04-سبتمبر-2017

لقطة من الفيلم

على الرغم من كون فيلم The Birth of a Nation لم يلق الشهرة الجماهيرية أو الجوائز العديدة المستحقة لفيلم واقعي جيد يستعرض قصة حقيقية لإحدى فترات العبودية ضد السود في الولايات المتحدة، مثل غيره من الأفلام التي تناولت القضية ذاتها كفيلمي Django Unchained 2012 أو 12 Years a Slave 2013 ، إلا أنه يستحق أن نلفت إليه الأنظار كقطعة فنية جميلة وموجعة في الآن نفسه وجديرة بمنافسة تلك الأفلام.

ينقص فيلم The Birth of a Nation القليل من الموسيقى، لكن رؤية المخرج لم تستعن بالموسيقى إلا في مقاطع قليلة من الفيلم

من هو "نات ترنر" الذي يحكي الفيلم قصته؟
أغلبنا يعرف قصة سبارتكوس قائد ثورة العبيد ضد قبضة الرومان القاسية قبل الميلاد بقرابة 70 عامًا، وإن كان سبارتكوس هو محرر العبيد في العصر القديم فيمكننا إطلاق لقب "محرر العبيد" على نات تيرنر في العصر الحديث، الشاب الذي قاد ثورة ضد ظلم الغزاة الأوروبيين ومات صغيرًا مضحيًا بنفسه من أجل قضيته، ثورة بدأها بستة أشخاص فقط أعلنوا مقتهم وتمردهم على الأسياد من ذوات البشرة البيضاء.

اقرأ/ي أيضًا: 6 أفلام بين الكوميدي والأكشن تتنافس في عيد الأضحى

تدور الأحداث بولاية فيرجينيا الجنوبية بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث يُولد عبد أسود يُدعى نات تيرنر في عام 1800م، تدور حوله التنبؤات كونه طفل يملك علامات جسدية مميزة كاختيار من الرب ليكون نبي أو رسول مستقبلي، وزُرعت تلك الأفكار في رأس الطفل منذ نشأته لتجعله يؤمن بكونها حقيقة، يتعرض إلى طفولة قاسية مع أسرته كونهم عبيد لا يملكون أي حق في الحياة إلى أن يهرب والده بعد أن سرق الطعام من أجل إطعامهم وقتل أحد المراقبين أثناء محاولته القبض عليه ليترك مسؤولية الأسرة عبئًا إضافيًا على الطفل الصغير، لتبدأ مرحلة أخرى في حياته.

واعظ مسيحي لترويض العبيد
يكتشف الأسياد مصادفة ذكاء الطفل نات تيرنر واستطاعته القراءة ليتم تربيته على تعاليم الكتاب المقدس لكي يتلو الآيات على الأسياد وضيوفهم أثناء تناولهم الطعام أو أثناء مناسباتهم الاجتماعية، يحدث التحول عندما يسعى سيده لكسب أموال إضافية عبر جعل نات ترنر واعظًا ومبشّرًا للمسيحية ولكن بالطريقة التي يجدها الأسياد صحيحة، فيذهبون به إلى العبيد المظلومين لكي يلقي على آذانهم آيات الخضوع والطاعة ويطرد من عقولهم أفكار التمرد والعصيان ناسبًا تلك الأوامر إلى الرب!

ألم نفسي رهيب يصيب الفتى نات تيرنر حول عمله الدنيء، فهو عبد أسود يتم استغلاله للسيطرة على عقول المظلومين عبر أوامر ينسبها لسانه إلى الرب ولكن ما بيده حيلة ولا فرار من نصيبه المحتوم، وخلال رحلاته لتوجيه العبيد وترويضهم في مزارع الأسياد العديدة وأملاكهم، يرى الظلم والتعذيب والقتل لأشخاص لمجرد اختلاف لون بشرتهم، وكأنهم في مرتبة أدنى من الآخرين.

ارجع السيف إلى غمده!
يظل نات تيرنر لفترة طويلة على طبيعته المسالمة الوديعة، راضيًا بما كُتب له، حتى تتعرض زوجته إلى اعتداء من رجال بيضِ أوشك أن يودي بحياتها، وعندما قرر الانتقام، بادرته زوجته بآيات من الكتاب المقدس تدعو إلى التروي والسلام، فتقول له "رُدّ سيفك إلى غمده، لأن كل الذين يأخذون السيف، بالسيف يهلكون" ليشعر للمرة الأولى بتلك المشاعر الغاضبة الثائرة لمحاولة أخذ الحق ويجد أن الكتاب المقدس يمنعه، تلك الأوامر التي طالما ألقاها على مسامع العبيد، اليوم تُلقى على آذانه من زوجته كي لا يتخذ قرارًا شجاعًا أو غبيًا يودي بحياته.

