23-يونيو-2019

من الفيلم (IMDB)

فيلم "The Guernsey Literary and Potato Peel Pie Society" لمخرجه البريطاني مايك نيويل (Mike Newell) يودّ أن يكون وصفًا مسهبًا ومقنعًا أيضًا لمصائر الأمكنة وسكّانها. هذا أوّلًا. ثانيًا، يودّ أن يكون بعيدًا عن الحرب، باعتبار أنّ أحداثه تدور بعد سنواتٍ قليلة من انتهاء الحرب العالمية الثانية، دون أن يكون هذا البعد معناه قطيعةً كاملةً وتامّة للحرب، إذ إنّه من غير الممكن تجاهلها، لا سيما في وقتٍ تعمل فيه المُدن التي صوِّرت فيها أحداثه، على التعافي من آثارها لتوّها. هكذا، كان الخيار أن تحضر الحرب داخل الشريط بوصفها جزءًا من الحكاية، وليس الحكاية كاملةً، وأيضًا بوصفها ماثلةً في تاريخ وذاكرة شخصيات العمل.

تحضر الحرب داخل فيلم مايك نيويل بوصفها جزءًا من الحكاية، وبوصفها ماثلةً في تاريخ وذاكرة شخصيات العمل

تتناوب أحداث الشريط بالتساوي بين جزيرةٍ بريطانية معزولةٍ تارةً، والعاصمة لندن تارةً أخرى، لتُفسح المجال أمام الكاميرا بالتنقّل بين الهامش والمركز، ومُعاينة الاختلافات والفوارق بينهما. هكذا، سنتتبّع أوّلًا في الأخيرة، لندن، التي شُفيت لتوّها من آثار الحرب، حكاية كاتبة مغمورة، تُخبرنا أنّ مبيعات كتابها الأوّل لم تتجاوز 28 نسخة حول العالم، وأنّها تودّ العمل على كتابٍ جديد، لا تعرف بَعدُ فكرته. ولأنّ الشريط مجموعة حكايات ظاهرة ومخفية، تُزاح الحكاية الظاهرة والهشّة أساسًا من حياة الكاتبة الشابّة، وتظهرُ بدلًا منها حكاية مخفية وحسّاسة؛ حكاية موت والديها في الحرب.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Operation Finale".. القبض على أدولف آيخمان

استعادة الكاتبة، جولييت أشتون (Lily James) لتفاصيل ومشاهد سريعة من حادثة موت أبويها، سيكون الحضور الثاني للحرب في الشريط بعد مشهد الافتتاح، حين نُشاهد مجموعة جنود نازيين في دورية ليلية يُصادفون عددًا من سكّان الجزيرة يتجوّلون ليلًا، وقت حظر التجوّل، لنعرف أنّ هؤلاء الأشخاص مؤسِّسون نادي القراءة الذي يحمل الفيلم اسمه، أي "The Guernsey Literary and Potato Peel Pie Society". هكذا، تتّضح مبدئيًا للمشاهد القليل من تفاصيل الفيلم، وربّما بعض أسرار الحبكة الرئيسية، إذ يبدو واضحًا أنّ ما سيجمع أعضاء نادي القراءة بالكاتبة، بشكلٍ أو بآخر، هو القراءة والأدب، والصدفة ممكنة دائمًا. وتندرج هذه السهولة لا في خانة ضعف الحبكة أو غيره، وإنّما في حرص طاقم العمل، كُتّابه ومخرجه، على ألّا تُدخل شخصيات العمل الكثيرة، وكلٍّ بحكايته الخاصّة، المُتفرّج في متاهةً يصير من الصعب عليهم مع تقدّم السرد التقاط أطرافها.

سيكتب داوسي آدمز (Michiel Huisman)، أحد أعضاء النادي رسالةً لأشتون يطلب فيها مساعدته بتأمين كتابٍ لوليم شكسبير لم يتمكّن من إيجاده في الجزيرة. رسالة آدمز هذه ستتحوّل إلى رسائل متبادلة بين أشتون وبينه، دون أن يعرف أنّها، جميعها، سوف تفتح الباب على وسعه أمام سيل ذكريات بقيّة أعضاء النادي، وتعود أيضًا لتنكأ جراحًا اندملت، وتفضح أخرى لم تندمل بعد، فالخارجون لتوّهم من حربٍ عزلتهم عن العالم – بعد أن حوّل النازيون جزيرتهم إلى قلعةٍ عسكرية كبيرة – يُحاولون الآن استعادة توازنهم من جديد، والتصالح عنوةً ودون رغبة مع أقدارهم البائسة التي فرضتها الحرب، حين قذفت بهم جميعًا نحو الشقاء والهلاك. سنعرف من الرسائل المتبادلة أنّ الألمان صادروا كلّ الحيوانات التي يمتلكها مزارعو الجزيرة لإطعام جنودهم، وأنّ المزارعين لم يعودوا يمتلكون شيئًا غير البطاطا التي سيصنع مدير مركز البريد في الجزيرة من قشورها فطيرةً ستكون اسمًا لناديهم فيما بعد.

كان الخيار أن تحضر الحرب داخل فيلم "The Guernsey Literary" بوصفها جزءًا من الحكاية، وليس الحكاية كاملةً

تُغيّر هذه الرسائل في المقابل مسار حياة جولييت أشتون، وتدفعها للسفر إلى الجزيرة، مدفوعةً بفضولها في التعرّف إلى نادي القراءة ذاك أوّلًا والكتابة عنه ثانيًا، ليكون هو قصّة الكتاب التي تودّ إنجازه. هناك، تكتشف أنّ نادي القراءة ينطوي على قصّة أخرى، وأنّ تلك القصّة كذلك تنطوي بدورها على قصصٍ أصغر، تدور جميعها في مدار الحرب، وتصل بالنهاية إلى قصّة واحدة؛ قصّة اعتقال الألمان لفتاةٍ من أعضاء النادي بعد قصّة حبٍّ جمعتها بضابطٍ ألمانيّ يُقتل لاحقًا، أثمرت طفلة صغيرة سيتكفّل آدمز بتربيتها بعد ترحيل والدتها إلى ألمانيا، ووفاتها هناك.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Ashes in the Snow".. حياة رمادية

هكذا، سوف تكتب أشتون حكاية الجزيرة وسكّانها أيام الحرب بدلّا من حكاية نادي القراءة، دون إهمال الأخير. مهتمّةً بتفاصيلهم الصغيرة آنذاك، وحكاياتهم، ومصائرهم التي أفرزتها تلك الفترة، دون أن تكون الحكاية كاملةً عن الحرب، إنّما الحرب جزء منها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "ألم ومجد" لألمودوفار.. سيرة ذاتية تمجّد عتبة الألم

سينما هوليوود.. محاولة لخلق عالم ممكن