21-يوليو-2018

سخر الجزائريون من إعلان مشروع المدينة الذكية (Xinhua)

مع مجيء الرّئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذّي تزامن مع انحسار موجة العنف والإرهاب، وصعود أسعار النّفط في الأسواق العالمية، انتعشت مشاريع المدن الجديدة، في الجهات الأربع للبلاد. حيث باتت لكلّ مدينة قديمة نسخة جديدة محاذية لها، فيقال مثلًا قسنطينة الجديدة وبوسعادة الجديدة والجلفة الجديدة ووهران الجديدة، وهكذا.

في التسعينات انتشرت في الجزائر مشاريع المدن الجديدة، إلا أنها لم تكن ثمرة لرؤية حضارية تعطي لصفة الجديدة معنة المواكبة للعصر

غير أنّ هذه المدن، بحسب أستاذ الفلسفة إسماعيل مهنانة، لم تكن ثمرة لرؤية حضارية تعطي لصفة "الجديدة" فيها معنى المواكبة للعصر، من خلال توفير الانسجام بين مضامينها البشرية، حيث تكون العلاقات الإنسانية قائمة على الإيمان بالتعدّد والاختلاف، واستحداث المرافق اللّازمة لتوفير عناصر الرّفاهية، وتطوير البنيات الاقتصادية والتّجارية والسّياحية والتّعليمية والتّكنولوجية والبنكية، لتكون التّعاملات مبرمجة وفق المعايير الدّولية، وإنما هي جديدة فقط "على مستوى تاريخ إنجازها، لتظلّ شبيهة بعشبة متطفّلة على الشّجرة الأم"، كما يقول مهنانة.

اقرأ/ي أيضًا: ما هي أذكى مدن العالم التكنولوجية؟

ويشير مهنانة إلى إحدى مفارقات الحكومة الجزائرية، وهي تخلّيها عن وزارة المدينة، بالموازاة مع إطلاقها مشروع المدن الجديدة، "ما جعل هذا المشروع مفرغًا من محتواه الحضاري والثقافي والجمالي، وبات تابعًا لوزارة السّكن، التي تتصرّف بمنطق وزارة الأشغال العمومية، إذ ينتهي دورها بمجرّد أن تسلّم المفاتيح للمواطين، الذّين يجدون أنفسهم خارج أيّ برنامج حضاري، فيحتكمون إلى أمزجتهم وخلفياتهم، حتّى بتنا نجد في المدينة الجديدة من يصطحب حيواناته إلى شرفة بيته الجديد"، يقول مهنانة.

وفي ظلّ منطق الارتجال نفسه، بادرت الحكومة في الجزائر، بمناسبة احتضانها لقمّة المدن الذّكية العالمية للاستثمار والتّكنولوجيا، مطلع شهر حزيران/يونيو الماضي، إلى إطلاق مشروع "المدينة الذّكية"، وأنشأت من أجل ذلك وكالة حملت اسم "سمارت سيتي دي زاد"، واختارت ضاحية الشّراقة في الجزائر العاصمة، لتجسيد المشروع الهادف إلى "الاعتماد على الرّقمنة والتكنولوجيات الحديثة في تسيير شؤون المكان والإنسان".

ورغم أنّ المشروع ظهر واعيًا برهاناته، من خلال الاستعانة بعشرات الخبراء الدّوليين، وعدّة مدن ذكية ومنظمات ذات صلة في العالم، منها وكالة "ناسا" الأمريكية، إلّا أنه قوبل بسخرية عارمة من طرف الجزائريين، في مجالسهم الواقعية والافتراضية.

هذه السخرية ليس من باب رفض المشروع في حدّ ذاته، فهو "مطلب شبابي وضرورة حضارية واقتصادية"، كما يقول النّاشط فارس بن عبد الرّحمن لـ"ألترا صوت"، وإنما لأنه "مشروع مفصول عن السّياق العام المبرمج على القدامة في كل القطاعات".

يشرح فارس بن عبد الرحمن فكرته: "يُفترض أن يكون مشروع المدينة الذكية تتويجًا لمحيط عام حداثي، حتى يؤتي أكله، أمّا أن يكون خطوة حداثية في مسار متخلّف، فلا يعدو أن يكون خطوة استعراضية ستفشل حين تصطدم بإكراهات الواقع".

ويضيف فارس بن عبد الرحمن: "على مستوى الولايات الـ48، ما زلنا محرومين حتى من طلب بيتزا عن طريق الإنترنت، أو إجراء فحص طبية عاجل، أو القيام بعملية بنكية، بل إنّ نظامنا البنكي لا يسمح باستقبال حوّالة فورية من الخارج أو إرسالها إليه، ثمّ إن كل تعاملاتنا التجارية والإدارية ورقية، مع الإشارة إلى أنّ بعض الدول الأفريقية أفضل منا حالًا من حيث تدفّق الإنترنت".

ويتابع: "إنّ إطلاق مشروق مدينة ذكية في ظلّ هذه الاختلالات والنقائص شبيه بإنجاز مضمار للتسلّق على الجليد في الصّحراء"، خاتمًا حديثه بالقول: "من مقتضيات المدن الذّكية احترام العقل، ونحن لم نحترم العقول حتّى على مستوى توفير المناخ المناسب لنجاح المشروع".

في السّياق ذاته، لكن بنبرة ساخرة كتب النّاشط خالد بن سكايم: "أن تكون الجزائر عاصمة ذكية، فالأمر يشبه طالبًا تحصّل على البكالوريا بثلاث نقاط وأراد أن يتخصّص في الطب، أو شخصًا على فراش الموت وهو يطلب أن يمارس الجنس. لقد تذكّرت ذلك اللّاعب السّعوديّ الذي خسر فريقه بخمسة أهداف، لكنه راح يعد مناصريه بكأس العالم".

وكتبت الجامعية وئام هنّي، إنّها احتاجت إلى أن تنسخ أوراقًا، فقصدت إدارة الجامعة لتفعل ذلك، فقيل لها إن الآلات كلّها معطّلة، "هل يجوز لبلاد هذا وضعها أن تحتفل بالمدن الذكية؟"، تقول وئام. فيما كتبت الإعلامية صورايا بوعمامة: "اجتمعت التناقضات في المدينة الذكية: أكبر جامعة للعلوم والتكنولوجيا من تصميم المهندس المعماري البرازيلي أوسكار نميار تجاور أكبر سوق فوضوي في البلاد".

وفي سياق المقارنة بين واقع المدينة الذكية في الفضاء الغربي وواقعها في السّياق الجزائري، من خلال تقنية الهولوغرام التي استعملها التلفزيون البلجيكي خلال مونديال روسيا، كتب الجامعي بشير خليل: "اللاعب في غرفة تغيير الملابس في روسيا وفي استوديو التّلفزيون في بلجيكا. عندنا لا يأتي الماء إلا كلّ ثلاثة أيّام".

تناول الجزائريون خبر إنشاء مدينة ذكية بالسخرية اللاذعة بسبب فوضى إدارة الحكومة لمشاريع المدن الجديدة

لسان حال الجزائريين أنه آن للحكومة الجزائرية أن تراعي المنطق أكثر في ما تقترحه من مشاريع، بعد أن تمخضت السّنوات الأخيرة عن جيل يملك الذكاء التكنولوجي والحسّ النّقدي. وإلّا تحوّلت مشاريعها إلى وجبة للسّخرية لدى هذا الجيل، من حيث أرادت أن تستقطبه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حافلات الجزائر.. الموت يسير على عجلات

الجزائر.. الصعود نحو الهاوية