1. عشوائيات
  2. مجتمع

فيضانات دلتا النيل.. هل فشلت خطط الطوارئ؟

14 أكتوبر 2025
فيضانات دلتا النيل
فيضانات دلتا التيل (وسائل التواصل الاجتماعي)
عماد عنان عماد عنان

شهدت إحدى القرى التابعة لمركز أشمون بمحافظة المنوفية (شمال القاهرة) الأسبوع الماضي، غرق عدد من المنازل والأراضي الزراعية الواقعة على ضفاف نهر النيل، إثر ارتفاعٍ مفاجئ في منسوب مياهه.

وكان مركز أشمون قد أصدر بيانًا عاجلًا دعا فيه الأهالي والمزارعين إلى إخلاء المنازل والمزارع المقامة على أراضي طرح النهر بشكل فوري، واتخاذ جميع الإجراءات الوقائية لحماية الأرواح والممتلكات، موضحًا أن هذه الخطوة مؤقتة حتى عودة منسوب المياه إلى مستواه الطبيعي، وهي التحذيرات التي أطلقتها بعض المدن الأخرى المجاورة مثل منوف وغيرها.

وفي وقت سابق وجهت السلطات المصرية بـ"تفعيل إجراءات احترازية لمواجهة ارتفاع منسوب نهر النيل وغمر المياه أراضٍ مطلة عليه"، كما جدد مجلس الوزراء تحذيراته، مؤكدًا ضرورة الاستجابة للتحذيرات الرسمية، نظرًا لخطورة استمرار تواجد السكان والمزارعين على ضفاف النهر في ظل المنسوب المرتفع.

يأتي هذا الغرق تزامنًا مع فيضانات شهدها السودان مؤخرًا، تزامنا مع موسم الفيضان السنوي وفي أعقاب تدفقات مائية كبيرة جراء فتح إثيوبيا (دولة المنبع) بوابات سد النهضة دون تنسيق مسبق مع دولتي المصب مصر والسودان، بحسب ما ذكرته تقارير صحفية.

حالة من الهلع تهيمن على الشارع المصري مع تصاعد المخاوف من اتساع دائرة الغرق لتشمل عدد من المحافظات الأخرى، خاصة في منطقة الدلتا،  في ظل تبادل الاتهامات بين كل من القاهرة والخرطوم وأديس أبابا حول المسؤول عن تلك التدفقات غير المتوقعة.

وجهت السلطات المصرية بـ"تفعيل إجراءات احترازية لمواجهة ارتفاع منسوب نهر النيل وغمر المياه أراضٍ مطلة عليه"

غرق القرى المصرية.. ما العوامل؟

تجدر الإشارة في البداية إلى أن ظاهرة غرق بعض القرى المصرية تعود إلى جملة من العوامل، في مقدمتها ارتفاع منسوب المياه خلال موسم الفيضان والأمطار، الذي يستمر حتى نهاية تشرين الأول/أكتوبر الجاري، بحسب ما أوضحه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي. وكان مدبولي قد حذّر، خلال اجتماع عُقد قبل أسبوعين، من احتمال "غمر بعض المناطق بالمياه، خصوصًا في محافظتي المنوفية والبحيرة (شمال)"، وفق ما أوردته وسائل إعلام محلية.

ومن العوامل المتسببة في الغرق كذلك التعديات على أراضي مجرى النهر، إذ أن البناء على أراضي طرح النهر، الردم، أو التعدي على مجرى النهر يقلل من المساحة المتاحة لتسريب المياه ويُضعف الحماية الطبيعية من الفيضانات، علاوة على انخفاض ارتفاع الأرض في القرى المجاورة للنهر، إذ أن القرى التي تقع مباشرة على ضفاف النهر أو في الأراضي المنخفضة تكون أكثر عرضة للغمر إذا ارتفع مستوى المياه.

إضافة إلى التغيرات المناخية والأمطار الغزيرة والتي قد تسهم في زيادة منسوب المياه، والتي يتضاعف تأثيرها بسبب ضعف البنية التحتية والمراصد التحذيرية، فإذا لم تكن هناك أنظمة كافية لصبّ التصريف، الحماية من الفيضانات، أو تنبؤ وتحذير مسبق، فإن القرية قد تُفاجأ بارتفاع مياه.

ومن أكثر العوامل التي تقف وراء غرق القرى المصرية ارتفاع التصريف المفاجئ، فعند فتح بوابات السدود أو تصريف كميات كبيرة من المياه من المنابع، قد تتدفق كميات زائدة بسرعة تفوق قدرة المجاري والنظام المائي في المناطق المنخفضة على الاستيعاب.

القاهرة تتهم أديس أبابا

وجهت القاهرة سهام النقد لأديس أبابا، متهمة إياها بتهديد أمن واستقرار شعوب دول المصب، محملة إياها مسؤولية غرق بعض القرى المصرية، محذرة في الوقت ذاته من تفاقم الظاهرة إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه.

