19-سبتمبر-2018

من الفيلم

"المتسلل ليلًا" (Nightcrawler)، هو فيلم هوليوودي صدر عام 2014 من إخراج دان غِلْروي وبطولة جاك جيلينهال، ويعد ضمن تصنيف أفلام "نوار الجديد"، التي ترتكز بمحتواها على التصرفات المفعمة بالتهكم والتشاؤم والدوافع الجنسية، لكن مع تحديث المواضيع والمحتوى والأسلوب والعناصر البصرية أو وسائل الإعلام التي كانت غائبة في أفلام النوار.

"المتسلل ليلًا"، هو فيلم ضمن تصنيف أفلام "نوار الجديد" التي ترتكز بمحتواها على التصرفات المفعمة بالتهكم والتشاؤم والدوافع الجنسية

تبدأ قصة فيلم "المتسلل ليلًا" مع لويس بلوم (يقوم بدوره جاك جيلينهال) الذي يعاني لكي يجد عملًا يساعده على إعالة نفسه، فيسعى للسرقة وبيع المسروقات إلى مقاولي إنشاء بأسعار زهيدة لا تقنعه. ذات ليلة وهو يقود سيارته يصدف أن يرى على جانب الطريق حادث سير، وكانت الشرطة لحظتها تحاول إنقاذ السيدة في السيارة، وفي أثناء مراقبته للمشهد، يرى مُصورًا ينزل من سيارته مُسرعًا محاولًا التقاط صُورة للمشهد وللسيدة في السيارة، وبعد انتهاء الأمر يسأل لويس المُصوّرَ إذا ما كان عمله مُجديًا أو إذا ما كان يبيع الفيديوهات لأي أحد، فيجيبه المصور بأنه يبيعها لإحدى القنوات التلفزيونية. وهنا يتخذ لويس قراره بأن يستغل صحوه ليلًا ليعمل في هذه المهنة، ليصبح لاحقًا "مراسلًا حُرًا" يقوم بتصوير الحوادث الليلة بشكل خاص ليبيعها للقنوات التلفزيونية.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "BlacKkKlansman".. الرد الشرس على بلادة نظام ترامب

رأسمالية القرن الحادي والعشرين

في المشاهد الافتتاحية في فيلم "المتسلل ليلًا" يظهر لويس مثل أي أحد يكافح لكي يحصل على وظيفة مهما كان الثمن ليحقق لنفسه الاستقرار المادي المطلوب، حيث يعرض على المقاول الذي باعه المسروقات أن يعمل لديهِ، فيرد المقاول بأنه لا توجد لديه أي شواغر، فيعرض لويس لديه أن يكون متدربًا، ولكن المقاول يرفض مرة أخرى بقوله: "لا يمكنني أن أوظف لصًا"، ويحصل نفس الموقف مع لويس والمصوّر عند حادث السير.

يعبّر فيلم "المتسلل ليلًا" عن نقد صريح للرأسمالية، ويظهر لك كيف للاقتصاد المتخبط أن يغيّر ويؤثر في الأفراد. زرعت الرأسمالية ثقافة النخبوية والأولوية والدرجات العلمية في المجتمع، وأن على الكل أن يتسابق لأجل أن يحصّل لنفسه مكانة، فإن لم يجد، فسيقع بين الأقدام. وهذا ما يحصل في الفيلم، فأي شخص مثل لويس يكون بحاجة إلى المال ليعيش ولا يجد أي فرصة عمل، فإن يأسه سيقوده إلى اتخاذ قرارات غير أخلاقية ليحقق لنفسه الاستقرار المادي المطلوب.

من نقل المشهد إلى صناعته

يبدأ لويس عمله مراسلًا حرًا عبر سرقة دراجة هوائية غالية الثمن ليبيعها ويشتري بثمنها كاميرا وجهاز استقبال لإشارة الشرطة، وينطلق لوحدهِ يستمع لأخبار الحوادث، ثم يُسرع إلى مكان الحوادث أو مشاهد الجريمة ليحاول أن يتلقط صُورًا مناسبة لبيعها للقنوات التلفزيونية. بعد نجاحهِ في بيعِ أول مشهد، كان قادرًا على أن يقنع القناة بشراء محتواه لتصويره "الدم" في الحادث، وتخبره السيدة المسؤولة بأنه إذا كان يريد النجاح فيما يصنعه فإن عليهِ أن يركز على العنف التصويري. العنف التصويري، هو تصوير مشاهد الجريمة أو الحادث بإظهار ملامح العنف على البشر وتصوير الدم ومشاهد القتل أو الانتحار دون الخضوع لأي رقابة أو حد عُمري معين للمشاهدة.

وهو ما يقود الصحفي الطموح في أحد مداهماته التصويرية إلى التلاعب بمشهد الجريمة بشكل جزئي، حيث سمع على جهاز الاستقبال لديه أن هناك حادث إطلاق نار في أحد البيوت، ولكنه للأسف وصل بعد وصول الشرطة، ومع ذلك فإنه يتسلل إلى داخل البيت، ويجد أن هناك "رصاصة" قد دخلت في باب الثلاجة، فيقوم هو بدورهِ بتجميع صور العائلة من على الثلاجة ويضعها حول مكان الرصاصة، ويقوم بتصوير هذا المشهد على كاميرا الفيديو لديه، ثم يبيع المقطع لاحقًا للقناة التي يتعامل معها.

في مشهد آخر في فيلم "المتسلل ليلًا"، يسمع لويس على جهاز الاستقبال أن هناك حادث سير، فيسارع للوصول إليهِ، ولحسن حظهِ يصل إلى موقع الحادث قبل الشرطة، وعندما يشغل الكاميرا، يجد أن الرجل السائق بعيد عن موقع الحادث نفسهِ، فيضع الكاميرا جانبًا، ويقوم بسحب الرجل ووضعه في مكان يضمن فيه لنفسهِ مشهد عنف تصويري قوي، ويقوم بهذا الفعل دون أن يتردد.

