22-أغسطس-2019

من الفيلم (IMDB)

قبل أكثر من أربعة آلاف سنة قال الطبيب الإغريقي أبقراط: "إبحثوا عن الدواء في الطعام"، فيما تُنسب للطبيب العربي الحارث بن كلده مقولة: "المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء". واليوم بات الطب الحديث مقتنعًا تمامًا بهاتين المقولتين، وأثبتت عشرات الدراسة العلاقة بين الأنظمة الغذائية التي تتبعها الجماعات والأفراد وبين احتمالية إصابتها بالأنواع المتعددة من الأمراض.

أثبتت عشرات الدراسة العلاقة بين الأنظمة الغذائية التي تتبعها الجماعات والأفراد وبين احتمالية إصابتها بالأنواع المتعددة من الأمراض

يحاول لي فيلكسرون من خلال الوثائقي الشوكة اهم من السكين (Forks over Knives)، الذي قام بكتابته وإخراجه، إظهار أهمية النظام الغذائي النباتي، وقدرته في المساعدة على التخلص من الكثير من الأمراض، كما يضيء على خطورة الغذاء الحيواني وتسبّبه بمشاكل كبيرة صحية، كذلك يحاول تصحيح ما يعتبره مغالطات متوارثة في الوعي الجماعي للناس فيما يخص فوائد الغذاء المستمد من مصادر حيوانية كالبروتين الحيواني والحليب والبيض، فيظهر للمشاهد مساوئها ويقدم مواد نبتية بديلة تمتلك القيم الغذائية نفسها بدون أن تشكل خطرًا على الصحة.

اقرأ/ي أيضًا: 4 أفلام مبنية على روايات

بالرغم أنهما لم يلتقيا إلا مؤخرًا، وعملا بشكل منفصل منذ أكثر منذ نصف، فقد توصلت نتائج أبحاث وأعمال الطبيبين الأمريكيين كولين كامبل وكالدويل ايسيسلستين إلى الخلاصات نفسها. حيث عمل الأول على دراسة الأنماط الغذائية لمجموعات بشرية وربط النتائج بوضعهم الصحي، فيما استخدم الثاني الأنظمة الغذائية النباتية كنوع من العلاج لمرضى القلب وارتفاع ضغط الدم والسكري، مستغنيًا عن أقراص الأدوية والحقن وما إلى ذلك، وقد حقّق مع مرضاه نتائج أفضل بكثير مما جناه المرضى الذي ساروا بالطرق التقليدية.

ترتبط معظم المناسبات الدينية والاجتماعية بالطعام، ونستهلك يوميًا كميات كبيرة من السكريات والدهون والأغذية المعالجة والمكررة. يعاني أكثر من 40 % من سكان الولايات المتحدة من البدانة، ويتناول أكثر من نصف سكانها دواءً واحدًا بشكل دائم على الأقل. هناك طفل واحد في سن الرابعة لديه وزن فوق المعدل من أصل كل أربعة أطفال، فيما العمر المتوقع للجيل الحالي هو أقل من العمر المتوقع لأبائهم، الأمر الذي يحصل للمرة الأولى.

أنفقت الولايات المتحدة 2.2 تريليون دولار على النظام الصحي في العام 2010، أي ما يعادل خمسة اضعاف ما أنفقته في مجال الدفاع في العام نفسه، ومع ذلك فأن الوضع الصحي في تراجع مستمر، وعدد المرضى والأمراض  في تزايد. الأمراض المرتبطة بالغذاء بشكل مباشر كالسكري وارتفاع ضغط الدم تكلف أمريكا 120 مليار دولار سنويًا! يموت شخص كل دقيقة في أمريكا بسبب مشاكل في القلب، فيما يموت مليون شخص بالسرطان سنويًا، ويُتَوقع أن يصاب مولود جديد واحد من أصل ثلاثة بالسكري في حياته.

تغير النظام الغذائي للبشر بشكل كبير في العقود الأخيرة، وساهمت مطاعم الوجبات السريعة في زيادة معدل تناول اللحم سنويًا للمواطن. في أمريكا مثلًا، كان المواطن الواحد يتناول حوالي 15 كغ من اللحم سنويًا في أربعينات القرن الماضي، ارتفع هذا المعدل إلى 50 كغ مع بداية الألفية، وإلى 100 كغ بحلول عام 2010.

