فوضى التعريفات الجمركية: كيف تهدد قرارات ترامب الاقتصاد العالمي؟
20 فبراير 2025
انتقد الكاتب والمحلل السياسي الأميركي توماس فريدمان، سياسة الرئيس دونالد ترامب، في فرض التعريفات الجمركية بشكل عشوائي، معتبرًا أنها تفتقر إلى أي رؤية استراتيجية واضحة، مما قد يؤدي إلى أزمة اقتصادية عالمية غير مسبوقة.
وأكد فريدمان في مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، أن ترامب لا يملك تصورًا واضحًا لكيفية عمل الاقتصاد العالمي الحديث، إذ يعتمد في قراراته التجارية على الارتجال والضبابية بدلًا من التخطيط والاستناد إلى رؤية اقتصادية شاملة.
يرى فريدمان أن أخطر ما في سياسة ترامب ليس مجرد استخدام التعريفات الجمركية، بل عدم وضوح أهدافه من فرضها.
هذا النهج، بحسب فريدمان، لا يهدد فقط الاقتصاد الأميركي، بل قد يعيد تشكيل موازين الاقتصاد العالمي بطريقة غير محسوبة النتائج.
عدم وضوح الرؤية
يرى فريدمان أن أخطر ما في سياسة ترامب ليس مجرد استخدام التعريفات الجمركية، بل عدم وضوح أهدافه من فرضها. ففي بعض الأحيان يدعي ترامب أن التعريفات تهدف إلى زيادة إيرادات الدولة، وأحيانًا أخرى يستخدمها كأداة لإجبار الشركات على الاستثمار داخل الولايات المتحدة، أو حتى لمحاربة تدفق المخدرات مثل "الفنتانيل" عبر الحدود.
📌 وقع #دونالد_ترامب قرارًا ينص على فرض رسوم جمركية بنسبة 25 بالمئة على #المكسيك و #كندا، بالإضافة إلى فرض رسوم مماثلة بنسبة 10 بالمئة على #الصين.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 3, 2025
📌 تعليقًا على قرار فرض الرسوم الجمركية، كتب ترامب متسائلًا عبر منصته الخاصة للتواصل الاجتماعي "تروث سوشيال": "هل سيكون هناك بعض… pic.twitter.com/wrxzy7Tuws
يقول الكاتب الأميركي: "لو كان لدى ترامب خطة واضحة، لكان عليه أن يقول: هذه هي رؤيتنا للاقتصاد العالمي، وهذه هي القطاعات التي يجب أن نستثمر فيها، وهذه هي المجالات التي نحتاج فيها إلى فرض التعريفات الجمركية لحماية صناعاتنا. لكن بدلًا من ذلك، لا يوجد أي وضوح، فقط قرارات متناقضة وغير مبررة."
بالإضافة لذلك، فإن إحدى أبرز مشكلات سياسة ترامب الجمركية هي عدم التمييز بين الحلفاء والخصوم. فهو يفرض التعريفات على دول منافسة مثل الصين، ولكن أيضًا على حلفاء مثل كندا والمكسيك، مما أدى إلى إثارة حالة من الفوضى في الاقتصاد الأميركي، حيث تعتمد العديد من الصناعات على الاستيراد من هذه الدول.
اقتصاد عابر للحدود
الطبيعة العالمية للاقتصاد الحديث. لم يعد الإنتاج مقتصرًا على دولة واحدة، بل أصبحت كل صناعة تعتمد على شبكة معقدة من الدول والشركات والموردين، مما يجعل الاقتصادات الوطنية مترابطة بشكل لا يمكن فصله بسهولة.
يستشهد فريدمان بتحليل للاقتصادي إريك بينهوكر من جامعة أوكسفورد، الذي يرى أن الاقتصاد العالمي لم يعد يعتمد على الحدود الوطنية للدول، بل يقوم على أنظمة بيئية اقتصادية متشابكة. فكل منتج حديث، سواء الهواتف الذكية أو السيارات أو أشباه الموصلات، هو نتاج تعاون عالمي معقد، وليس صناعة محلية بحتة.
