16-مايو-2017

لقطة من الفيلم

هذا الفيلم تم إنتاجه عام 2015، وهو من إخراج المبدع البريطاني  توم هوبر مخرج فيلم "خطاب الملك " الذي نال الأوسكار كأفضل فيلم عام 2011.

الفتاة الدنماركية فيلم سيرة ذاتية يحكي قصة الرسام الدنماركي الشهير "إينار إلب" وزوجته الرسامة "غيردا ويغنز" وصراع أزمة التحول في حياة كل منهما، قام بأداء أدوار البطولة كل من إيدي ريدماين وأليسيا فيكاندر، حيث حصلت الأخيرة على جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة عن دورالزوجة "غيردا ويغنز".

الفتاة الدنماركية فيلم سيرة ذاتية يحكي قصة الرسام الدنماركي إينار إلب وزوجته غيردا ويغنز وأزمة التحول الجنسي في حياة كل منهما

يتحدث فيلم الفتاة الدنماركية عن نقطة حساسة وسؤال جوهري جدًا على الإنسان الواعي أن يراقبه دومًا من أجل نفسه وهو: "هل نعيش ذواتنا"، "هل نحن حقيقيون بحياتنا؟"، يبدو أن الرسام إينار إلب كان دومًا يبحث عن هذا السؤال ولم يطمئن أبدًا لإجابة القدر عن حياته.

فقد كان إينار إلب فنانًا شعبيًا شهيرًا وناجحًا متزوجًا من الرسامة غيردا التي كانت تقل عنه شهرةً ونجاحًا، فيما كان هو يساعدها لتجد مشروعها الخاص بخلق موضوع حول فتاة "عارضة" وجد ذاته فيها وسماها "ليلي إلب".

وإذا بحثنا عن هذه الشخصية في التاريخ سنجد صورة فتاة حقيقية مسجلة بشكل قانوني وتعتبر أول متحولة جنسية في عالم الطب والجراحة عام 1931، وهو نفس العام الذي توفيت فيه إثر تلك الجراحة -جراحة زرع مهبل-.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Django" وانتصار الموسيقى على التهميش

لم يعرف أحد بشكل قاطع إن كانت ليلي إلب مصنفة ضمن المخنثين جنسيًا أو إنها مصنفة ضمن المختلين كيميائًيا أو نفسيًا. لكن الفكرة هنا تمامًا، لماذا يشغل بالنا التصنيف لهذا الحد، ويؤرقنا أن نضع الناس في خانات. لقد صُنفت ليلي في ذلك الوقت أنها "إينار المختل عقليًا"، وكلما ذهب إلى طبيب في الدنمارك لطلب المساعدة كان يجد عاملي مشفى المجانين يلاحقونه تحت طلب الطبيب.

كانت الدنمارك في ذلك الوقت، متزمتة جدًا مقارنة بباريس، كما أن باريس لا تحتوي أيًا من معارف "إينار إلب" لذلك كان يقول "أنا هنا أعيش ذاتي بحرية، بعيدًا عن الذين يجبرونني أن أكون شخصًا آخر".

وهذا ما يفعله كل إنسان يسعى وراء ذاته في الحقيقة حين ينتمي لمجتمع مقولب، إنه يهرب من مجتمعه ومعارفه وأصحاب الأفكار الجاهزة عنه، ليكتشف ذاته حيث لا أحد يستطيع تعريفه.

لكن إينار إلب لم يضح بمجتمعه وحسب، لقد ضحى برسمه وفنه حيث توقف عن الرسم وغدا فتاة تعمل في محل عطور، وضحى بعلاقته "الزوجية" مع حبيبته غيردا، بل وضحى بحياته كلها ليكون صادقًا مع نفسه، ويكون ذاته ولو لوقت قصير، فقد كان على علم بخطورة العملية وإنها الأولى من نوعها، وقد تسبب الوفاة بدرجة عالية.

الملفت في فيلم The Danish Girl هو مدى قوة الإنسان في أن يجابه عالمه وقدره حتى يعيش حياته كما يراها هو وليس كما يريدها له الآخرون

غيردا كذلك إنسانة تستحق الذكر بشكل مطول في سيرة إينار، فقد ساعدته ليكون حرًا ويعيش مشاعره وحلمه، استفادت منه في تحقيق نجاحها كرسامة، لكنها خسرته كحبيب وزوج. حاولت أن تعيد إينار كما كان وتلغي كل ما حصل من تغيرات، لكن ذلك لم ينجح، وبذلك اختارت أن تكون المرأة القوية المتحضرة التي تقبلت إينار كما هو بل وأصبحت صديقة حقيقية له وساعدته لأن يصبح ليلي فهي كانت تحبه بالفعل.

