14-أكتوبر-2018

ليبيون يحتفلون باستعادة حكومة السراج منصة زويتينية النفطية من مليشيات حفتر (عبدالله دوما/Getty)

تطفو ليبيا فوق بحيرة من الاحتياطي النفطي تقدر بنحو 46 مليار برميل، ومع ذلك يشعر الليبيون دومًا بالحرمان من عائد هذه الثروة، التي ظلت لعقود خلت تحت تصرف نزوات العقيد معمر القذافي. وبعد مقتل القذافي بيد الثوار في العام 2011، حلت اللعنة مرة أخرى على  تلك المنشآت الموسومة بالهلال النفطي، ودارت حولها عديد المعارك الحامية للسيطرة عليها من قبل الميليشيات المارقة وبعض اللاعبين الدوليين.

من يضمن السيطرة على الهلال النفطي يضمن السيطرة على الموارد الكبرى وعلى ليبيا برمتها، وهو ما أدركته أبوظبي وانتدبت له الجنرال الانقلابي حفتر شخصيًا، مستأنفًا حروبه العبثية

كل شيء يحترق في ليبيا تقريبًا بسبب لعنة المازوت، دون أن تفلح الجهود السياسية الغربية في إطفاء نيرانه، أو وضع حد لتعاسة الليبيين مرة وللأبد، وهى كما يبدو جهود تتخفى تحتها المزيد من المصالح، تترافق معها محاولات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر المشي بحذائه الثقيل فوق رأس لانوف والسدرة وبقية مناطق الهلال النفطي، تحقيقًا لأجندة مُخدميه في القاهرة وأبوظبي.

حروب حفتر العبثية

من يضمن السيطرة على الهلال النفطي يضمن السيطرة على الموارد الكبرى وعلى ليبيا برمتها، وهو ما أدركته أبوظبي وانتدبت له الجنرال الانقلابي حفتر شخصيًا، مستأنفًا حروبه العبثية.

اقرأ/ي أيضًا: الغارات المصرية على ليبيا.. بعيدًا عن داعش وفي خدمة حفتر

بدا رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله وهو يطلب من دولة الإمارات ردع المتورطين بسرقة النفط الليبي، وكأنه أشار أخيرًا بيده إلى الفيل وليس لظله، فقد طالب صنع من الإمارات اتخاذ إجراءات رادعة تجاه الشركات المسجلة والأشخاص المقيمين في الإمارات المتورطين في سرقة النفط الليبي. ونقل المكتب الإعلامي للمؤسسة الوطنية للنفط الأربعاء الماضي، عن صنع الله قوله خلال لقاء مع وزير الدولة الإماراتي سلطان أحمد الجابر، في العاصمة البريطانية لندن: "إن عمليات سرقة النفط تجري عن طريق إبرام عقود غير قانونية مع مؤسسات موازية وبطريقة غير شرعية"، على حد تعبيره.

 الجرس على رقبة الإمارات

وعلق صنع الله الجرس على رقبة أبوظبي، وهو يخصها بذلك الطلب، في حين يلح السؤال عن احتماء تلك المؤسسات غير القانونية بالإمارات وكيف سمحت لها بإبرام عقود بيع النفط الليبي، وهى تعلم أنها غير مخولة بذلك؟ وسرعان ما جاءت الإجابة، بالهجوم على مقر المؤسسة الوطنية للنفط في العاصمة الليبية طرابلس منتصف الأسبوع الماضي، ما تسبب في مصرع وجرح العشرات، بعد أن استهدف الهجوم المسلح قطاع النفط الحيوي في البلاد وقيادة المؤسسة الشرعية.

في السياق، كان صنع الله قد أعلن ارتفاع إنتاج ليبيا من النفط إلى أعلى مستوياته منذ عام 2013 بتسجيله مليونًا ومائتين وثمانية وسبعين ألف برميل يوميًا، مؤكدًا أن الإنتاج سيزداد عند استقرار الوضع الأمني بالبلاد. وهو ما يمثّل الشّقّ الثاني من معادلة مهدّدات السّلام، إذ أن قصفًا شديدًا يستهدف المواقع الحيوية في ليبيا، يرقى لأن يكون عاملًا ناسفًا للمصالحة ولكل الجهود الساعية للتهدئة. ومع ذلك ظل المجتمع الدولي صامتًا إزاء تحركات ميليشيا حفتر المدعومة إماراتيًا ومحاولات إشعال الأوضاع على الأرض.

أدخل الصراع حول الموارد ليبيا في حالة من الانشطارات، بين الحكومة المعترف بها أمميًا في طرابلس بقيادة السراج، وميليشيا الكرامة في الشرق بقيادة خليفة حفتر، خاصة بعد استيلاء حفتر على منطقة الهلال النفطي في 21 حزيران/يونيو الماضي، من قوات حرس المنشآت النفطية السابق إبراهيم الجضران، والذي أوكلت له حكومة الوفاق برئاسة فائز السراج مهمة حراسة تلك المنشآت. وعلى إثر ذلك النزاع ولدت المؤسسة الوطنية الموازية للنفط في الشرق برئاسة فرج سعيد، تحت حماية ميليشيا حفتر، كمقابل غير موضوعي للمؤسسة الشرعية في طربلس، التي يديرها مصطفى صنع الله وتتعامل معها الشركات العالمية كقناة وحيدة لانسياب وتصدير النفط الليبي.