وضرب بينهوكر مثالًا واضحًا على ذلك قائلًا: "لا يوجد بلد واحد في العالم قادر على تصنيع هاتف آيفون بمفرده". فشركة "آبل" تعتمد على شبكة عالمية تضم آلاف الشركات والملايين من العمال في أكثر من 50 دولة، يساهمون جميعًا في تصميم، تصنيع، توزيع، وإعادة تدوير المنتجات.
سيتخذ #ترامب من سياسة فرض الرسوم الجمركية على الواردات الصينية نهجًا في التعامل مع #الصين، مما سيدفعها للقلق والرد بقوة الأمر الذي سيؤثر حتمًا في العلاقات بين الجانبين.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) November 7, 2024
اقرأ أكثر: https://t.co/Qo0jJEQ12l pic.twitter.com/Vr7MX8E4bC
ترامب وتجاهل تعقيدات سلاسل التوريد العالمية
من الأمثلة التي توضح أهمية التعاون الدولي صناعة السيارات، حيث تمتلك الشركات الكبرى مثل "جنرال موتورز" و"فورد"، سلاسل توريد تمتد عبر أميركا الشمالية، أوروبا، وآسيا. فوفقًا لتقرير نشره الموقع الأميركي الشهير "NPR"، فإن قطع السيارات تعبر الحدود عدة مرات خلال عملية التصنيع، مما يجعل التعريفات الجمركية تهديدًا مباشرًا لهذه الصناعة.
رغم هذه الحقيقة، يصرّح ترامب بكل ثقة: "لسنا بحاجة إلى كندا لصناعة سياراتنا"، لكن بحسب فريدمان الواقع يقول عكس ذلك تمامًا. فالاعتماد على كندا والمكسيك يقلل تكلفة التصنيع ويحسن جودة السيارات، مما يجعل الصناعة الأميركية أكثر قدرة على المنافسة عالميًا.
ووفقًا لفريدمان، فإن إصرار ترامب على سياسات متهورة قد يؤدي إلى ارتفاع التكاليف على المستهلكين، تقليص الاستثمارات، وإضعاف القدرة التنافسية للولايات المتحدة عالميًا.
يستشهد فريدمان بتجربة تطوير لقاحات "mRNA" لكوفيد-19، حيث تم تطوير اللقاحات بسرعة غير مسبوقة بفضل تعاون عالمي ضخم بين الحكومات، الجامعات، والشركات. فلو أن كل دولة حاولت تطوير اللقاح بمفردها، لما تم إنتاجه في هذا الوقت القياسي.
وينطبق الأمر ذاته على الصناعات المتقدمة مثل أشباه الموصلات، حيث تعتمد كبرى الشركات مثل "إنتل"، "أبل، "نفيديا"، و"AMD"، على شبكة عالمية من الموردين والخبراء في أميركا، أوروبا، اليابان، وكوريا الجنوبية.
📌 وجّه دونالد ترامب نقدًا لمصاصات الشرب الورقية التي روج لها جو بايدن، معلنًا عودة تلك المصنوعة من البلاستيك بقرار تنفيذي الأسبوع المقبل.
— Ultra Sawt ألترا صوت (@UltraSawt) February 8, 2025
📌 تأتي الخطوة ضمن سياسات ترامب البيئية، بعد تعطيل تمويل محطات شحن السيارات الكهربائية والانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ. pic.twitter.com/0JAZIx1Ekz
العولمة ليست خيارًا، بل ضرورة
يختتم فريدمان مقاله بالتأكيد على أن الاقتصاد الحديث لم يعد اقتصادًا وطنيًا بسيطًا، بل هو نظام بيئي عالمي معقد. فالتصنيع، البحث والتطوير، الخدمات، وحتى الابتكار، جميعها تعتمد على التعاون بين الدول والشركات.
لكن ترامب يتجاهل هذه الحقيقة الأساسية، ويصر على فرض سياسات تجارية تعود إلى حقبة قديمة لم تعد موجودة إلا في مخيلته. ويرى فريدمان أن الولايات المتحدة بحاجة إلى قيادة تفهم تعقيدات الاقتصاد الحديث، وتتعامل مع العالم بواقعية، وليس بشعارات شعبوية تهدد الاستقرار الاقتصادي.