تشهد محافظة السويداء، جنوبي سوريا، حالة من فوضى انتشار السلاح، وذلك في أعقاب المعارك التي خاضتها فصائل المعارضة مع قوات النظام السابق التي انتهت بسقوط نظام الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر الماضي، مما أدى إلى دخول المدنيين إلى غالبية القواعد العسكرية التي تضم مستودعات للذخيرة، حيثُ قاموا بجمع ما وقع تحت أيديهم من أسلحة وذخيرة لبيعها في السوق السوداء.
وظاهرة فوضى انتشار السلاح في المحافظة لم تقتصر على جمع الأسلحة والذخيرة من مستودعات قواعد النظام السابق، بل امتدت إلى انتشار الألغام العشوائية التي زرعتها قوات النظام حول القواعد العسكرية، بالإضافة إلى مخلفات الصواريخ العنقوية غير المنفجرة، مما تسبب بحوادث مأساوية راح ضحيتها ما لا يقل عن خمسة أشخاص، بالإضافة إلى إصابة العشرات بجروح مختلفة.
مخلفات الأسلحة تثير المخاوف في ريف السويداء الغربي
كان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد أشار إلى أن انفجار الأجسام من مخلفات الحرب السورية قد أدى إلى مقتل 144 شخصًا منذ مطلع العام الجاري في مختلف الأراضي السورية، من بينهم 27 طفلًا وست نساء، فضلًا عن إصابة 181 آخرين، من بينهم 84 طفلًا وامرأة. ووفقًا للمرصد فإن عدد ضحايا مخلفات الحرب في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة الانتقالية السورية بلغ 107 أشخاص، بالإضافة إلى 27 شخصًا في مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري، و10 أشخاص في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد".
ظاهرة فوضى انتشار السلاح في المحافظة لم تقتصر على جمع الأسلحة والذخيرة من مستودعات قواعد النظام السابق، بل امتدت إلى انتشار الألغام العشوائية التي زرعتها قوات النظام حول القواعد العسكرية
يقول مفيد العقباني، وهو قيادي في أحد الفصائل العسكرية التي شاركت في معركة "حسم الجنوب"، لموقع "الترا صوت" إن "الفوج 404، والذي يقع في قرية نجران في ريف المحافظة الغربي يحتوي على أسلحة ثقيلة ودبابات وعربات مدرعة ومدفعية فورزديكا بالإضافة للأسلحة الفردية"، مضيفًا أن "الفوج 405، الذي يقع على طريق الحج بالقرب من قرى المجدل وريمة حازم وكفر اللحف، يضم تجمعًا لعدة كتائب عسكرية أبرزها كتيبة الهندسة العسكرية، والتي تعتبر مليئة بالألغام المتنوعة والعبوات الناسفة".
العقباني الذي كان قد شارك في معارك السيطرة على الفوجين السابقين في ريف السويداء الغربي، أوضح في حديثه أن الفوج 405 يحتوي أيضًا على "12 مستودعًا مخفيًا كانوا يتبعون لحزب الله اللبناني"، مضيفًا أن الحزب عمل بعد "على سحب مجموعة من الأسلحة (بعد انسحابه من سوريا)، تاركًا خلفه الذخائر العسكرية، وفي مقدمتها الصواريخ العنقودية ذات الصناعة المصرية"، ويشير العقباني إلى أن قوات النظام السابق عملوا قبل معارك السيطرة على الفوجين بعد أيام على "نشر عشرات الألغام بشكل عشوائي داخل الثكنات العسكرية، وعلى أطرافها دون أن يتركوا خرائط تُحدد أماكن انتشارها".
ولفت العقباني في حديثه إلى أنه "بعد تحرير الفوجين 404 و405، قام العديد من المدنيين بالدخول إلى الفوجين، ذلك بهدف سرقة السلاح، دون أن يكون لديهم دراية مسبقة بخطورة هذه الأسلحة، وخاصة العنقودية منها".