ما تصنعه الرأسمالية المريضة: إعلام/عالم بلا أخلاقيات

يمثل فيلم "المتسلل ليلًا" نقدًا صريحًا لوسائل الإعلام والتي انتقلت في رسالتها مثل تطور الإنسان من جرع مسكنات الألم إلى المخدرات. لم تعد القصص العادية تثير اهتمام الإعلام، بل صار يلجأ إلى القصص التي تثير اهتمام إنسان حتى لو كانت كاذبة. في أحد مشاهد الفيلم يقوم لويس بتصوير جريمة قتل لأسرة كاملة في أحد المنازل البعيدة عن المدينة، ويشرح بأنها كانت عملية قتل وحشية ودموية بدافع الجريمة فحسب، وفي أثناء تصويره، يبدو عليهِ أن يخرج فيلمًا سينمائيًا، فيصوّر سرير طفلٍ صغيرٍ فارغ صورة علوية ويصور المشاهد مرات متعددة ليخرج بأفضل تصوير ممكن. يبيع لويس المحتوى للقناة، وتعرضه بقصة مختلقة، نظرًا لغياب القصة الحقيقية، وبعد اكتشاف الحقيقة، وهي أن الجريمة لم تكن بدافع السرقة أو غيره وإنما كانت جريمة مخدرات ترفض القناة نشر الحقيقة، فالحقيقة لا تجلب المشاهدات ولا تجعل من القناة "الأكثر مشاهدة".

يدين فيلم "المتسلل ليلًا" ما تفعله صناعة الأخبار في العالم هذه الأيام بشكل واسع، وهو ما أدى ببعض النقاد إلى القول بأن أمثلة الفيلم ضحلة وبسيطة وقد ذكرت في أفلام سابقة مثل "الشبكة - Network" الذي صدر 1976، أو "ملك الكوميديا -The King of Comedy" الذي صدر 1982، أو فيلم "الموت من أجله - To Die For" الذي صدر عام 1995. قد يكون كلام النقاد صحيحًا، إلا أن هذا لا ينفي أهمية الفيلم، حيث أن الوضع الآن صار أسوأ مما كان عليهِ في القرن الماضي.

اقرأ/ي أيضًا: 6 من أفضل أفلام روبرت دي نيرو على الإطلاق!

الإعلام الاجتماعي، ووجهنا الزائف

نقد فيلم "المتسلل ليلًا" للإعلام لا يتوقف على الإعلام الجماهيري، وإنما للإعلام الاجتماعي أيضًا، وينتقد بصورة كبيرة زيف الناس وما يتناقلونه على مواقع التواصل الاجتماعي. في أحد مشاهد الفيديو "الساخرة"، كانت تظهر فتاة تصحو من نومها وتضع المكياج على وجهها وتجهز نفسها بالكامل، ثم تقوم بأخذ صورة لنفسها وتنشرها على الإنستغرام، ثم تنتظر الإعجابات لتنهال عليها، وبعدها تعود للنوم مُجددًا. تبدو رسالة الفيلم هنا صريحة وقوية عن الوجه الزائف الذي يرفعه الناس لأنفسهم على هكذا مواقع، فهم يصنعون المشهد صناعة، ويتصنعون الفرح والصداقة والسعادة لكي يراهم الناس وليظنوا أنهم سعداء فقط، حتى لو لم تكن السعادة حقيقية، وهو عين التشوه الذي تصنعه هذه المواقع، وتدفع الكثير من المتابعين أن يظنوا أن حياتهم ليست سعيدة أو ممتعة مثل حياة الآخرين، ما يقودهم إلى الاكتئاب والانتحار لاحقًا. تظهر أهمية الفيلم بأنه يؤكد للمشاهد أن تزييف الأخبار ليس حكرًا على القنوات التلفزيونية بل ينتقل إلى المصوّر الذي يحمل الكاميرا أو الكاتب خلف حاسوبهِ وإلى كل شخص يروج لأي نوع من الأخبار سواء على موقع صحفي أو على مدونة أو على مواقع التواصل الاجتماعي.

يمكن اختصار رسالة فيلم "المتسلل ليلًا" بأن ما تشاهده على الإعلام ليس ما هو موجود، بل ما أُريدَ لك أن تراه

الرائي/المُصوّر يُحدد المشهد

قد يُشاهد أحد ما فيلم "المتسلل ليلًا" ولا يراه إلا فيلم جريمة يتابعه للمتعة، وقد يراه مشاهد آخر ويركز على قضية أخرى مثل قضية مرافق لويس الذي يكون ضحية ويموت في الفيلم وينتقد أن المهاجرين غالبًا ما يكونون شخصيات ثانوية في هوليوود، وقد يراه مشاهد آخر ويرى أن شخصية لويس نموذج للنجاح فهو بدأ لصًّا لا يملك المال، وانتهى به الحال ليملك شركة إنتاج مرئي كبيرة. يرسل لك الفيلم نفس الرسالة، أن ما تشاهده على الإعلام ليس ما هو موجود، بل ما أُريدَ لك أن تراه. فيلم "المتسلل ليلًا" ينتقد ذاته أيضًا، وهو ما يسمى في الأدب بالقص الماورائي Metafiction. أنت ترى ما ترى، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن ما تراه حقيقيّ.

اقرأ/ي أيضًا:

حين جسّدت الإضاءة البعد الرابع في فيلم "المومياء"

فيلم "واجب".. طوفان من القصص الفلسطينية