وقالت وزارة الموارد المائية والري المصرية، في بيان لها، نشرته على صفحتها على منصات التواصل الاجتماعي، إنها تتابع تطورات فيضان نهر النيل لهذا العام، وما ارتبط بها من تصرفات أحادية متهورة من جانب أثيوبيا في إدارة سدها غير الشرعي المخالف للقانون الدولي، مضيفة أن هذه الممارسات تفتقر إلى أبسط قواعد المسؤولية والشفافية، وتمثل تهديداً مباشراً لحياة وأمن شعوب دول المصب.

وقالت إن الممارسات الأثيوبية تكشف بما لا يدع مجالاً للشك زيف الادعاءات المتكررة بعدم الإضرار بالغير، وأنها لا تعدو كونها استغلالاً سياسياً للمياه على حساب الأرواح والأمن الإقليمي، لافتة أن مياه نهر النيل تنبع من ثلاثة روافد رئيسية هي النيل الأبيض، والنيل الأزرق، ونهر عطبرة، موضحة أن فيضان النيل الأزرق يأتي خلال الفترة من تموز/ يوليو وحتى تشرين الأول/ أكتوبر من كل عام، وتبلغ ذروته عادة في شهر آب/ أغسطس.

وأشارت البيانات إلى أن وضع الفيضان لهذا العام عند مصادره الرئيسية الثلاثة أعلى من المتوسط بنحو 25%، إلا أنه أقل من العام الماضي، الذي عُد فيضاناً مرتفعاً، حتى الآن، قائلة إنه من الناحية الفنية، كان من المفترض أن تبدأ أثيوبيا في تخزين المياه بسدها بشكل تدريجي خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة ثم تقوم بتصريفها بشكل منظم لتوليد الكهرباء على مدار العام، بما يتسق مع ما تدعيه مراراً بشأن فوائد السد في تنظيم الفيضان وحماية السودان من الغرق وتوفير الكهرباء للشعب الأثيوبي.

وتابعت وزارة الري المصرية: "غير أنه في نهاية آب/ أغسطس لوحظ أن مشغلي السد الأثيوبي خالفوا القواعد الفنية والعلمية المتعارف عليها، حيث قاموا بتخزين كميات أكبر من المتوقع من مياه الفيضان مع تقليل التصريفات من نحو 280 مليون م³ إلى 110 ملايين م³ يوم 8 أيلول/ سبتمبر 2025"، مشيرة إلى أن هذه التصرفات تنم عن توجه أثيوبي متعجل نحو إتمام الملء بصورة غير منضبطة، بغرض الوصول إلى منسوب 640 مترا فوق سطح البحر، ثم فتح المفيض الأوسط ومفيض الطوارئ لساعات معدودة لاستخدامها فقط كـ"لقطة إعلامية" واستعراض سياسي فيما سُمي باحتفال افتتاح السد، بعيدًا عن أي اعتبار للسلامة المائية أو مصالح دول المصب.

واختتمت وزارة الري المصري بيانها بالإشارة إلى أن التقاء هذه الكميات الكبيرة وغير المتوقعة من المياه أدى في هذا التوقيت من العام، مع تأخر واختلاف مواعيد سقوط الأمطار داخل السودان، فضلا عن ارتفاع إيراد النيل الأبيض عن معدلاته الطبيعية، إلى زيادة مفاجئة في كميات المياه نتج عنها إغراق مساحات من الأراضي الزراعية وغمر العديد من القرى السودانية.

وفي ذات السياق قال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي إن "عدم التنسيق فيما يتعلق بتشغيل السد قد أدى إلى فيضانات عارمة خلال الفترة الأخيرة في السودان، مؤكدا أن التحركات الأحادية الإثيوبية بشأن سد النهضة تشكل خرقا للقانون الدولي".

وأضاف عبد العاطي -قبل لقاء رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان في بورتسودان الأربعاء الأول من تشرين الأول/أكتوبر الجاري- أن "مصر تحتفظ بحقها الذي كفله القانون الدولي في الدفاع عن مصالحها الوجودية وعن حقوقها المائية بكل السبل والأدوات إذا تعرضت هذه المصالح الوجودية إلى أي تهديد أو ضرر".

الحكومة في مرمى الاتهام.. أين مفيض توشكي؟   

لم تكن أديس أبابا وحدها في مرمى الاتهام، كمسؤول وحيد عن تلك الكارثة، خاصة بعد نفي وزارة الري الإثيوبية الاتهامات المصرية الموجهة لها، حيث طرح خبير الموارد المائية الدولي، نادر نور الدين، العديد من التساؤلات عن فشل الجانب المصري في إدارة التعامل مع الفيضانات والتي أودت إلى غرق بعض القرى في مشهد غير مألوف منذ سنوات.

