31-يوليو-2019

من الفيلم (IMDB)

ثار الشعب السوري ابتداءً من آذار/مارس 2011 على نظام آل الأسد، الذي يتحكم بمصائرهم وحيواتهم منذ أكثر من أربعين سنة. وبدلًا من تطور حياتهم نحو الأفضل كما يأمل الثوّار عادة، وُوجه السوريون بآلة القتل الأسدية فسقط آلاف الضحايا، وامتلأت السجون والأقبية بالمعتقلين السياسيين الذين لاقوا أسوأ أنواع التعذيب، وتحولت الحياة في سوريا إلى جحيم حقيقي مع تغوّل النظام وإفراطه في استخدام العنف، ومع ظهور الجماعات التكفيرية التي زادت الطين بلة، بات المواطنون عالقين بين فكي كماشة لا يعرفان الرحمة.

يتناول فيلم "وُلد في سوريا" (Born In Syria) رحلة سبعة اطفال، من ضمن آلاف المهاجرين إلى أوروبا

أدت الثورة والأحداث التي تلتها إلى فرار ملايين السوريين من بلدهم هربًا من الموت المحتّم. ونزحت غالبيتهم إلى البلدان المجاورة، فيما اختار قسم منهم أن يركب البحر ويفر باتجاه أوروبا بوسائل غير شرعية وعن طريق التهريب، مع كل ما تحمله من خطر على حياتهم.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "العبور".. اللاجئ السوري في المختبر الغربي

المخرج الإيطالي هيرنان زين، المختص بالوثائقيات حول معاناة الشعوب، ومن أبرزها "ولد في غزة" (Born In Gaza)، أراد تسليط الضوء على قضية المهاجرين السوريين الذين لا يتم تسليط الضوء عليهم بشكل كاف بحسب هيرنان زين، فقدّم فيلم "وُلد في سوريا" (Born In Syria) الذي يتناول بشكل أساسي رحلة سبعة أطفال، من ضمن آلاف المهاجرين، عاشوا ومرّوا بظروف مختلفة خلال رحلتهم من سوريا إلى ألمانيا، والمعاناة التي واجههوها أثناء رحلتهم الشاقة.

الدقائق الثلاثة الأولى من الوثائقي تظهر قيام مجموعة من الشبان والناشطين بإنقاذ قوارب لمهاجرين سوريين في جزيرة قرب اليونان. ثم يبدأ الوثائقي بعرض تجارب الأطفال السبعة كل على حدة. قيس ابن العشر سنوات الذي تعرض لتشوه كبير بعد إلقاء برميل متفجر على منزل والديه في سوريا أدى إلى مقتلهما، وقد اصطحبه عمه عبر البحر إلى أوروبا بدون أن يخبره بموت والديه. أراسولي ابن الـ13 سنة الذي دفع والداه آلاف الدولارات للمهربين ليعبروا بهم عبر البحر إلى الأراضي اليونانية، إضافة إلى أربعة أطفال آخرين.

وصل آلاف المهاجرين السوريين في العالم 2015 إلى اليونان عبر البحر، وكانت ألمانيا هي حلمهم المنشود، وهي الجنة التي يبحثون عنها. انتقل المهاجرون الفارين من الموت من اليونان إلى المجر، حيث عاشوا لأشهر في مخيمات لا تتوفر فيه أبسط الإحتاجات الإمسانية والخدمات الطبية، وكان المهاجرون يبقون لعدة أيام بدون طعام، كما لم يسلموا من مداهمات الشرطة المجرية التي كانت تستخدم العنف ضدهم. عن هذه المرحلة يقول مروان (13 سنة) وأحد أبطال الوثائقي السبعة: "كنت أعتقد ان الوصول إلى اليابسة بعد رحلتنا المرعبة في البحر ستكون نهاية المشاكل، ولكن يبدو أنها كانت بداية لمشاكل أكبر".

في أيلول/سبتمبر 2015، اتخذت أنجيلا ميركل قرارًا تاريخيًا، حيث وافقت على استقبال اللاجئين في ألمانيا، وتأمين مخيمات لهم تتضمن متطلبات الحياة الكريمة، وانتقدت تقاعس معظم الدول الكبرى عن قيامها بدورها الإنساني. وقد أصبحت ميركل على إثر القرار بطلة في عين المهاجرين الذين علقوا في منتصف الطريق وكان المستقبل قاتمًا أمامهم، وأطلقوا عليها لقب "ماما ميركل". تلقى آلاف المهاجرين الخبر بينما كانوا في المجر بفرح شديد، وقد عملت المجر على تسهيل أمورهم وتحسنت المعاملة معهم بشكل واضح بحسب شهادات الأطفال.

في أيلول/سبتمبر 2015، اتخذت أنجيلا ميركل قرارًا تاريخيًا، حيث وافقت على استقبال اللاجئين في ألمانيا

بعد المجر انتقلت قافلة المهاجرين إلى كرواتيا ومنها إلى صربيا. أكثر من 44 مهاجرًا ينامون في العراء ويمشون عشرات الكيلومترات يوميًا متطلعين نحو خلاصهم. حلم الوصول إلى ألمانيا كان يبدو أقرب أكثر فأكثر بالرغم من كل الصعوبات. آلام المعدة الحادة كانت تصيبهم بسبب البرد وعدم توفر  الطعام. الأحذية التي كان ينتعلها الأطفال كانت تضيق على أقدامهم بعد مضي أشهر طويلة على رحلتهم. في شتاء 2015-2016 كانت الثلوج تغطي أوروبا وعظام المهاجرين تصطك من البرد. انتقل الهاربون بالقطار إلى النمسا في محطتهم الأخيرة قبل ألمانيا. أعلنت النمسا أنها لا تستطيع تأمين حاجيات المهاجرين مع العلم أنهم لن يبقوا فيها إلا لأيام قليلة! الناشطون النمساويون والجمعيات الإنسانية قدمت الألبسة والهدايا للأطفال، وتم توزيع حصص غذائية.

اقرأ/ي أيضًا: 9 وثائقيات تناولت الحرب السورية

وصل القسم الأكبر من "الهاربين من الموت" بحسب تعبير ميركل، والتي اعتبرت أن مأساتهم هي أفظع ما تعرضت له البشرية منذ الحرب العالمية، إلى ألمانيا، فيما تولت بلجيكا استقبال قسم منهم، مع العلم أن المئات قضوا خلال الرحلة غرقًا وجوعًا ومرضًا. شرع الذين قدِّر لهم الوصول بإجراءات "لم الشمل" لإنقاذ ذويهم العالقين في سوريا، أو المبعثرين في مخيمات الشتات. سيُسجل التاريخ لأنجيلا ميركل موقفها التاريخي، فيما سيلاحق العار كل من ساهم في استمرار معاناة الشعب السوري، والتي لم تنتهِ حتى يومنا هذا.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "طعم الإسمنت" أفضل وثائقي في مهرجان فيزيون دو رييل

فيلم "الاعتراف".. الخلطة التي يفضلها النظام السوري