10-أكتوبر-2016

ملصق الفيلم

يتم إشعال النور في أحد المناجم الألمانية ليظهر أمامنا منجمٌ مليء بسبائك الذهب، ووسط ذهول الرجلين اللذين اكتشفاه، تقطع الصورة فجأة إلى علم أمريكي يرفرف، وجندي ينظر إليه باعتزاز وهو يدخن سيجارته، ثم نسمع صوت المذيع على الراديو يقول: "مدفونة على بعد 200 قدم في أرض منجم للملح في "ميركيرز". في ألمانيا وجد جنودنا أكثر من 100 طن من سبائك الذهب، وهي مجمل احتياطي ألمانيا من الذهب، إنها ضربة قاضية لهتلر، أخبار رائعة بالفعل. التهاني للجنرالات باتون وبرادلي وأيزنهاور".

كان هتلر يقتني تراث المدن الأوروبية، مع قيامه بالقتل والتدمير لتلك المدن وأهلها

يقاطع جندي في فريق "رجال الأثار" صوت المذيع قائلًا: "ربما لا يهتم الجيش كثيرًا بالأعمال الفنية، لكنه بالتأكيد يهتم بالذهب". ثم يظهر في المشهد الفريق الذي اكتشف منجم الذهب، ولم يكن إلا فريق "رجال الآثار" الذي شكّلته أمريكا مع استعار جحيم الحرب العالمية الثانية، واستباحة هتلر لدماء البشر وتدميره للمدن واستباحة ونهب التاريخ.

اقرأ/ي أيضًا: هل خرجت داعش من "أرض الموتى"؟

هذا مشهد من فيلم "رجال الآثار" الذي أخرجه وأدى دور البطولة فيه الممثل الأمريكي جورج كلوني، وقد عرض الفيلم الذي كلّف إنتاجه 70 مليون دولار، وحقق أرباح تزيد عن 78 مليون دولار في شباط/فبراير 2014، تدور أحداثه حول مجموعة من خبراء الفنون تم تكليفهم من قبل الرئيس الأمريكي حينها باستعادة وحماية القطع الفنية التي قام النازيون بسرقتها، بأوامر من هتلر الذي كان يظهر تناقضًا مريبًا عبر حرصه الشديد على اقتناء التراث الفني للمدن الأوروبية، لكنه في المقابل كان غير عابئ بأعمال القتل والتدمير بالمدن والبشر.

الفيلم الذي لا يزال بعض أبطاله الحقيقيين على قيد الحياة، اقتبس عن كتاب للمؤرخ الأمريكي روبرت إدسيل، وعنوانه "رجال الآثار، الحلفاء الأبطال، ولصوص النازية، أعظم عملية إنقاذ للكنوز في التاريخ"؛ وجدت فيه الأمم المتحدة فرصة مهمة للتنبيه لسرقة الآثار السورية والليبية، وقالت فرانسيسكو باندارين، المدير العام المساعد في "منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو)": "إن الفيلم سيساهم في نشر الوعي العالمي بشأن التجارة غير المشروعة في التحف المسروقة أثناء الصراعات الحديثة، مثلما هو الحال في سوريا ومالي وليبيا".

ما لفتني في الفيلم هو إجابته عن سؤال مهم طالما رافق الرأي العام السوري وهو يرى آثاره تسرق وتنهب، بالتزامن مع سيل الدماء المستباحة في المدن السورية، لدرجة أن البعض لعن الآثار والتاريخ في مقابل الرفض التام لإزهاق روح طفل، أو أي شخص في هذه الحرب اللعينة، وأثير ولا يزال يثار السؤال التالي: "هل نحزن على الدمار الذي يلحق بآثارنا وتراث أجدادنا الذي خلّفوه لنا أكثر من حزننا على الأرواح التي تزهق، أم العكس؟"، وهنا يقدم الفيلم إجابة لا بأس بها عن هذه الإشكالية البشرية.

