11-يونيو-2017

لقطة من الفيلم

الليلة تصفحت التلفاز بشكل عادي وسريع، قافزة عن قنوات الأفلام العربية، ولا أنكر أنني أسارع في قلب القناة إذا وجدت فيلمًا عربيا حديثًا ولم أكن قد سمعت به من قبل أو قرأت عنه، خاصة إن كان فيلمًا مصريًا من العصر الحديث، فنحن وللأسف فقدنا ثقتنا بمنتجنا بعدما بات يعطينا فكرةً مسبقة عما سنجده من الاقتصارعلى الكوميديا المبتذلة في كثير من الأحيان، وضعف في الحبكة، وحالة مأساوية من الإخراج.

فيلم "الإنسان يعيش مرة واحدة" بطولة عادل إمام ويسرا، هذا الثنائي الذي قدم لنا منذ طفولتنا على أنه لا يجتمع إلا في أفلام "العيب"

ولا بد من ذكر الإنتاج هنا، حيث لا نفتأ نرى فيلمًا مصريًا حديثًا إلا ونجد فيه شخصًا "عبيطًا" جدًا، كما يقول إخوتنا المصريون في أفلام من يدعى بـ"السبكي" وهو المنتج، ولا تستطيع أن تعرف بالضبط ما الذي يفعله وسط أحداث الفيلم –إن وجدت أحداثًا في أفلامه –.

غير ذلك فإنني إن وجدت فيلمًا عربيًا قديمًا من الخمسينات أو الستينات أتوقف وأتفحصه، لكن سرعان ما يعربش على رأسي الملل وعدم القدرة على مجاراة وتحمل الحوارات التي باتت كليشيهات قديمة، بإخراج وتمثيل مبالغ في أدائه، رغم أنه ليس هنالك شك في قيمة هذه الأعمال الراقية، والتي نجد أنها أخذت عن كتّاب وروائيين عظماء، يعرفون كيف تكون الحبكة والصنعة وكيف تروي حقًا قصة ذات قيمة.

اقرأ/ي أيضًا: الفتوات في السينما المصرية "وحوار بالفيديو مع الناقدة الفنية ناهد صلاح"

أما السبعينات والثمانينات فتعود لتتفحص في كل مرة العمل المقدم وتعرف أنها حقبة متلونة ومتغيرة، بين العالي جدًا والمتوسط والهابط، لكن الجميل فيها هو التنوع ذاك الذي يُعجزك عن أخذ فكرة مسبقة عنه، مع تقديم قد تجد فيه من الأفكار ما يبهر، ومن الحوارات ما يجعلك منصتًا، كذلك أداء الممثلين فيه بين المبالغ فيه والجيد الواقعي والملفت.

وفيلم اليوم هو فيلم يستحق المشاهدة بل والكتابة عنه، تم إنتاجه عام 1981، فيلم درامي بحبكة مختلفة للمؤلف الكبير وحيد حامد، الذي أحدث فرقًا هائلًا في أفلام ومسلسلات تلك الحقبة، والمخرج سيمون صالح الذي خرج ولم يعد.

فيلم "الإنسان يعيش مرة واحدة" من بطولة عادل إمام ويسرا، نعم هذا الثنائي الذي قُدِم لنا منذ طفولتنا على أنه ثنائي لا يجتمع إلا في أفلام "العيب"، إلا أن أداءهم وحواراتهم في هذا الفيلم وغيره كانت ولا شك مهمة لحياتنا أكثر من فكرة "العيب" ذاتها، التي لم نستطع الخروج من سجنها حتى يومنا الحاضر بجانب أمور "عيب" أكبر وأخطر بكثير، لا نراها ولا نلقي لها بالًا.

وحتى لا نشت فإن أداء عادل إمام والشخصية التي قام بتجسيدها "هاني" بخفتها وذكائها وحتى انفعالاتها، تجعلك تعترف لهذا الفنان بموهبته العظيمة، التي تنقل لك شعورها كما لو كان كتابًا وصفت صوره باحتراف حتى تجسدت وجعلت شعورك يشبهه تمامًا من قوة امتثاله.

جمال فيلم "الإنسان يعيش مرة واحدة" في اختلاف حبكته وبساطتها، في التقاء الأبطال وطريقة انسجامهم المتسلسل بشكل طبيعي ومريح، كذلك لا نغفل عن الحوارات وقدرة الكاتب في تكوين شخصيات حية متكاملة الصفات في غير البطل والبطلة الرئيسيين.