 

ترنر يتجاوز الخطوط الحمراء
أثناء سفر سيده يأتي رجل أبيض يرغب في دخول المسيحية وفي طقوس التعميد باحثًا عن الواعظ والمبشّر نات تيرنر، ينصحه الكثيرون بأن ينتظر عودة سيده ليقوم بتعميد الرجل الأبيض بنفسه، فتعميد رجل أبيض من عبد أسود يعتبر عارًا قد يطارد السيد طيلة حياته وينهي مسيرته التجارية، إلا أن نات تيرنر اتخذ قراره بالفعل، ليقوم بتعميد الرجل في خدمة الرب غير مبالِ بأوامر السيد الأبيض.

وعندما يعود السيد ويعرف بما فعله نات تيرنر يقرر تعذيبه وجلده عقابًا لفعلته، لتمر من أمام الفتى كل اللحظات الماضية التي تجاهلها، مشاهد تعذيب السود التي رآها، مشاهد هروب والده، مشاهد اعتداء زوجته، مشاهد ربط السود من أعناقهم كالماشية.. وأخيرًا عندما ينجو من الجلد والتعذيب يقرر مراجعة الكتاب المقدس برؤية جديدة، ليرى أن كل نص يدعو إلى الطاعة والخضوع يوجد مقابله نص آخر يدعو إلى الثورة ورفض الظلم وتوعد الظالمين، ومن هنا تبدأ ثورته.

ترنر لم يمت سُدى
على الرغم من أن ثورة نات ترنر تم إخمادها غير أنها لم تلق ذلك الفشل الذريع، فثار السود على أسيادهم في المناطق الجنوبية وقُتل الكثيرين من الطرفين، وفي النهاية تم السيطرة على الوضع ولكن لم تعد الأمور كما كانت عليها أبدًا حتى بعد شنق وقتل وتعذيب الكثيرين من السود، فعرف الأسياد للمرة الأولى أن بإمكان عبيدهم الثورة على الظلم وقتلهم، وعلم العبيد أن طريق الحرية مليء بالمهالك ومما زال أمامهم الكثير ليفعلوه، شُنق نات تيرنر أمام العامة ليكون عبرة للجميع ويكون أيقونة للثورة والحرية ورفض الظلم، وخطوة أولى في طريق التحرر.

اقرأ/ي أيضًا: مهرجان فينيسيا السينمائي.. من يفوز بالأسد الذهبي هذا العام؟

على هامش العمل الفني
من المفارقات الجميلة التي وجب النظر إليها، أن بطل  فيلم The Birth of a Nation ومؤلفه ومخرجه هو الأمريكي الأسود نيت باركر الذي ولد في ولاية فيرجينيا التي جرت فيها الأحداث منذ قرابة المئتي عام، وهو العمل الفني الأول الذي يُخرجه نيت باركر للسينما الأمريكية، ونجد فيه إبداعًا ملحوظًا وكأن باركر تجسد بكل ما فيه مع قصته التي أراد تقديمها، نلمس المشاهد الإنسانية التي تبكي القلوب ونلمس مشاهد التضامن والانتقام. ينقص  فيلم The Birth of a Nation القليل من الموسيقى التي بإمكانها إيصال المشاعر بدرجة مضاعة، ولكن رؤية المخرج لم تستعن بالموسيقى إلا في مقاطع قليلة من الفيلم.

بطل فيلم The Birth of a Nation ومؤلفه ومخرجه هو الأمريكي الأسود "نات باركر" الذي يملك الاسم الأول ذاته لبطل قصته "نات ترنر"

قبل صدور  فيلم The Birth of a Nation في العام الماضي، كنت أحد الأشخاص المنتظرين مشاهدته، فكانت الملصقات الإعلانية للفيلم أبرز ما جعلني متشوقًا لرؤيته، مصمم جيد استطاع إيصال الفكرة الرئيسية عبر مجموعة بسيطة من الصور، كذلك دور الممثل نات باركر جاء مميزًا للغاية واستطاع تجسيد دوره بشكل بارع رغم تعدد المسؤوليات عليه، كونه المؤلف والمخرج في الوقت نفسه، ولكن بمقارنة بسيطة بينه وبين دور الممثل جيمي فوكس في رائعة كوينتين تراتنينو "Django Unchained" نجد أن باركر تفوق على فوكس في بعض المشاهد التمثيلية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سينما الممثل أم سينما المخرج.. صراع طويل خاضته السينما المصرية

أفضل 10 أفلام كوميدية في تاريخ السينما وفقًا لاستبيان هيئة الإذاعة البريطانية