ويشرح العقباني خطور القنابل العنقودية بالإشارة إلى أن "الصاروخ العنقودي المصري الواحد يحتوي داخله نحو 400 قنبلة صغيرة، وهي قنابل مصنوعة من سي فور شديدة الإنفجار، حيثُ يميل لونها إلى النحاس الأحمر"، مضيفًا أن "الأشخاص يقومون بالطرق عليها بغية استخراج مادة السي فور، ظنًا منهم أنها مادة النحاس، مما يؤدي إلى انفجار الصاروخ".
وعلى خلفية وفاة شاب جراء انفجار لغم أرضي قرب الفوج 405 في 28 كانون الثاني/يناير الماضي، قامت غرفة العمليات العسكرية في السويداء بإغلاق مدخلي الفوجين 404 و405، فيما عملت سرية الهندسة التابعة لحركة رجال الكرامة على تفجير العديد من الذخائر المنتشرة عشوائيًا داخل الفوجين، لكن الافتقار للمعدات اللوجستية الحديثة حال دون إكمال العملية بشكل كامل حتى لحظة كتابة التقرير.
مطار "خلخلة"مثال آخر على فوضى السلاح
يقع مطار "خلخلة" العسكري، أكبر المطارات العسكرية في جنوبي سوريا، في ريف المحافظة الشمالي، حيثُ شهد المطار واحدة من أكبر المعارك التي خاضتها فصائل المعارضة ضد قوات النظام السابق في شمال المحافظة. وبعد انسحاب قوات النظام السابق من المطار، حصل كما الحالات السابقة، حيثُ دخل المدنيون إلى المطار بهدف جمع الأسلحة المنتشرة عشوائيًا.
يوضح القيادي في غرفة العمليات المشتركة، عدنان أبو العز، في حديثه لـ"الترا صوت" أنه بعد السيطرة على المطار العسكري "توافد إلى المطار المئات من المدنيين والقاطنين في القرى المجاورة للمطار، حيث قاموا بنهب غالبية محتويات المطار من معدات عسكرية وذخائر"، مضيفًا أن "العديد من المدنيين توجهوا إلى سرقة ذخيرة الطائرات، كما حاولوا إفراغها من محتوياتها لاستخلاص مادتي النحاس والحديد منها"، وهو ما تسبب بـ"حوادث مؤسفة داخل صفوف المدنيين الذين لا يملكون الخبرة العسكرية الكافية للتعامل مع مثل هذه الذخائر".
أبو العز، والذي كان مسؤول في معركة "حسم السويداء عن معركة السيطرة على مطار "خلخلة"، رأى في حديثه أن "الحل الأمثل للحد من انتشار الذخائر العشوائية هو وجود الدولة، والتي لديها القدرة والمعدات اللازمة لإزالة هذه الذخائر، وخاصة الألغام المزروعة بكثافة على جوانب المطار وأبواب المستودعات العسكرية "، مشددًا على أن غياب الوعي بين المدنيين بشأن انتشار الأسلحة العشوائية.
وتتجاوز ظاهرة السلاح العشوائي واقع البحث عن مادة النحاس، بوصولها إلى منصات التواصل الاجتماعي التي تقوم صفحات عبرها بعرض أسلحة متنوعة للبيع عبر الإنترنت، الأمر الذي يترك هذه التجارة غير المشروعة دون رقابة من الفصائل العسكرية المنتشرة في السويداء، وهو ما يتركها متاحة للمدنيين، خاصة بين المراهقين في المحافظة.
وكانت غرفة العمليات المشتركة في السويداء قد استطاعت ضبط عدد من الأسلحة بين المراهقين والشبان غير المؤهلين لحيازتها، لكن هذه المحاولات كانت خجولة، وذلك لعدة أسباب يأتي مقدمتها الحالة العشائرية التي تطغي على الحياة الاجتماعية في السويداء، إضافة إلى عدم تفعيل الوحدات الشرطية في المحافظة، رغم تنظيم المجتمع المدني أكثر من وقفة احتجاجية طالبت بوضح حد لظاهرة انتشار السلاح العشوائي في المحافظة.