04-مارس-2017

لقطة من الفيلم

"تالة مون أمور" ومعناها باللغة العربية تالة حبيبتي، هو ليس فقط مجرد فيلم يُضاف لرصيد السينما التونسية، لكنه تكريم لمدينة حظيت برمزية أثناء الثورة التونسية التي امتدت بين أواخر 2010 وأوائل 2011، ذلك أنها من بين المدن التي سقط فيها عدد مرتفع من الشهداء من بينهم رضيعة.

الفيلم الذي اعتقد الجميع، ونظرًا لعنوانه، أنه يروي وقائع وأحداث الثورة، ركز على قصة حب فريدة تشعل الثورة لهيبها من جديد بعد أن أخمدها النظام السياسي إلى حين، فمحمد "الممثل غانم الزرلّي" ذاك المناضل السياسي الذي أودع السجن لنضاله السياسي يهرب من السجن أثناء الثورة ليعود للحياة العامة بعد أن ظن الجميع أنه ميت، فسجون الدكتاتور المخلوع زين العابدين بن علي تقتل الروح قبل الجسد وتقتل الحلم والأمل قبل كل شيء.

"تالة مون أمور" هو ليس فقط مجرد فيلم يُضاف لرصيد السينما التونسية، لكنه تكريم لمدينة حظيت برمزية أثناء الثورة التونسية

يعود محمد الذي ورث النضال عن أبيه لا ليبحث عن الحرية ولكن عن حورية، حبيبته التي نكّل بها أعوان الشرطة واغتصبوها لتجبر على أن تتوارى عن الأنظار وتتزوج درءًا للفضيحة والمعرّة، ولكن لقاءهما وإن أعاد إليهما روحًا سلبت منهما، فقد مثل نقطة تحول كبير، إذ أن محمدًا فقد الأمل في كل تغيير ممكن معتبرًا أن ما يقوم به الشباب آنذاك محاولات عبثية لن تجدي نفعا ولن تأتي بالجديد، وأن قبضة البوليس أقوى من أن تكسرها الاحتجاجات.

اقرأ/ي أيضًا: الأوسكار.. عام "لالا لاند" غير المتوّج

في المقابل تؤمن حورية، الفنانة نجلاء بن عبد الله، التي تشتغل كعاملة في مصنع للملابس، تؤمن بأن التغيير ممكن، وأن إرادة الحياة ستتغلب على كل الإرادات وأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة وما يستحق التضحية من أجله.

نقطة الخلاف هذه جعلت كلاّ من الحبيبين يفكر في اتخاذ طريق مخالف للآخر، فلا يريد محمد أن يضيع سنوات أخرى من عمره كما فعل والده من قبل، وحورية المتقدة أملًا ترقب غدًا أفضل لعله يكون قريبًا، ليسدل الستار على رواية مفتوحة النتائج والمآلات.

تكريم المرأة خلال الفيلم
من شاهد الفيلم لاحظ حتمًا القيمة البارزة للمرأة فيه، فكل النسوة ساهمت بشكل أو بآخر في هذا التحول المهم في تاريخ البلاد، فالبطلة حورية وزميلتها في المصنع ريم ، الفنانة ريم الحمروني، وأم بلقاسم، الفنانة فاطمة بن سعيدان،وكنّ مشجعات للرجال دافعات نحو مواجهة العدو/أعوان الأمن ومقاومات للخنوع والانصياع الذي سيطر على الرجال لدرجة أن بعض المتفرجين من الرجال انتقدوا ما اعتبروه تهميشًا لدور الرجل في الثورة التونسية.

من شاهد فيلم تالة مون أمور لاحظ حتمًا القيمة البارزة للمرأة فيه، فكل النسوة ساهمت في هذا التحول المهم في تاريخ تونس

هذا التركيز على المرأة يأتي ربما من دور المرأة التونسية بوجه عام في الحياة العامة وتأثيرها في المتغيرات اليومية التي تعيشها تونس في جميع المجالات.

رؤية إخراجية متميزة
لاحظ الكثير من متابعي الفيلم أن الصورة قاتمة وأن الكاميرا تهتز من حين للآخر، وقد اختار المخرج مهدي هميلي المضي قدمًا في طريق له تفسيره، إذ أن الصورة القاتمة تأتي من أن الإضاءة قليلة في محاكاة لوضع مدينة تالة التي يغيب عن كثير من أحياءها التنوير العمومي لتغرق في ظلمات التهميش والحيف الاجتماعي.

وأما اهتزاز الصورة فهو يرجع إلى استعمال تقنية الكاميرا المحمولة، الكاميرا التي كانت قريبة جدًا من وجوه الممثلين وهو ما يحملهم مسؤولية جسيمة، فأي تقصير في الأداء أو خلل ما سيظهر على وجه الممثل مباشرة وسيكتشف المتفرج كذبه وزيف القصة.

سلاح ذو حدين استعمله أصغر المخرجين سنًا في تونس، وقد أفلح الممثلون في الأداء ولعب مختلف الأدوار، سواء كانت بطولة أو ثانوية، فنجح فيه ولاقى استحسان عديد النقاد والصحفيين، فضلًا عن الجمهور الذي توافد بأعداد كبيرة لمتابعته في تونس العاصمة وفي الجهات الداخلية.

اقرأ/ي أيضًا:
فيلم "split".. دروسٌ في الاضطهاد
"إريك رومير" الذي عرف السينما الفرنسية