جورج كلوني في فيلم "رجال الآثار": إن قصة حياتنا مرسومة على القماش ومنقوشة على الحجر

يبدأ الفيلم بمحاولة البروفيسور فرانك ستكوس (جورج كلوني) إقناع الرئيس الأمريكي بضرورة حماية التراث الفني لأوروبا الذي يستبيحه هتلر. "سيدي الرئيس"، يقول البرفسور فرانك، "الحقيقة إننا في مرحلة من الحرب تمثل الأكثر خطورة على أعظم المنجزات البشرية التاريخية المعروفة". يجيب الرئيس الأمريكي: "بروفيسور، نفهم أن في هذه الحرب خسائر في أرواح البشر، وفي الغالب تصاحبها فقدان لمنجزاتهم". يرد البرفسور فرانك: "لو كان علينا كسب هذه الحرب، سيدي، يجب علينا أن نتذكر الثمن الباهظ الذي سيتم دفعه، وما إذا كانت ستُدمر أساسات المجتمع الحديث.. من سيؤكد لنا، في هذه المرحلة من الحرب، أن تمثال داوود سيظل واقفًا وأن الموناليزا ستبقى مبتسمة؟".

اقرأ/ي أيضًا: فيلم the magnificent seven: هل يستحق المشاهدة؟

هذه العبارة هي التي أقنعت الرئيس الأمريكي، وطلب من البروفيسور فرانك أن يؤلف فريقًا من الخبراء في الأعمال الفنية لحماية الأعمال العظيمة من الدمار، وبعد أن جمع البروفيسور فريقه خطب فيهم قائلًا: "أعتقد أن عليكم معرفة الحقيقة التالية: إن هذا المهمة ليست معدة لكي تنجح، لقد كانوا صادقين معنا عندما أخبرونا، يقولون مع عدد الموتى هذا، من يهتم بالفن، إنهم مخطؤون، لأن ذلك تمامًا ما نقاتل لأجله، لأجل الثقافة وأسلوب الحياة، يمكنك مسح جيل من البشر، يمكنك حرق مساكنهم كليًا ولكنهم سيعودون، لكن لو دمرت منجزاتهم وتاريخهم، حينها سيكون الأمر كما لو لم يكن لهم وجود، أو ليسوا إلا مجرد رماد منتشر". وينهي البروفيسور خطبته بالقول: "هذا ما يريده هتلر.. وذلك الشيء الوحيد الذي لا يمكننا السماح به".

خلال الفيلم نعرف أن الروس أيضا شكّلوا فرقة لجمع الآثار الفنية واستعادتها من هتلر، وقد أسموا فرقة رصد الآثار والاستحواذ عليها بـ"كتيبة الكأس"، ويدور الحوار الآتي بين البروفيسور فرانك وأحد أعضاء فريقه:
البرفسور فرانك: الروس يصادرون الأعمال الفنية؟
عضو الفريق: فقدوا 21 مليون شخص، فرانك، لقد فوضوا "كتيبة الكأس" لجمع ومصادرة الأعمال الفنية كتعويض (عن الأرواح البشرية التي فقدوها).
البروفيسور فرانك: "كتيبة الكأس" ياله من لقب!
عضو الفريق (ساخرًا): مثل "رجال الآثار".

تظهر أحداث الفيلم كيف كان هناك سباق محموم بين الأمريكان والروس للاستحواذ على فن عصر النهضة الأوروبي والفن الحديث، وقد خاض الطرفان معركة دارت رحاها خلف الكواليس، ويبدو أن الأمريكان نجحوا في العملية بأكثر مما نجح فيه الروس، كما يقول الفيلم الذي نعرف من خلاله أن الأمريكان استحوذوا على ملايين القطع واللوحات الفنية.

ومن العبارات المؤثرة في الفيلم على لسان البروفيسور فرانك: "منذ البداية أخبرتكم أنه ليس هناك قطعة فنية تستحق حياة إنسان لكن الشهور الأخيرة أثبتت خطأ حديثي، هذا تاريخنا الذي يجب ألا يُسرق أو يُدمر، بل يجب أن يُرفع ويُحترم.. إن قصة حياتنا مرسومة على القماش ومنقوشة على الحجر".

اقرأ/ي أيضًا:

المرأة المجهولة.. ماض بطعم الفراولة

شجرة الحيَاة وشاعريّة ماليك التي لا تُضاهى!