافق جيف على أخذ الحقنة مع هيذر وسارة. ثم هناك دواء G-46 Laffodil الذي يعمل بشكل أساسي كمحفز للضحك. يستخدم الدواء في بداية الفيلم على شخصية راي، الذي ينفجر في ضحك لا يمكن السيطرة عليه، وحتى أنه يضحك عندما يتم إخباره ببعض الحقائق الدامية حول الإبادة الجماعية في رواندا. وأما دواء I-16 Darkenfloxx فيعتبر الأشد تأثيرًا وضررًا من بقية الأدوية لأنه يتسبب في إصابة المتلقي بالاكتئاب مع نزوع نحو أفكار انتحارية. يتم حقن إحدى السجينات بهذا الدواء مما يؤدي بها إلى قتل نفسها.

بينما الدواء المحوري في الحبكة هو B-6 Obediex وتكمن تأثيراته في الطاعة. إنه يجعل الناس مطيعين لأولئك الذين يتحكمون بهم. وهذا مبتغى تجربة أبنيستي الأساسي والذي عمد إلى إيهام المسجانين أن اختباراته طبية بحتة في الوقت الذي كان يعمل على تمرير جرعات من دواء الطاعة للمساجين. لكن سرعان ما تتخذ الأمور منحى دراماتيكيًا يؤدي إلى خروج التجربة عن السيطرة واتضاح أهدافها المدمرة على الأفراد، مما يدفعهم للانقلاب على صاحب الفكرة المؤسسة والمنفذ للمشروع ستيف أبنيستي ومساعده مارك.

يدرك جيف المخاطر الكامنة في اختبارات الأدوية المزعومة ويخطط للهرب مع زميلته. لكن هل يهربون؟ وهل يتحررون من الأدوية المخدرة التي تتحكم في أفعالهم وتلغي إرادتهم الحرة؟ إنه نقاش عالمي مفتوح على مصراعيه! فهل تتجه البشرية إلى المزيد من إعطاء الفرد حريته أم تتجه إلى تقييد حرية الأفراد أكثر فأكثر، وصولًا إلى عالم مسيطر عليه كليًأ من قبل السيستم. لنتخيل سويًا دواءًا كهذا كم سيكون ذات منفعة للحكومات والشركات الكبرى للتحكم في سلوك الجماهير!

الطريق إلى المثالية تمر عبر الطاعة القصوى

يطرح كوزينسكي مسألة إمكانية تحقيق "الطاعة" القصوى للفرد داخل السيستم، بحيث تهدف التجربة إلى خلق نماذج جديدة تعد بمثابة "نسخة أفضل" من النسخة الأصلية عند كل فرد من الأفراد. فهل يمكن الوصول إلى مرحلة يطيع فيها الأفراد النظام بنسبة مئة في المئة! وهل تعني الطاعة القصوى بالضرورة نموذج إنساني أفضل! وهل تكمن قيمة الإنسان وجماليته في بعده المثالي الملائكي أم في كونه كائنًا غير معصوم من الخطأ والخطيئة. أليس ما يميز البشر فرادتهم وقصصهم المختلفة وتجاربهم المتنوعة، أم أن بناء نموذج نمطي موحد للإنسان سيوفر السعادة للإنسانية جمعاء!

لا يعتقد كوزينسكي أن الفيلم عبارة عن خيال علمي. يقول "أعتقد أن كل شيء في هذا الفيلم يمكن أن يحدث اليوم، ومن المحتمل أن يحدث في وقت ما قريبًا"، وأشار إلى التلاعب الذي تمارسه شركات الأدوية وتسخيرها للتكنولوجيا في هذا المجال. لكن الفيلم يعطينا خلاصته النهائية: "الحب هو الحالة الوحيدة التي لا يمكن التحكم بها والسيطرة عليها". فالحب هو الحالة الوحيدة التي تجعلنا قادرين على "الهروب من العنكبوت".

تجدر الإشارة إلى أن أبنيستي يشير إلى أن تجاربه ليست الأولى من نوعها. هناك مئات التجارب التي تحصل في أماكن أخرى. وهناك آلاف من هم مستعدون لإجراء هذه التجارب في أمكنة وأزمنة مختلفة. إذًا، ليست نهاية جيف وليزي نهاية سعيدة بعد هروبهما من السجن ونجاتهما من تجارب ستيف أبنيستي، ذلك أن العالم يحكمه المجانين المستعدون في كل يوم لإزهاق أرواح الآلاف وجعلهم كفئران تجارب لتحقيق غاياتهم.

