16-يوليو-2019

من الفيلم (IMDB)

ولدت أدلاين بومان (بليك ليفلي) في 1908، وتزوجت في 1929، وأنجبت مولودتها "فليمنغ" بعد ثلاثة أعوام. زوجها المهندس كلارنس بريسكوت توفي في حادث عمل في 1937، لكن أحداث قصتها تدور في 2014 وهي لا تزال تبلغ من العمر 29 عامًا. كيف ذلك؟ كيف يمكن أن تولد أدلاين بومان في العام 1908 ثم تبقى في سن الـ29 في 2014، أي بعد مرور 107 سنوات على ولادتها؟

هذا ما سيرويه لنا فيلم "The Age of Idaline".

لأن الزمن توقف لدى بطلة فيلم "The Age of Idaline" أصبحت لديها معلومات عن كل شيء وأتقنت ما يقارب عشر لغات

في إحدى الليالي الشتائية، وأثناء قيادة أدلاين سيارتها، تعرضت لحادث سير قوي أدى إلى وقوع سيارتها في بحيرة وبقيت لمدة دقيقتين تحت المياه، وتوقف قلبها عن النبض لكنها تمكنت من النجاة بحياتها. في حينها ضرب إعصار قوي تلك البحيرة ما أدى إلى إعادة النبض إلى قلبها، كما أدى إلى توقف عمر أدلاين عند سن 29 سنة، فلم تعد تكبر وأصبح لديها مناعة من ويلات الزمن.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Skin in The Game".. حياة مستباحة على أرصفة العشوائيات

حاولت البحث من أجل إيجاد سبب علمي لحالتها، لكنها لم تتمكن من العثور على سبب صريح لما يجعلها لا تشيخ أبدًا. مع مرور الأيام كانت أدلاين تبرر شكلها وصغرها بنوعية الأكل والحمية الغذائية والتمارين الرياضية والوراثة الجينية والحظ الموفق.

بدأت أدلاين بالهرب كل عشر سنوات من مقاطعة إلى مقاطعة، كي لا يكشف أمرها فتتحول إلى عينة مخبرية أو ما يسمى لدى وكالات المخابرات "فأر تجارب". وواصلت التنقل من مكان إلى مكان من أجل ضمان حريتها وسلامتها، وقامت بتزوير أوراقها الرسمية باستمرار في كل مرة كانت تهرب مخلفة وراءها حياة بأكملها.

عام 2014، تقع أدلاين في غرام رجل اسمه أليس (مكيل هاوسمان)، وبعد محاولاته الحثيثة لاستمالتها ترضخ أخيرًا تحت وطأة مشاعرها، وسرعان ما تتطور علاقتهما بالرغم من حذرها الشديد من الارتباط، ولأنها كانت تعلم أن النهاية ستكون غير سعيدة، ففي نهاية المطاف ستهرب من كل حياتها وستترك خلفها الحب لتبدأ حياة جديدة.

ماذا لو عشنا إلى الأبد؟

أصبحت لدى أديلاين معلومات عن كل شيء وأتقنت ما يقارب عشر لغات، فالفترة الطويلة التي عاشتها جعلت منها كائنًا إنسانيًا بعقل كومبيوتر يختزن ملفات عديدة، وأكسبها ذكاء خارقًا وقدرة على الملاحظة والتحليل. ليس علينا سوى أن نتخيل ماذا يمكن لإنسان أن يفعل بـ107 سنوات فيما لا يزال بكامل طاقته وحيويته. لا شيخوخة ولا أمراض.

كان لديها الوقت الكثير لتقرأ كثيرًا من الكتب مما أكسبها ثقافة موسوعية شاملة. وحين يخبرها أحد ما معلومة أو قصة لا تعرفها فإنها تتفاجئ. المدينة كبيرة ونظرًا لأنها عاشت كثيرًا فقد شاهدت أغلب الأمكنة ولاحظت اندثارها، وشهدت على العديد من التغيرات التاريخية في العالم.

طيلة مراحل حياتها كانت تتجنب التقاط الصور قدر الإمكان لأن الصور فاضحة. وفيما مضى كان لديها كلب والآن أصبحت تربي أحفاده، وهكذا مع مرور الوقت كانت تخسر كلابها وتربي أطفالهم جيلًا بعد جيل.

أثناء حضورها حفلة راقصة في أحد القصور شاهدت صورة قديمة معلقة على الحائط. كانت الصورة تضمها إلى جانب جنديين في الحرب العالمية الثانية. بالتأكيد، انتهت الحرب وكل من معها في الصورة قد ماتوا، لكنها لا زالت تبلغ من العمر 29 سنة. وفي إحدى المرات خالفت أدلاين إشارة المرور ففوجئ الشرطي أثناء قراءة تاريخ ميلادها حيث كان يفترض أنها في سن 45 عامًا، لكن ملامحها كانت تشير إلى أنها في بداية العشرينات من عمرها.

تحوّلت ابنتها إلى أمها، الابنة صارت عجوزًا والأم ظلت صبية. تختفي الأشياء، تتغير الأماكن، والناس يرحلون ويشيخون ويموتون. كانت أمنيتها "أن أعيش هذا العام وكأنه آخر عام من حياتي". الماضي بالنسبة لها أمر ماثل بذاكرتها وقادرة على استحضاره دومًا. لقد صارت امرأة مليئة بالذكريات، وتتمنى لو أن لها ذاكرة مثقوبة.

الحب والموت

تعلم أنها امرأة كسّارة للقلوب لذلك كانت تخشى إدخال الآخرين إلى حياتها الشخصية. كان لزامًا عليها أيضًا أن تكسر قلبها حتى اعتادت على الفراق والرحيل. في كل محطة من حياتها تترك حبيبًا جالسًا على مقعد في حديقة ما ينتظرها دون جدوى. هذه الصور، صور الانتظار، علقت في مخيلتها ووجدانها ما أصابها بالحزن الشديد.