تظل أزمة غرق القرى المصرية جرس إنذار متكرر حول هشاشة إدارة الموارد المائية في حوض النيل، في ظل التعقيدات الناجمة عن السدود والتغيرات المناخية والتعديات على مجرى النهر

الخبير المصري وفي مقال له على صفحته على منصة "فيسبوك" ربط بين فيضانات السودان والفيضانات المصرية، لافتًا إلى أنه كما كانت فيضانات السودان "بسبب سوء ادارة لسد النهضة وفتح بوابات عديدة اكثر من سعة النهر ومن سعة السدود السودانية" فإن الفيضانات التي شهدتها بعض المحافظات المصرية هي "بسبب فتح عدة بوابات في السد العالي أعلى من سعة النهر وفروعه لانها ايضا مياه مقننة وليست مياه فيضانات حرة ولكننا نطلقها من بوابات السد العالي بحسابات وقدر وكميات مقننه".

وأشار نور الدين إلى أنه "ليس من المقبول ان يكون ارتفاع مياه النهر والترع في مصر اعلى من السودان نفسه وان يظهر مزارع يخرج من منزله والمياه تصل حتى صدره وهو مالم نشاهده في فيضانات السودان والتي لم ترتفع المياه اكثر من ارتفاع قليل من قدمية".

وتابع: "وبالتالي فالأمر قد تحوطه حسابات خاطئة ايضا وفتح بوابات عديدة تصرف مياه اكثر من سعة النهر وما يحيطه من اراضي طرح النهر والجزر النهرية وعددها 144 جزيرة وصولًا الي قها وادفينا في شمال الدلتا".

ثم تساءل عن مفيض توشكي ودوره في استيعاب تلك الكميات الكبيرة من المياه، قائلًا : "اذا كان يعمل بكفاءته فلماذا لم نصرف المياه مبكرا وبكميات صغيرة طوال الاسبوع الماضي خاصة إن المياه تستغرق أسبوعين حتى تصل الي السد العالي ومثلها حتى تصل الي محافظات الدلتا؟!"، منوهًا بأن ما يحدث الآن لم يحدث في أعلى فيضان شهدته مصر عام 1988، مطالبًا وزارة الري بتقديم تفسيرات وإيضاحات عن هذا الأمر، مختتمًا مقاله بـ ماذا كان سيحدث لنا في حالة عدم وجود السد الاثيوبي؟

تظل أزمة غرق القرى المصرية جرس إنذار متكرر حول هشاشة إدارة الموارد المائية في حوض النيل، في ظل التعقيدات الناجمة عن السدود والتغيرات المناخية والتعديات على مجرى النهر.

وبينما تتبادل القاهرة وأديس أبابا والخرطوم الاتهامات بشأن المسؤولية عن الفيضانات، يبقى السكان في القرى المغمورة هم الخاسر الأكبر، عالقين بين تقصير داخلي وسياسات خارجية متشابكة.

ومع استمرار موسم الفيضان، تبدو الحاجة ملحة إلى شفافية أكبر وتنسيق إقليمي حقيقي، يضع أمن وحياة شعوب دول المصب فوق الحسابات السياسية الضيقة.

كلمات مفتاحية
صدمات نفسية

بعد حرب غزة: صدمات نفسية متفاقمة وحالات انتحار متزايدة بين جنود جيش الاحتلال الإسرائيلي

باتت الصحة النفسية لجنود جيش الاحتلال الإسرائيلي الذين شاركوا في الحرب على غزة قضية مطروحة في النقاش الإعلامي، مع تزايد حالات الانتحار

أفغانستان

أفغانستان على حافة أزمة جديدة: تعثّر اقتصادي وتزايد في أعداد العائدين

أصدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، اليوم الأربعاء، تقريرًا جديدًا سلّط فيه الضوء على الوضع الاقتصادي في أفغانستان

عملات رقمية

أكبر مصادرة في تاريخ بريطانيا.. "ملكة العملات المشفرة" خلف القضبان

تمكنت الشرطة من ضبط أجهزة تحتوي على 61,000 وحدة بيتكوين، في أكبر عملية مصادرة للعملات الرقمية في تاريخ المملكة المتحدة

مظاهرة في لندن
سياق متصل

محكمة الاستئناف البريطانية ترفض طعن مؤسسة "الحق" على حكم تصدير قطع غيار "إف-35" لإسرائيل

سعت مؤسسة "الحق" الفلسطينية إلى الطعن في حكم قضائي بريطاني يسمح للمملكة المتحدة بتصدير قطع غيار طائرات إف-35 الأميركية إلى إسرائيل

غلاف الكتاب (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)
نشرة ثقافية

"النصّ التأريخي وترجمته" لسفيان عبد اللطيف: مقاربات في الفلسفة واللغة

صدور كتاب " "النصّ التأريخي وترجمته: مقاربات فلسفية ولغوية"

البرهان والسيسي
قول

سقوط الفاشر وتبدّل الحسابات المصرية: من الحياد المضبوط إلى الانخراط الإجباري

باتت رؤية مصر تجاه السودان محكومة بمعادلات أمنية حساسة (منصة إكس)

إيران
سياق متصل

تصاعد التوتر حول ملف إيران النووي: تحذيرات دولية وعقوبات أميركية جديدة

جاء العدوان الإسرائيلي على إيران، والقصف الأميركي للمنشآت النووية عقب إصدار الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرًا خلص إلى أن طهران لم تلتزم بتعهداتها النووية