كوزينسكي: "كل مخرج سيقول إن أهم جزء في العمل هو اختيار الممثلين، وفي كل مرة أصنع فيها فيلمًا تتعزز لدي هذه الرؤية، وأدرك مدى أهمية هذه النقطة أكثر مما اعتقدت في الفيلم الأخير"

صحيح أن ستيف أبنيستي يحاول أن يكون صديقًا للجميع، ويظهر عاطفة صادقة من الخارج، لكن دوافعه أكثر شرًا من كونها صادقة. غير أنه يبقى حتى اللحظات الأخيرة من الفيلم، أي إلى لحظة موته جراء تحطم طائرته، إلى هذه اللحظة كان ستيف مقتنعًا بما فعله من تجارب قادرة على تغيير العالم. ستيف لم يكن شريرًا بالنسبة لنفسه، أي أنه لم يدرك ذاته كشرير أو يصنف أفعاله كأفعال شر. ستيف يتشابه مع كثير من أثرياء العالم الذين يؤمنون بأن أعمالهم وتجاربهم ستفيد البشرية.

ربما يظن ستيف أنه صاحب رؤية مثالية تهدف لتحقيق "السلام العالمي"، لكن وسائله ذات نتائج كارثية. أحيانًا لا تكفي النوايا الحسنة، فليس صحيحًا أن الغاية تبرر الوسيلة، غالبًا ما تكون الوسيلة أهم من الغاية نفسها. وعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك ستيف جوبز وإيلون ماسك وغيرهم كثيرون الذين ربما أثرت أفكارهم وأفعالهم سلبًا على الحياة الإنسانية، لا سيما بعد الكم الهائل من التكنولوجيا قي كافة الميادين التي شهدتها البشرية، وفي آخرها الجدال الدائر حول الذكاء الاصطناعي.

تكمن المفارقة في أن شركة "أبنيستي للأدوية" بدأت فعلًا كمشروع للسلام العالمي، لكن بمجرد تذوقه طعم القوة والسيطرة أي بمجرد امتلاكه "السلطة" انتابه الجشع والرغبة في الحصول على المزيد والشراهة للتملك والتحكم. بالمعطى السياسي- النفسي هي صفات لا تخلو من الاضطراب وانعدام السواء لدى صاحبها كونها نزعات مدمرة للبشرية. وهذا ما يمكن استشفافه من الفيلم حيث أن البدايات ذات الأبعاد الخيرة لا تعني بالضرورة نهايات خيرة أيضًأ بل ربما تكون ذات أبعاد شيطانية في ختامها.

كوزينسكي وسؤال التمثيل

أداء الممثلين كان مؤثرًا، غير أن كريس هيمزورث جسد شخصية ستيف أبنيستي بنجاح باهر، إذ استطاع تحميل هذه الشخصية المعتلة اجتماعيًا ونفسيًا تناقضات عديدة (تعاطف وإقناع وخفة دم وشر وأناقة وتلاعب واحتيال بالأخرين). جاءت الشخصية لتحمل مروحة من الوجوه التي تتفاعل مع كل موقف ومع كل شخصية أخرى على حدة. أبنيستي شخصية معقدة للغاية. إنها ساحرة ومظلمة وملتوية ومحطمة من الداخل، شخصية تحمل القليل من كل شيء.

في هذا الصدد يشير كوزينسكي بالقول "كل مخرج سيقول إن أهم جزء في العمل هو اختيار الممثلين، وفي كل مرة أصنع فيها فيلمًا تتعزز لدي هذه الرؤية، وأدرك مدى أهمية هذه النقطة أكثر مما اعتقدت في الفيلم الأخير". ويرى كوزينسكي أنه "لو لم يلتزم الممثل الذي لعب دور أبنيستي بنسبة 100 % في إثراء هذه الشخصية، فإن الفيلم بأكمله ينهار"، وبرأيه فإن قرار واحد يمكن أن يجعل الفيلم ناجحًا أو فاشلًا، وهنا تكمن أهمية اختيار الممثل المناسب للدور المناسب.

تلعب الموسيقى (جوزيف ترابانيزي) دورًا هامًا في الفيلم تتناسب مع الحبكة والانعطافات العديدة في الفيلم وفي مقدمتها ما تحدثه حقنات العقاقير الكيميائية في عقل الأفراد إبان الحقن بأنواع مختلفة من العقاقير. الموسيقى تخبر قصة أيضًا. في بعض المشاهد، وتحديدًا خلال التجارب على العقاقير، نشعر أن المؤثرات الصوتية تشبه الأصوات التي نستمع إليها داخل غرفة طبيب الأسنان أثناء تشغيل ماكيناته والعمل بأدواته الجراحية الحادة.