23-سبتمبر-2016

من الفيلم

تونس 2010 ، اسمه عزيز لكنهم ينادونه "زيزو"، شاب صاحب شهادة علمية لكنه عاطل عن العمل، يترك قريته البعيدة ويذهب إلى تونس العاصمة بحثًا عن الشغل، فيعمل كمركّب للهوائيات الفضائية فوق أسطح البيوت. زيزو الشاب الصادق والساذج يجد نفسه يتنقل بين جميع الأوساط الغنية والفقيرة، بين المعاصرين المنفتحين والمحافظين، بين الموالين للنظام السياسي القائم آنذاك والمعارضين والإسلاميين.

بعد فيلمي "عصفور سطح" و"صيف حلق الوادي" اللذين حققا نجاحًا، يقدم فريد بوغدير فيلم "زيزو"

وفي يوم، ومن إحدى شرفات المنازل بضاحية سيدي بوسعيد، يقع في حب فتاة محبوسة من مجموعة إجرامية مقربة من النظام، فيحلم بتحريرها، وعندما تنطلق الشرارة الأولى للثورة التي ستعطي أملًا لكلّ المنطقة العربية في ربيع الشعوب المحررة، يصبح زيزو ودون إرادة منه بطلًا رغمًا عنه ليتجاوز بحماقاته وسذاجته جميع التغيّرات والهزّات.

اقرأ/ي أيضًا: رصاص بلا رصاص: التجربة البصرية المستقلة

هذه الأسطر هي ملخص الفيلم الجديد للمخرج التونسي فريد بوغدير، بعد فيلمي "عصفور سطح" و"صيف حلق الوادي" اللذين حققا نجاحًا لدى الأوساط الفنية والجماهيرية في تونس والعالم العربي. الفيلم الذي يمكن اختيار عبارة "خفيف" لتصنيفه، ذو طابع فكاهي يحاول عبره المخرج أن يسلط الضوء على عدد من القضايا في آن واحد، من الشاب صاحب الشهادة العليا دون عمل، إلى اضطراره لمغادرة بلدته باتجاه العاصمة بحثًا عن مورد رزق، إلى الوضع السياسي المتعفن في تونس.

زيزو الذي يؤدي دوره الممثل الشاب زياد عيادي، يمثل في هذا الفيلم مئات الآلاف من شباب تونس الذين يغادرون الجهات الداخلية للبلاد بحثًا عن لقمة عيش، وفرصة لحياة أفضل في "رفاهية" العواصم، ولكنهم يصطدمون بواقع مغاير.

كان من المفترض أن يجد زيزو في انتظاره والد خطيبته الحاج غربال ليعمل لديه، لكن الأخير أفلس وأغلق محله فضاع العمل وضاعت الخطيبة على زيزو، لكن جار "نسيبه"، وهو صاحب محل لبيع الهوائيات يدعى عادل، يمد له يد المساعدة ويقترح عليه عملًا يقيه السؤال لتنطلق رحلته ضمن بيوت التونسيين.

تتواطؤ الظروف لتجعل من زيزو أحد أبطال الثورة التونسية التي اندلعت بين كانون الأول/ديسمبر 2010 وكانون الثاني/يناير 2011 والتي أدت إلى هروب الرئيس السابق زين العابدين بن علي، وليكون زيزو قائد إحدى المسيرات الداعية إلى إسقاط النظام. تتطور الأمور ليسقط النظام ويتم القبض على عدد من أفراد عائلة الرئيس السابق، وإحداها تحتجز حبيبة زيزو (الممثلة سارة حناشي)، وتوظفها قهرًا كراقصة ليتم تحريرها لاحقًا، وتلتحق بحبيبها الذي أبعدها عنه احتجازها من قبل "العصابة" الحاكمة قبل الثورة.

في فيلم "زيزو" لفريد بوغدير، يطل المشاهد على حياة مختلف شرائح المجتمع التونسي

اقرأ/ي أيضًا: جوليان مور: مخيف أن تموت أحاسيسنا

ما وراء الصور تبرز للمشاهد ملامح الحياة في تونس آنذاك، من السوق الذي عمل فيه زيزو في البداية، وهو سوق للأجهزة الإلكترونية التي يسيطر عليها أفراد عائلة الرئيس، إلى سطوة هذا النظام التي بلغت حد اختطاف الفتيات وتسخيرهن لخدمة أهواء هذه "العصابة" الحاكمة. 

في الفيلم أخطاء يستغرب المتابع كيف لم يتم التفطن إليها، فلهجة زيزو القادم من الجنوب متغيرة حيث يتحدث بلغة أهل العاصمة وليس بلهجته الأصلية، كما أن مظاهرات مناهضة تخرج من سيدي بوسعيد بدت أمرًا أكثر من غريب، فهي ضاحية يسكنها علية القوم وأكابرهم، وهي جهة تحوي أحد القصور الرئاسية ولم تشهد أيّ مظاهرة أثناء الثورة، الأمر الذي يعتبر مغالطة تاريخية للمشاهد.

من النقاط المضيئة في الفيلم موسيقاه التي ألفها كل من قيس السلامي والفرنسي سيريل مورن، موسيقى مليئة بالفرح وبالحيوية وتبعث في مستمعها أملًا لا يعرف من أين تدفق في شرايينه. نقطة أخرى هي تصميم الملابس الذي قامت به نادية عنان والتي وفقت إلى أبعد الحدود في اختيار ملابس كل شخصية، توفيق يدل على خبرتها في هذا الميدان فضلًا عن الموهبة والقدرة على اختيار ما يتناسب مع كل شخصية.

اقرأ/ي أيضًا:

"فيلم كتير كبير".. إلى الأوسكار

هل لامست السينما المغربية خطوط التابوهات؟