01-فبراير-2019

بيليه بعد الفوز بكأس العام 1970 (CNN)

لم يعايش جزء كبير من جمهور كرة القدم اليوم، حقبة أسطورة البرازيل بيليه، الذي اختارته الفيفا لاعب القرن في عام 2000 وفق تصويت مدربين وصحفيين وخبراء في كرة القدم. 

يكشف فيلم "Pelé: birth of legend" الغطاء عن المسيرة المشرفة لبيليه ويميط اللثام عن المعاناة التي كابدها قبل أن يصل للمجد

لذلك فإن عددًا كبيرًا من متابعي كرة القدم اليوم يقلّلون عن قلة دراية من قيمة بيليه، معتبرين أن كرة القدم يومها مختلفة عن كرة القدم اليوم بقوانينها وطرائق لعبها وتكتيكاتها، مضمنين كلامهم مغالطات وتناقضات غالبًا ما تكون بعيدة عن الحقيقة.

وحاول جيف زيمباليست، من خلال فيلم "Pelé: birth of legend" الذي كتبه وأخرجه، والذي عرض عام 2016؛ أن يكشف الغطاء عن مسيرة بيليه المُشرقة، ويميط اللثاء عن المعاناة التي كابدها في طفولته بسبب الفقر التمييز العنصري.

اقرأ/ي أيضًا: بيليه: من المستحيل أن يكون هناك بيليه جديد

وسلط الفيلم الضوء على مختلف العقبات التي واجهت بيليه في بداية مسيرته، وصولًا المجد الذي جلبه لبلاده، لما أهداها لأول مرة مونديال 1958، وتحوّله لأيقونة ألهبت خيال ملايين الأطفال حول العالم.

الحكاية بين 1950 و1958 والوعد الذي برّ به

تدور أحداث الفيلم في مقاطعة ميناس غيرايس بالبرازيل، حيث نشأ بيليه وترترع. وتبدو معالم الفقر واضحة في تلك المنطقة.

ويبدأ الفيلم عند لحظة خسارة البرازيل لمونديال 1950 في نهائي الماراكانا الشهير، أمام أكثر من 120 ألف متفرج، في مقابل جارتها الأوروغواي.

يشاهد بيليه والده وهو يبكي بحرقة بعد الخسارة، فيقول له: "سأجلب كأس العالم يومًا لك وللبرازيليين"، ولم يكن يومها بيليه قد تجاوز التاسعة من عمره! 

وكان والد بيليه عامل نظافة في إحدى مستشفيات المنطقة، بالكاد يجد ما يعيل به أسرته بأقل من الحد الأدنى، فيما كانت تعمل والدته خادمة في منزل أحد الأثرياء.

بيليه

وكان بيليه يساعد والده في العمل، ويلعب في أوقات فراغه كرة القدم مع أصدقائه الفقراء حفاة الأقدام هزيلي البنية وضامري الصدور. كانوا يلعبون في الأزقة والمستنقعات، يراقصون حبات المانغا والبرتقال، إذ لم يكن لديهم كرات قدم حقيقية.

وشاءت الصدفة أن يشاهد بعض كشافي نادي سانتوس، بيليه وهو يلعب مع رفاقه في الشارع، ليتلقى العرض الأول في حياته، وينتقل لسانتوس وهو في عمر الـ13. ولم يكن حتى هذه اللحظة قد لعب كرة قدم حقيقية على ملعب حقيقي، ولا انتعل حذاءً رياضيًا من قبل.

في البداية، فشل بيليه في الانسجام مع زملائه بسانتوس، ففي تلك الفترة، وبعد الخسارة المفجعة للبرازيل في نهائي 1950، اتُخذ قرار حاسم في البرازيل يتمثل في التخلي عن كرة السحر والمتعة (المعروفة بالجينجا)، واستبدالها بالكرة المنضبطة التي تعتمد على اللياقة البدنية والانضباط التكتيكي.

وفي تلك الفترة كان بيليه يمثل كرة الشارع بكل ما فيها من مهارات عالية وسحر وإبداع، كرة قدم "فريستايل" تأسر قلوب من يراها. وبالرغم من ملاحظات مدرب ناشئي سانتوس المتكررة يومها، أصر بيليه على لعب الكرة التي يحبها، ولم يكن بيد المدرب أي حيلة لإنه كان إزاء موهبة استثنائية لم يشاهد أحد مثيلًا لها من قبل.

وفي عام 1958 كان بيليه على متن الطائرة المسافرة إلى ستوكهولم للمشاركة في مونديال 1958. في سن الـ16 وتسعة شهور، كان بيليه أصغر لاعب على الإطلاق يومها يشارك في المونديال، الذي وصلت البرازيل فيه بصعوبة إلى مباراة نصف النهائي.

وحدت طريقة اللعب البرازيلية الجديدة المتماهية مع الكرة الأوروبية، من جمالية لعب وفعالية المنتخب البرازيلي. وقد تلقى الكثير من توبيخات مدربه حينها لأنه لم يلتزم بالتعليمات، وكان يلعب الكرة التي يحبها.

وفي نصف النهائي سجل بيليه هاتريك مدهش في مرمى فرنسا، ما جعل مدربه يغيّر خطته، ويقول للاعبيه قبل المباراة النهائية: "العبوا الكرة التي تحبونها، استمتعوا ومتّعوا العالم بالجينجا البرازيلية".

سجل بيليه هدفين في النهائي في مرمى السويد، على مرأى ملك وملكة السويد، وأهدى البرازيل نجمتها الأولى، وأصبح المراهق الذي لم يحترف كرة القدم إلا قبل ثلاث سنوات، حديث العالم كله.

الجوهرة بيليه يسحر العالم

نجح بيليه لاحقًا بالتتويج في نهائيي 1962 و1970، وتحوّل إلى أيقونة كرة القدم في تلك الفترة، وبات الرقم 10 بسببه مرتبطًا باللاعب الاستثنائي القادر على قيادة فريقه نحو المجد.

بالمحصلة، كان بيليه ثائرًا على طريقته، فهو الفقير الذي مثّل منتخب بلاده في وقت كانت الأندية والمنتخبات بكل فئاتها حكرًا على الأطفال الميسورين الذي يذهبون للتدريبات في نوادي مجهزة، فيما يغرق الفقراء في شقائهم.

وكان بيليه ثائرًا ضد العنصرية على طريقته، وهو الذي تحمّل كل أشكال التمييز والتنمّر، عندما كان يلعب في سانتوس مع مجموعة متجانسة من اللاعبين المرفهين الذين تلقوا تعليمًا جيدًا ويتمتعون بصحة ممتازة. 

كان بيليه ثائرًا ضد الفكر الذي حاول تقييد كرة القدم البرازيلية ووضع ضوابط للاعبين ليحولهم لمجرد منفذين لتكتيك المدرب

كما كان ثائرًا ضد الفكر الذي حاول يومها أن يقيّد كرة القدم ويضع ضوابط للاعبين، ويحولّهم إلى مجرد منفذين لتكتيك المدرب، فأثبت بيليه أن الابتكار والابداع هما سمتان رئيسيتان لدى اللاعب المحترف ولا يمكن تأطيرها أو احتواءها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بيليه.. الجوهرة السوداء

قصة كأس العالم 1970..25 معلومة غريبة