02-أبريل-2018

لقطة من الشريط

هل يمكن تصوير شريط سينمائي بالكامل من خلال عدسات الهاتف المحمول؟ وهل يمكن ملامسة الفرق بينه وبين شرائط الأفلام التقليدية؟ وما الذي يمكن أن يدفع المخرج لمثل هذا الخيار؟ هذه الأسئلة التي يجيب عنها فيلم أنسين لستيفن سودربيرغ الذي تناوله الناقد جاك كويل في المراجعة المترجمة تاليًا:


عاد ستيفن سودربيرغ من تقاعده القصير من هوليوود لشكواه من ضيق أفقها، ليصور فيلمه الثاني بالكامل منذ فترة توقفه عبر هاتف أيفون.

لا شيء في فيلم Unsane ينذر المرء بمكروه يصيبه أكثر من اضطراره للتخلي عن هاتفه رغمًا عنه

ويعتبر فيلم الإثارة النفسي "أنسين Unsane" اختبارًا لفئة جديدة من الأفلام والتكنولوجيا في آن. هو فيلم تجاري منخفض الميزانية من فئة imovie. الفيلم الذي تبلغ مدته 98 دقيقة هو خير إثبات على أن العمل الشاق لصناعة الأفلام بإمكانه أن يكون سهلًا ومرنًا وأن يسعه جيبك بكل بساطة.

بالطبع لا نمتلك جميعًا فيلم "أنسين Unsane" على هواتفنا الذكية. ليس لدى بعضنا سوى كلمات متبادلة مع الأصدقاء وعدة صور لطيفة. لكن سودربيرغ مخرج فيلمي خارج مجال الرؤية “Out of Sight”  واللقطة "The Knick"، والذي يعمل مصورًا سينمائيًا في أفلامه تحت اسم مستعار هو "بيتر أندروز"، هو صانع أفلام دؤوب ومرن، منفتح دائمًا على التجربة والاستجابة الفورية النشطة في أفلامه. يحب سودربيرغ استبعاد الوسيط، حتى لو كان هذا الوسيط الكاميرا نفسها.

اقرأ/ي أيضًا: جاك نيكلسون: الموت الحقيقي هو التوقف عن التعلم

صنع فيلم "أنسين Unsane" بسرية خلال أسبوعين في حزيران/يونيو الماضي. وقد جاء في الوقت المناسب على غير العادة، إذ تؤدي كلير فوي وهي نجمة فيلم "التاج The Crown" بحسب السيناريو الذي كتبه جوناثان بيرنستاين وجيمس جرير، دور محللة بيانات تدعى سوير فالنتانتي التي تنتقل من بوسطن إلى بنسلفانيا هربًا من شخص يطاردها.

تؤدي فوي، التي لم تقل براعتها في هذا الفيلم المستقل منخفض الميزانية عنها في المسلسلات الدرامية الباذخة، دور سوير التي تعاني من صدمة داخلية تغطيها بغشاء خارجي من الصلابة والقوة المتحفظة الحذرة. حين يدعوها مديرها في العمل وهو رجل متزوج إلى مكتبه ليقترح غامزًا أن يسافرا كليهما معًا إلى مؤتمر في عطلة نهاية الأسبوع، تستشعر الخطر مباشرة وتعود مسرعة إلى عملها.

تتحدث سوير التي تبحث عن نصيحة من معالج نفسي، مع شخص في مركز سلوكي غامض يدعى هايلاند كريك. يسير اللقاء بشكل جيد، أو هكذا اعتقدت سوير، التي طلب منها الانتظار في الردهة وهي تهم بالمغادرة. لاحقًا تقودها مشاركة فظة إلى قاعة سفلية مظلمة وكئيبة وتوجهها إلى غرفة وتغلق الباب وتطلب منها إفراغ حقيبتها وتسليم هاتفها المحمول والتعري بشكل كامل، قائلة "هذه هي الاجراءات".

يسيطر على الفيلم طابع كابوسي متنامي، لكن لا يعززه  الصراخ المعتاد في الخلفية أو النمط الباذخ لأفلام الرعب. تعرف سوير لاحقًا أن اعترافها العفوي بالأفكار الانتحارية التي تراودها أحيانًا أدى إلى إدخالها المصحة لمدة 24 ساعة وأنها وقعت دون قصد على تخليها عن حقوقها لهذه المدة الزمنية. يؤدي تحول غضبها إلى مقاومة مضطربة إلى تمديد إقامتها وزيادة جرعتها. لا تستطيع والدتها، ايمي ايرفينج، فعل شيء لتحريرها.

اقرأ/ي أيضًا: فريدا بينتو: السينما تحرم النساء من صورتهن الحقيقية

في الداخل تبدو الأجواء أكثر ألفة قليلًا عن فيلم "One Flew Over the Cuckoo’s Nest" أو "Shock Corridor". لكن الرعب في فيلم أنسين الذي يبعث شعورًا أوليًا بذكرى رعب ملاجئ الجنون الماضية، أكثر شبهًا بكابوس حي. مأزق سوير الذي تصوره عدسات الآيفون البسيطة الخالية من المرشحات، اعتيادي بشكل مخيف. هذه المشفى ليست فخًا قوطيًا غامضًا، بل هي منشأة بيروقراطية واقعية تقع في احدى الضواحي.

فيلم سودربيرغ  Unsane هو تصريح بقوة الهاتف الشخصي للفرد وإمكانية العجز عن ترويضه

لكن أنسين يصعد من إثارة الأحداث عبر حيلة في الحبكة نفسها. تؤمن سوير أن مطاردها، جوشوا ليونارد، تسلل إلى المستشفى ويعمل هناك مشرفًا على النظام. قالت إنها تراه في كل مكان. هل هذا وهم؟ هل سوير مضطربة في الحقيقة؟ أم أنها حالة أخرى من تجاهل اتهامات امرأة ضد من يتحرش بها جنسيًا وتبريرها بطرق أخرى؟ حتى سوير لا تكون متأكدة من حقيقة الأمر، في بعض الأحيان.

يتأرجح فيلم أنسين بين هذه الاحتمالات المفتوحة فترة ثم يستقر في النهاية بشكل قاطع ومخيف للآمال، مقوضًا الغموض الذي اعتراه عبر ميله لجانب واحد. الفيلم الذي بنى على الواقعية يسقط في فخ العبثية. مع ذلك يصور فيلم سودربيرغ الذي صنع قبل فترة قصيرة من انطلاق زوبعة اتهامات هارفي واينستاين وتوابعها من عقالها، جانبًا من مشاعر الألم والحيرة والتشكيك في الذات التي تلي حوادث الاعتداء الجنسي.

يقدم أحد مستشاري المطاردة والذي يؤدي دوره مات ديمون، نصيحة لسوير يقول فيها "فكري في هاتفك المحمول باعتباره عدوًا لك" مبينًا لها مخاطر التعرض لوسائل التواصل الإجتماعي. فيلم سودربيرغ هو تصريح بقوة الهاتف الشخصي للفرد، ليس فقط لأنه تم تصويره بأحد هذه الهواتف. في أنسين لا شيء ينذر المرء بمكروه يصيبه أكثر من اضطراره للتخلي عن هاتفه رغمًا عنه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

آل باتشينو: يسهُل خداع العين أما التحايل على القلب فهو الأصعب

غييرمو ديل تورو: الوحوش هم القدّيسون الشافعون للغرباء