اقرأ/ي أيضًا: أفضل بحثًا عن البساطة المفقودة في السينما المصرية

بحيث تدور أحداث فيلم "الإنسان يعيش مرة واحدة" في مكان واحد يحمل أكثر من قصة وشخصية وكل منها على حدة، لتلتقي الشخصيات بأمراضها وهواجسها ونظرتها للحياة تحت إطار حبكة واحدة، وبظروفٍ واقعية ومقنعة، ومتناسقة بشكل لن تشعر معه بقفزات، إلا في نهايته ولربما هي السلبية الوحيدة التي أزعجتني في الفيلم، حيث شعرت بتلك القفزة وقت انقلاب "أمل" المفاجئ على أفكارها بالحياة وقبولها بحب هاني دون تسلسل جيد ومقنع بعد رفضها الطويل للفكرة.

وهذا ربما نعزوه لانتظار المشاهد العربي في ذلك الوقت حتمية النهاية السعيدة، وسرعة حصولها، وبذلك نتفهم عدم تجرؤ الكاتب على تخييب أمله الرومانسي أو المماطلة به.

غير أن هاني وأمل على غير المعتاد كانوا شخصيات طبيعية ومريحة في فيلم "الإنسان يعيش مرة واحدة" كأستاذ تاريخ تعرف بالصدفة على طبيبة في القطارمتجهين نحو مدينة منعزلة.

تدور أحداث فيلم "الإنسان يعيش مرة واحدة" في مكان واحد يحمل أكثر من قصة وشخصية، لتلتقي الشخصيات بأمراضها وهواجسها ونظرتها للحياة

وبقى هذا الشاب المجنون بخفته صديقًا لإنسانة تعاني الكآبة وترفض العاطفة رغم وحدتها، متقبلًا رفضها لإعجابه ولعاطفته المندفعة دومًا نحوها غير أن تقديمه لنفسه كان بشكل بعيد كل البعد عن الرومانسية المكررة والتصرف التقليدي مثل مشهد تعارفهما، أو مشهد اعترافه بحبه لها وانفعاله بعد رفضها، كذلك مشهد إشعاله لسيجارتها حين طلبت منه "ولاعة" وسط موجات من الهواء تحيل دون فعل ذلك.

تدخل معهم شخصيات عديدة تحت ذات الإطار، منها شخصية الطبيب الزميل لأمل "زين العشماوي"، الذي يعتبر علاقته بأمل شكلًا من أشكال التحدي لرجولته المريضة بالعصرية والواقعية الوقحة، كذلك قصة البواب في المدرسة ونظراته عن الحياة والخوف، وعكس طريقة الحياة في مدينة منعزلة اجتماعيًا ككل، كل ذلك في الفيلم الذي لو كان بمقدور الكاتب تطويره بعيدًا عما ينتظره المشاهد لكان إنتاجًا رائعًا بحق.

مقتطفات من الفيلم
* معايا حبوب للنوم، للضحك، للفرح بس معيش حبوب للحزن، لأن هو داه الوضع الطبيعي.
* كل اللي بيهتموا بإنسانة زيي يبقوا بيضيعوا وقتهم.
* النسوان يابني زي الشمس، ساعات تحبها وساعات تحرقك، لكن عمرك متقدر تعيش بدونها.
* أنا مقدرش أراهن على حاجة مش ملكي يا دكتور و"أمل" مش ملكي ولا ملكك.
* الست دايمًا تروح للراجل اللي يملى عينها يا دكتور.
*أنت عايش بتعمل أيه قوم نتمشى ناكل نتكلم نشم هواء.
* انتي واحدة عندها شخصية، وفي الزمن دا صعب أنك تلاقي بنت بشخصية، علشان كده كل شخص حيقابلك حيتمنى أنك تكوني بتعته، مش قصدي ملكه، تكوني له ومعاه.
*متخليش الخوف يحرمك أنك تعيش.

 

اقرأ/ي أيضًا:

19 فيلمًا ننتظر عرضها بالسينمات في النصف الثاني من 2017

هل كان 2016 عام السينما اللبنانية؟ أبرز 8 أفلام تثبت ذلك