06-فبراير-2017

لقطة من الفيلم

ليست الأفلام المصنفة على أنها أفلام رعب، هي الوحيدة القادرة على حبس أنفاسك ووضعك في موضع قلق ومتوتر ومختنق، فيلم Nocturnal Animals أو "كائنات ليلية"، فيلم درامي قام بهذه المهمة على أكمل وجه، قد تصل في بعض المشاهد إلى محاولة التقاط أنفاسك بصعوبة لشدة تورطك مع الأحداث وانغماسك بها، حتى أن أفضل جملة تصف الفيلم هي جملة موجودة في أحد إعلاناته الدعائية، وهي: "فيلم يلمس شيئًا ما داخل المشاهد"، سواء عقله أو قلبه أو روحه.

الفيلم بطولة إيمي آدامز وجايك جالينهال، اللذين يتخذان خطوات ثابتة في هوليوود خلال السنوات الماضية، من حيث اختياراتهم وأدائهم للأدوار، بالإضافة إلى آرون جونسون ومايكل شانون، رباعي تمثيلي فائق الامتياز، أعطوا لشخصياتهم الأبعاد الشكلية والنفسية المطلوبة بشكل رائع، وكان الترشح للأوسكار من نصيب شانون مستحقًا، وعدم ترشح جونسون كارثة، وهو الحائز على الـ"جولدن جلوب" عن هذا الدور!

فيلم Nocturnal Animals بطولة إيمي آدامز وجايك جالينهال، اللذين يخطوان بثبات خلال السنوات الماضية من حيث اختياراتهم وأدائهم

السمات التي اتسم بها دور جالينهال كانت الخوف والجبن وعدم القدرة على اتخاذ القرارات، وقد جسدها ببراعة متوقعة منه، ونرى الحيرة وقد تملكت الشخصية التي أدتها إيمي آدمز، والخسة والإجرام الذي جسده آرون جونسون ببراعة، ونرى أيضًا رغبة في فعل الخير خارج إطار القانون وقد جسده شانون في دور ضابط الشرطة. كلها شخصيات رسمت ببراعة.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "ترامبو": من تاريخ ملاحقة أمريكا للشيوعيين

هنا تأتي قوة الأداء التمثيلي الجمعي في الفيلم، كل شخصية فيه تصف جزءًا موجودًا في ذواتنا، طبيعتنا كبشر، لا تملك طوال الفيلم سوى إحساسك أنك في نفس موقف الأبطال، وستجد صراعًا مع نفسك قد احتدم طوال أحداث الفيلم، "ماذا سأفعل لو كنت في هذا الموقف؟ هل أنا ضعيف أم قوي؟ هل سأتخذ قرارًا مخالفًا؟".

أما توم فورد فكان مؤلفًا ومخرجًا لهذا الفيلم في تجربته الثانية بعد فيلم "A Single Man" بثماني سنوات، واستطاع أن يقدم فيلمًا ممتازًا من جميع النواحي، فكل شيء مميز، الإخراج والتصوير والتمثيل والإضاءة والموسيقى والمونتاج.

المخرج نسج -كما ذكرنا سالفًا- مناخًا عامًا يعتمد على أسلوب الورطة، إذ نجد البطلة سوزان "إيمي آدمز" تتلقى رواية من حبيبها القديم إدوارد "جالينهال"، بعنوان "كائنات ليلية" -وهو الاسم الذي كان يطلقه عليها قبل انفصالهما منذ 19 عامًا- وتبدأ في قراءة الرواية في ظل وجودها في حياة بلا معنى، وسط زيجتها الجديدة غير الموفقة وابنتها البعيدة، هنا يبدأ الخط الأساسي للأحداث في الانقسام ليبرز خطان آخران، خط الرواية التي تقرأها ويظهر فيها جالينهال حبيبها السابق في نفس شخصية البطل وقد تزوج وأنجب فتاة، إلى جانب خط درامي آخر تتذكر فيه علاقتها القديمة به، وتسير الثلاثة خطوط معًا طوال أحداث الفيلم.

سمات دور جالينهال بفيلم Nocturnal Animals كانت الخوف والجبن وعدم القدرة على اتخاذ القرارات، وقد جسدها ببراعة متوقعة منه

مع تعدد هذه الخطوط برز دور المخرج قويًا، فلم يجنِ خط على آخر، وساروا معًا دون اختلال أو نسيان لأحدهم على حساب الآخر، وهذا هو أول نجاح يحتسب للمخرج، إلا أن المناخ الذي أظهره المخرج في أحداث الرواية التي تقرأها البطلة كان هو نجاحه الأبرز في الفيلم، فهذه الرواية تحكي عن زوج وزوجته وابنتهما خلال ذهابهم في عطلة وتعرضهم لمضايقات من قبل مجموعة من الشباب الذين يجبرونهم على الوقوف على جانب الطريق، وتتطور الأحداث حتى يختطفوا المرأة والفتاة.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "أسد".. رحلة التيه في وقائع الخيال

هذا بالإضافة إلى اجتماع الامتياز في كل من المونتاج والتصوير، خاصة في المشاهد التي جمعت بين جالينهال وإيمي في موقفين مختلفين في نفس الوقت، لا سيما مشهد نسمع فيه ضربات القلب وهي تعلو وتنخفض تعبيرًا عن لحظة معينة فارقة في الفيلم. إلى جانب استخدام الألوان والإضاءة بشكل ممتاز، حتى القطع الفنية الموجودة في بيت سوزان، كل شيء كان يعبر عن إحساس الشخصيات في كل لحظة من الفيلم.

ثم تأتي النهاية لتثير التساؤلات لدى المشاهد، فالرواية تختلط مع الأحداث الحقيقية في الفيلم، الشخصيات تتشابه والأحداث تتشابه، وحتى بعض المشاهد تتشابه، وبدون حرق نهاية الفيلم، فإنه يمكننا القول إن كيفية الربط بين الخطين الرئيسيين فيه هما سر تحليل أي مشاهد لهذا العمل، هذا الربط الذي يعتمد على مخيلة كل فرد منا، لذلك فقد تتعدد التفسيرات لكنها لن تنتقص من جودة الفيلم واحترافية ممثليه ومخرجه، ومن مكانة الفيلم كواحد من أفضل أفلام التشويق الدرامي والجريمة.

اقرأ/ي أيضًا:
20 فيلمًا ينتظرهم عشاق السينما في 2017
لماذا يحتاج العالم إلى "لالا لاند"؟