يتناول الرياضيون اليوم كميات كبيرة من البروتين الحيواني الذي يتواجد في البيض والسمك والدجاج بشكل أساسي. وبالرغم من السمعة الحسنة المتعارف عليها لهذا البروتين، فإن دراسات عديدة تثبت الضرر الكبير الذي يمكن أن تسببه هذه البروتينات. أجرى الصينيون في سبعينيات القرن الماضي دراسات على فئران تم حقنها ببروتين حيواني وأخرى حقنت ببروتين نباتي، وقد تبين استعداد الأولى للإصابة بورم سرطاني أكثر بكثير من الثانية. وقد أعاد الدكتور كامبل التجربة نفسها في أمريكا وحصل على نتائج مشابهة.

في العام 1974 أُصيب رئيس الوزراء الصيني بسرطان المثانة، وقد أصدر قرارًا على إثرها بدراسة طبيعة مرض السرطان في الصين، أسبابه وطريقة انتشاره. بعد عشرات السنوات من الدراسات والأبحاث، وبعد اشتراك الدكتور كامبل بنفسه في العمل، خلص الباحثون إلى نتائج متقاطعة تثبت وتؤكد أن المناطق الصينية التي تعتمد في غذائها على الأرز والنباتات والأعشاب يُصاب سكانها بالسرطان بنسبة أقل من غيرها بشكل ملحوظ.

يمتاز النظام الغذائي الغربي باحتوائه كميات كبيرة من السكريات والدهون وفيه سعرات حرارية عالية، احتمال إصابة المواطن الأمريكي بأمراض القلب نتيجة هذا النظام تعادل 12 ضعف احتمال إصابة سكان الريف الصيني، فيما تندر أمراض القلب في مرتفعات أيوبا النيجيرية حيث يعتمد المواطنون على النباتات فقط في غذائهم.

يمتاز النظام الغذائي الغربي باحتوائه كميات كبيرة من السكريات والدهون وفيه سعرات حرارية عالية

لماذا تشعرنا المأكولات غير الصحية والتي تحتوي على مواد معالًجة وسكر مكرر باللذة؟ فيما لا يجذبنا الأكل الصحي ذو القيمة الغذائية العالية؟ يتساءل معظمنا هذا السؤال والإجابة ببساطة تتعلق بالطبيعة البشرية، حيث تبحث أعضاء جسمنا عن الراحة، وبالتالي فإن حصول جسمنا على كميات هائلة من السعرات من خلال تناول الوجبات السريعة تعطي الجسم شعورً بالرضا وينعكس هذا الشعور على شكل لذة نعيشها. تقوم معدتنا بخداع دماغنا غالبًا. 50 سعرة حرارية من الأكل النباتي تملأ معدتنا بشكل كاف وتشعرنا بالشبع، لكن 50 سعرة من الطعام المعالج لا تقوم بالدور نفسه، فتعطي المعدة أمرًا للدماغ بأنها بحاجة للمزيد، لأنها، أي المعدة، تحب أن تحصل على سعرات كثيرة بكمية قليلة من الطعام، ولهذا فإن معظمنا يحب الطعام المالح، والمثلجات والحلويات على حساب السلطات والخضروات والفاكهة.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "Parasite".. الطفيليات البشرية

الصورة النمطية للأشخاص النباتيين في رأسنا هي أنهم جميعًا نحيلو البنية، ولكن ما نجهله هو أن هناك الكثير بين الأبطال الرياضيين من يتبع النظام الغذائي النباتي بشكل كامل، وأشهرهم بطل العالم في الالتمت تشامبيونز مايك دانزيغ الذي لا يأكل إلا الخضار والنباتات، والذي يقول إنه لم يشرب كوب حليب واحدًا ولم يتذوق مشتقات اللبن خلال سنوات طويلة.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "Born In Syria".. رحلة الهاربين من الجحيم

ضمن سلسلة "Nova".. في زمن ذاكرة الجيب