26-سبتمبر-2018

مقطع من ملصق الفيلم

بدأ اليوم 26 أيلول/سبتمبر 2018 العرض الرسمي في جميع السينمات ودور العرض المصرية لشريط يوم الدين، إخراج أبو بكر شوقي. وهو ذات الشريط الذي سبق وأن وقع الخيار عليه لتمثيل مصر في مسابقة السعفة الذهبية في مهرجان كان.

حاول "يوم الدين" أن يخلق من "جماليات القبح" مشاهد كوميدية سوداء تضيف شيئًا من البهجة القاتمة على الظلام الذي ينقله الشريط

منذ لقطاته المبكرة يبدو "يوم الدين" منقبًا عن سؤال الهوية، عارضًا الإنسان في مواجهة عالم يصنف فيه البشر بعضهم وفقًا للعائلة، الدين، المعتقد، اللون، الجنس، العرق وبالتأكيد الطبقة الاجتماعية.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "يوم الدين".. دراما مستعمرة الجذام المصرية

يتوجه الشريط  من الركام الاجتماعي/العالم السُفلي المنسي تمامًا، حيثما يتبدى الزخم كاملًا وكامنًا في الهوامش المُغيبة. حتى يمكن القول أن سردية "يوم الدين" تولد من رحم المنسيين. تراها في كل مرة حين يصدح بشاي "الباحث في القمامة" عن أشياء ذات قيمة مادية، حين يقول " إزيكوا يا عيانين" أي "كيف حالكم أيها المرضى". هذا هو عالمه الناضح بالمنسيين المنبوذين. هو عالم الخلق الذين يعيشون محميين من البشر وسخافاتهم العنصرية المجردة، داخل مستعمرة الجذام. 

 يبدأ الفيلم من الأقلوية وينتهي إليها، فالبطل قبطي، أصيب بالجذام وشُفي، لكن جسده بقي مشوهًا. وهو يتعرض للتمييز والتنمر في كل مرة لسببين مهمين، أولهما أنه مسيحي وثانيهما أنه مجذوم. وهو في الحالتين لا يستطيع الدفاع عن نفسه سوى بالتجاهل أو بادعاء الانتماء إلى الأغلبية، ففي عدة مشاهد، ادعى "بشاي" أنه مسلم، مرة حتى يستطيع أن يهرب من مجموعة من المتطرفين الذين وقع في أيديهم بالصدفة، ومرة حتى يتمكن من النوم في الجامع مع رفيقه المسلم دون أن يطرده أحد. 

حاول أبو بكر أن يخلق من "جماليات القبح" مشاهد كوميدية سوداء تضيف شيئًا من البهجة القاتمة على الظلام الذي ينقله الشريط. بشاي في رحلته للبحث عن أهله في الصعيد، التي قرر فيها أن يترك "المستعمرة" ليخرج إلى العالم ويجد أهله، واجه كل شيء: اللصوص، الجوع، الموت، الإهانة، والتمييز. 

تثير القصة  مقاربات نحو أدب الشحادين الفولكلوري الإسباني، والعالم السُفلي لـ"بؤساء" فيكتور هوغو و"أحدب نوتردام"، وهو كتالوج معولم وظفه أبو بكر في "أوباما" اليتيم، رفيق "بشاي" النوبي الصغير. لكن ما جعل الاستعارة/الفكرة بعيدة عن السعي الفج للعالمية هو التمصير الجيد والذكي لها. وهي كلها اختيارات تدل على وعي المخرج وفريق عمله بممكنات تحميل الوجع المحلي على وتر إنساني يتجاوز القومية والاصطفافات الأكثر ضيقًا. 

أتت موسيقى يوم الدين التصويرية من العمق ما لامس أنطولوجيا التجربة الإنسانية، متسقة  مع قوة الإحساس بالمكان

يبدو أن أبو بكر شوقي لم يُرد للحوار أن يكون، في مواضع كثيرة، مكرسًا للبطل، جاء الحوار يشبه البيئة، شعبيًا بانسيابية فجة، غرائبيًا أيضًا، لكن البطل الحقيقي كان عناصر أخرى، كالمفارقات والصدف غير المعقولة، وهو أمر أضعف بعض المشاهد في كثير من الأحيان، على حساب تقديم عناصر ضوئية وسمعية أخرى أعقد تكثيفًا. 

أما موسيقى يوم الدين التصويرية فأتت من العمق ما لامس أنطولوجيا التجربة الإنسانية، متسقة مع قوة الإحساس بالمكان، بما هو بيئة تجسيد التصورات والمقولات. ليمكن الإيجاز أن فيلم يوم الدين ككل تجربة ممتعة، بل ومن أهم التجارب السينمائية المصرية في الفترة الأخيرة، التي اختيرت كل عناصرها بذكاء لتتصدر المشهد السينمائي ما وراء البحار ناقلة وجع من هم تحت مما يقع عليهم بنيويًا بفعل "الدولة" والمجتمع معًا. 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

فيلم Sobibor.. فائض سياسي لتوظيف الهولوكوست واحتكاره

فيلم "قصة تحرير كوبا".. عالم ما بعد الديكتاتور