07-فبراير-2017

لقطة من الفيلم

تطرح الأعمال البوليسية المنفّذة في السينما العربية عمومًا والمصرية خصوصًا سؤالًا حول قابلية "تدجين" الكتابة الغربية عربيًا، وعمّا إذا كانت التجربة المحلّية كافية وحدها لإنتاج الجديد في بيئته مراعيةً "التابويات" أو متجاوزةً الخطوط الحمراء. مع العلم أن واحدة من أبرز القصص الإجرامية المصريّة والتي جُسّدت مسرحيًا ودراميًا وسينمائيًا بقوالب مختلفة، حتى تحوّلت إلى موروث شعبي شفهي ومكتوب، وبتنا إزاء ما يُضاف إليه في كل مرّة نحتار، هل هو أسطورة الأحياء الشعبية واللكنة الإسكندرانية المحببة؟ هي قصة "ريّا وسكينة"، التي لم ينخفض منسوب الإثارة في روايتها بعد ما يقرب القرن على الجرائم المرتكبة وإصدار حكم الإعدام بحق المرأتين وشركائهما.

"نقطة رجوع" فيلم مصري كان أنتج قبل 10 أعوام. بطله الممثل شريف منير جسّد دورين مختلفين دون أن يعي المشاهد ذلك إلا في نهاية العمل

فبالاستناد إلى المقتبس، والمقتبس عن المقتبس، والمستوحى عن قصد أو غير قصد من مشاهدات كاتب متأثر بالأعمال الغربية القديمة والحديثة، تُنتج أفلام عديدة بعضها ما يُوفق كتّابها ومخرجوها بتظهير حبكة منطقية ومألوفة معًا، وبعضها الآخر يظلّ عصيًّا عن الفهم عند تمريره تحت مجهر العين والعقل، فلا الأولى تتقبّل الكادرات في إعادة تركيبها حرفيًا ولا الثاني يتغاضى عمّا لا يمكن تحليله واستنتاجه في ديالكتيك المنطق أيًا يكن منهجه.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "ترامبو": من تاريخ ملاحقة أمريكا للشيوعيين

"نقطة رجوع" فيلم مصري كان قد أُنتج قبل عشرة أعوام. بطله الممثل القدير شريف منير جسّد دورين مختلفين دون أن يعي المشاهد ذلك إلا في نهاية العمل. حتى هو (شريف منير) كان يعلم "افتراضيًا" أنه هاشم بالاستناد إلى ما يقوله الجميع وتقف حياله ذاكرته المفقودة عاجزة عن النفي أو التأكيد، ثم يُصدم حين يكتشف أنه في الحقيقة سليم الذي أُعيد رسم ملامح وجهه لتشبه هاشم الزوج الذي خانته زوجته (نور في دور ليلى) مع سليم، ثم قتلته لتترك جثته في براد داخل فيلا مهجورة.

ما تقدّم وتُبنى عليه أحداث الفيلم في تذبذب بين المعلوم والمجهول، الأسئلة والإجابات المتناقضة، المُكتشف تباعًا والمتضارب عن حياة هاشم على لسان المحيطين به، زوجته وما تدّعيه وعشيقته (هيدي كرم) وما يراودها من شكوك وظنون، فضلًا عن المُستنتج من تحقيقات المحقق السرّي (محمد شومان بدور الضابط همام).

يُخرج الفيلم الذي كتبه كل من محمود وإبراهيم حامد وأخرجه حاتم فريد عن قاعدة "العين والعقل" في تفنيد الأعمال المنقولة وغير المنقولة، "المنسوخة" تصريحًا أو تلميحًا، والمقتبسة بحلّة جديدة. عبر الدهشة التي لن تكون إعجابًا بالضرورة. استغرابًا ربما إزاء ما لا تبرير له، وما لن تكتشف الغاية من إقحامه داخل السيناريو أو الحوار. دون أن يلغي ذلك، عامل التشويق (السلبي ربما) الذي يتراكم مع كل تصريح من هنا حول خصوصيات هاشم، وكل رد فعل يظهر من هناك وهنالك لا سيما من قبل شريف منير الذي أجاد وبإتقان أداء دوره كفاقدٍ للذاكرة بالشكل والمضمون، ويتفاعل بكلامه ولغة جسده وبالتشويش "الحقيقي" داخل عينيه وعقله وقلبه مع ما يسمعه ويراه ويلمسه.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "أسد".. رحلة التيه في وقائع الخيال

غير أن المبالغ فيه على مستوى الكتابة والإخراج، جاء في نقلهما عن هوليوود (فيلم الحطام 1991) إلى العربية، أقرب إلى "البوليوودية" بوصفها سينما القدرات الخارقة وغير المنطقية، والتي إن أبهرت يتحوّل معها "الأكشن" إلى صراع ملحمي مضحك، ويصبح في كنفها الرعب سورياليةً سطحيّةً تستخفها العقول.

الترجمة الحرفية بالصوت والصورة مع بعض الإضافات لـ"تمييع" النسخ واللصق مما هو ليس منا، أمر لن تألفه الأذن أو تتقبّله العين

ما خلُص إليه "نقطة رجوع" بالاكتشاف "التقهقري" للحقيقة لجهة صدمة سليم بهاشم "المدفون" في البراد (لم نعلم لمَ لم يدفن في التراب) فيما كان يتوقع أصلًا كهاشم أن يجد سليم، ثم مقتل همام على يد ليلى للتخلص منه بعد اكتشافه الحقيقة كاملةً، تلاه حادث السيارة الذي أودى بحياة الزوجة القاتلة، وأعقبته عودة همام إلى الحياة بعد أن تبيّن أنه بـ"سبعة أراوح" علمًا أن إصابته كانت بالغة وبالتالي إن لم يمت كانت حالته لتكون حرجة وتتطلب عناية فائقة لا ظهوره بعد ساعات قليلة بصحّة تامة. كلها أمور تحوّلت معها المبالغة إلى "لا منطق".

ما يعكسه فيلم "نقطة رجوع" وأرشيف من الأفلام العربية "البوليسية" هو تنفيذ "كاريكاتيري" لكن غير مقصود للفيلم الأجنبي الأصلي، ذلك لأن الترجمة الحرفية بالصوت والصورة مع بعض الإضافات لـ"تمييع" النسخ واللصق مما هو ليس منا، أمر لن تألفه الأذن أو تتقبّله العين وسيرفضه العقل وإن وافق على متابعة المشاهدة لاكتشاف ما انتهى إليه الفيلم.

اقرأ/ي أيضًا:
20 فيلمًا ينتظرهم عشاق السينما في 2017
فيلم "حافية على جسر الذهب": رومانسية العين والأذن