القوة القهرية للميليشيا

وطيلة تلك السنوات لم تتوقف محاولات حفتر السيطرة على المناطق البترولية بما عرف بالقوة القهرية، سيما وأنها تحتضن أكثر من 60% من الاحتياطي النفطي وتضم أربعة موانئ نفطية رئيسية، هي "موانئ السدرة ورأس لانوف والبريقة والزويتينة"، وبات من الصعب جدًا أن يتخلى حفتر عن رغبته في ضم هذه المنطقة والتصرف في عائداتها النفطية، مدعومًا بمصر والإمارات من جهة وفرنسا وأمريكا من جهة أخرى، رغم اختلاف الأهداف.

وتعتبر المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس بقيادة مصطفى صنع الله الجهة الشرعية الوحيدة في ليبيا المخوّلة والمعترف بها بموجب قرارات الأمم المتحدة بتصدير النفط الخام ومنتجاته. وظل صنع الله يحذر في كل مناسبة من تلاعب مؤسسة حفتر الموازية بعقود النفط، قائلًا "إن مؤسسة النفط الموزاية لها تاريخ حافل من التلاعب بأسعار النفط وسبق أن عرضت بيع النفط بسعر أقل من الأسعار الرسمية في السوق". وأضاف في تصريحات تلفزيونية أن المؤسسة الموازية تهاونت وفرطت في سيادة الدولة الليبية، مؤكدًا أن العقود التي أبرمتها مع بعض الشركات موجودة لدى لجنة العقوبات الدولية للنظر فيها، وأوضح أن المؤسسة في طرابلس لم تفرط بحقوق الدولة الليبية بدرهم واحد، وأن عمليات البيع تنشر بشكل يومي على الموقع الرسمي لها.

اقرأ/ي أيضًا: استعراض حفتر العسكري في تونس.. استفزاز ومخالفة للبروتوكولات

استنساخ اللويا جيرغا

خلال الأيام الماضية تعرضت الحكومة الشرعية في ليبيا إلى هجوم متزامن من الجامعة العربية والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وقال السيسي إن فكر الإخوان المسلمين مناهض للحياة وإن فوضاهم دمرت ليبيا، متهمًا قادة الجماعة بالوقوف وراء ما أسماها بالفوضى الخلّاقة التى زعم بأنها دمرت العديد من الدول بينها ليبيا. فيما خرج الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط من صمته، وطالب الأمم المتحدة بفرض عقوبات مشددة على الأطراف التي تعرقل حل الأزمة الليبية، دون أن يشير إلى قوات حفتر الدعومة مصريًا وإمارتيًا، ولوح أبو الغيط بإمكانية استنساخ "اللويا جيرغا" كحل للانقسام الليبي، وهو مجلس أعلى للقبائل أو مجلس مصالحة موسع عملت به أفغانستان طويلًا. ومن الواضح أن الجامعة العربية تقف ضد مخرجات مؤتمر باريس التي تدعو لقيام انتخابات في ليبيا نهاية العام الجاري، إذ إنها تؤيد جهود إيطاليا في ترحيل الأزمات.

ليس بمقدور طرف أن يدعى ولايته الكاملة على ليبيا، فالمشهد السياسي هنالك أكثر تعقيدًا مما يبدو، وسط تراخي دولي

تضارب الأجندة الدولية

وبينما استضافت فرنسا أول مؤتمر ليبي رئيسي في تموز/يوليو الماضي، فقد أعلنت إيطاليا عن استضافتها لمؤتمر بخصوص ليبيا في تشرين الثاني/نوفمبر، وهو ما سيجُب مقررات مؤتمر باريس غالبًا، حيث ظهر الخلاف باكرًا بين روما وباريس وتجلى أكثر بعد محاولات باريس وضع خارطة طريق تضمن قيام انتخابات تشريعية ورئاسية نهاية العام الجاري. وهذا الخلاف وإن بدا سياسيًا إلا أنه يحتوي على جانب كبير من الأجندة الاقتصادية المتضاربة، فيما تخلى غسان سلامة، المبعوث الفرنكوفوني الخاص للأمم المتحدة، بشكل ضمني، عن خارطة الطريق السابقة الخاصة به لليبيا، مستغنيًا عن مرحلتين كانت الأمم المتحدة قد ذكرت من قبل أنهما شرطان ضروريان لإجراء الانتخابات: تعديل الاتفاق السياسي الليبي لعام 2015، وعقد مؤتمر وطني. وذاك ما لم تأخذه دوائر عديدة في الاعتبار.

ليس بمقدور طرف أن يدعى ولايته الكاملة على ليبيا، فالمشهد السياسي هنالك أكثر تعقيدًا مما يبدو، وسط تراخي دولي أكيد يأمل أن تكون ليبيا نهبًا للفوضى، بلا جيش موحد وحكومة مركزية حتى يسهل على كثير من تلك الدول التدخل بحجة مكافحة الهجرة، ومن ثم سرقة النفط الليبي، تحت عتمة الدخان العالق، لكنه وبقدر ما تلوح جهود سياسية للحل السلمي من طرابلس تتحرك جهود خفية من أماكن آخرى لتأزيم الأوضاع، ودور أبوظبي والرياض في هذا السياق أصبح معروفًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الجيش الليبي.. سراب موجود وهدف منشود

المحاصصة المناطقية في ليبيا.. الخطر الأكبر