لكن لو أننا خالدون فعلًا ستفقد الأمور متعتها ورونقها وقيمتها، وستصبح أكثر هشاشة

كونها لا تموت جعلها تكتشف أن الحب يموت، أن الحب لا يدوم. أننا نحب ونتعلق بالآخرين لأننا نعلم أن الحياة قصيرة، ووجود الموت يعطي قيمة استثنائية للحب، ولذلك نضحي ونتمسك بمن نحب لأن الحب يشعرنا بالأمان، بالرغبة الجنسية للإنجاب والتكاثر، لنشعر أننا خالدون. البشر كائنات أنانية لأن الموت يلوح في الأفق ويعيش تحت جلدنا.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "The World We Make".. حين ينزع الحب أقنعة المجتمع العنصرية

يمكننا أن نحب شخصًا ما ونعيش معه لمدة عشرين أو ثلاثين سنة، لكن هل يمكننا فعل ذلك لمدة مائة عام؟ يصعب تخيل ذلك. إننا بحاجة دائمة إلى مشاعر جديدة لكن إحساسنا العميق والدائم بالموت يجعلنا سعداء أننا نقضي هذه اللحظات الفريدة من نوعها مع من نحب. لو أننا لا نموت سيكون في وسعنا تأجيل كل شيء وسيصيبنا الملل والكسل.

لو أننا خالدون؟

لكن لو أننا خالدون فعلًا ستفقد الأمور متعتها ورونقها وقيمتها، وستصبح أكثر هشاشة. عدم القدرة على التحكم بالزمن وبأعمارنا يحفز لدينا غريزة البقاء والشبق إلى الحياة. لو أننا خالدون حينها سيكون بمقدورنا تأجيل كل شيء، تأجيل الحب، تأجيل الصداقات، تأجيل التجارب، فالزمن ملك أيدينا ولنا القدرة المطلقة على اختيار الوقت المناسب للقيام بالأشياء إذ لا شيء سيهرب منا.

الأشياء تختفي من حياة أديلاين ويموت أحبابها الواحد تلو الآخر. تفقد كلبها وأصدقاءها وتشيخ ابنتها، تتغير الأماكن والوجوه، وتصل إلى مرحلة تشعر فيها وكأنها غريبة في عالم غريب عنها. إنها امرأة بدون مستقبل أو بالأحرى امرأة بمستقبل منفرد، غير قادرة على بناء مستقبل مع شريك تحبه وأن يكبرا سويًا ويتشاركا أمور الحياة. لا يمكنها تأسيس أسرة وإنجاب أطفال، لأنها تعرف أنها ستخسر الجميع في لحظة ما، وبأن قلبها سينفطر مع كل رحيل. فأين أنت أيها الموت؟

امرأة مرهقة من الهرب، من الكذب على الناس الطيبين، ولكن ابنتها التي جاوزت الثمانين عامًا تدعوها للمواجهة والتوقف عن الهرب. يقول لها أليس: "لا يمكنني تخيل حياتي بدونك"، جملة تركت في نفسها أكبر الأثر والحزن، ولطالما سمعتها من عشاق آخرين وقعوا في غرامها ووقعت في غرامهم. تعرف أدلاين بومان أن جملة أليس طفولية، وأنها جاءت نتيجة شعوره الدفين بالموت، إذ إنه يعلم أن حياته قصيرة وستنتهي يومًا ما، لذا يريد الحصول على الحب ليشبع. لكنها امرأة خالدة وتعلم أن الحب الجديد ينتظرها هناك بعد سنوات في مكان ما من هذا العالم.

الماضي والذكريات والحنين

يحدث ما لم يكن في الحسبان إذ يقوم أليس بدعوتها إلى منزل والديه للتعرف إليهما، وللاحتفال بذكرى مرور أربعين عامًا على زوجهما. ويكتشف ويليام والد أليس أنها هي أديلاين بومان الفتاة التي وقع في غرامها وهجرته دون أسباب. الفتاة التي حمل حبها في قلبه طيلة أربعين عامًا.

تتوالى الأحداث ويكتشف أمرها وتعترف له. يطلب منها البقاء كي لا تكسر قلب أليس ابنه كما كسرت قلبه منذ أربعين سنة لكنها تهرب مسرعة. في طريقها تصطدم بسيارة وتنجو وتعود لطبيعتها وتكمل حياتها مع أليس ويعيشان سويًا.

"The age of idaline" فيلم يتحدث عن الكثير ويحرّك مشاعر وجودية دفينة في داخل كل إنسان

فيلم يتحدث عن الكثير ويحرك مشاعر وجودية دفينة في داخل كل إنسان: الحياة، الموت، الحب، الزمن، العمر، الذكريات، الحنين، الوجود، الوجوه، العلاقات، الماضي، الحاضر، المستقبل.. آه لكن أيدلاين بومان ليس لديها مستقبل لأنها تعيش فيه. إن مستقبلها هو حاضرها وماضيها وقد صاروا واحدًا.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Border".. هل البشر ثعالب؟

في أحد الأيام وأثناء تأملها لنفسها في المرآة تجد شعرة بيضاء في رأسها. تبتسم. الآن بإمكانها الشعور بلذة الحياة والموت.

كما يقال بالإيطالية "السنون، العشاق، كؤوس النبيذ، هذه أشياء لا يجب عدها".

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "Operation Finale".. القبض على أدولف آيخمان

فيلم "Happy Deathday 2U".. سبل النجاة من موت متكرر