إن الملفت في فيلم الفتاة الدنماركية "إينار إلب" -حقيقة- ليس التحول الجنسي، رغم براعة تصوير التحول التدريجي الذي طرأ على شخصية إينار وقدرة المخرج في خلق صور حية ومصادفات من التفاصيل الدقيقة التي أثرت في ذات الرسام وجعلته يجد متعته وذاته، كما نشهد ببراعة الممثل "إيدي ريدماين" في أداء دور "إينار" ونقل أحاسيسه لنا بخفة حتى نصدق أن الذي أمامنا امرأة حقيقية بجسد رجل.

لكن الملفت فعلًا في هذا فيلم الفتاة الدنماركية والسيرة، هو مدى قوة الإنسان في أن يجابه عالمه وقدره حتى يعيش حياته كما يراها هو وليس كما يريدها له الآخرون، كيف يستطيع إنسان أن يتخلى عن كل شيء من أجل شعور يسميه البعض وهمًا، وليكن وهمًا، فلكل منا أوهامه الخاصة التي من حقه أن يعيشها بحرية ويخطئ بها دون أن يجبره أحد عن التخلي عنها، لأنه ببساطة يجد فيها متعته وحقيقته ويجد فيها طعم حياته التي يراها البعض سخيفة، بينما العيش في طابور طويل يفعل اللاحق فيه ما فعل السابق لا يعد سخيفًا، وهذه واحدة من مفارقات البشر العجيبة.

اقرأ/ي أيضًا: إعادة نظر: Les Petits Chats.. الحنين لماضٍ ليس لنا

يقول حسين البرغوثي "كل فرد في العالم يقاتل أشباحًا خاصة به"، كما يقول "لا يستيقظ في العزلة إلا ما هو كامن فينا أصلًا"، وإينار كان له شبحه إما أنه ذكر أو أنه أنثى، لا نعرف وليس يهم أن نعرف، ما هو مهم أنه كان صادقًا وقويًا ليخرج مكامنه ويدافع عنها، وإن الانعزال مع الذات وإحياء حقيقتها والمقاتلة من أجلها لأفضل ألف مرة من يوميات مُملاة علينا بالترتيب وحياة نعيشها كيفما اتفق -كيفما اتفق المجتمع-.

في ملاحظة صغيرة عن أرباح فيلم الفتاة الدنماركية التي كانت مخيبة للآمال، أنه لم يحقق أي نجاح مادي، بل عاد بالخسارة مع الأسف، حيث كانت تكلفة الفيلم 15 مليون دولار فيما أن الإيرادات بلغت 14.9 مليون، غير أن الفيلم يستحق نجاحًا ودعمًا أكثر من ذلك حسبما وجدت فيه من عمق وبراعة في الإخراج والأداء، كذلك فإنه يستحق جوائز فنية ولفتة أكبر من تلك التي حصدها.

يقول حسين البرغوثي "كل فرد في العالم يقاتل أشباحًا خاصة به"

اقتباسات من الفيلم:
- إنه من الصعب أن يجلس الرجل ويتعرض لنظرات امراة لأننا معتادون أن تجلس المرأة لينظر لها الرجل، غير أنك قد تجد بعض المتعة في ذلك، في أن تخضع.

- إنكِ تساعدين زوجك على الوهم، إنه مريض عقليًا.

- ليس صحيحًا، ظنناك طبيبًا وتستطيع المساعدة.

- هل سيجعلك الطبيب امرأة؟

- لا، الله جعلني امرأة.

- لا يهم ما الذي أرتديه لأنام، لأنني عندما أحلم، فإن ليلي هي التي تحلم.

- أريدك أن تتوقف عن هذه اللعبة السخيفة.

- أرجوك لا تفكري هكذا، هذه ليست لعبة أبدًا، كل صباح استيقظ وأنوي أن أكون رجلًا لكنني أقضي بقية يومي أفكر كما تفكر ليلي، إنها دائمًا هنا.

- حاول مرة أخرى من أجلي أرجوك.

- أنا آسفة.

- أنا أحبكِ لأنك الشخص الوحيد الذي جعل لي إحساسًا وجعلني ممكنًا.

- ليلي كيف أنتِ؟

- أنا ذاتي تمامًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "المراسلة".. هاجس قديم يسيطر على جوزيبي تورناتوري

فيلم "عرق البلح".. نساءٌ عاريات تحت رعب الشّمس