بخلاف ما كان متوقعًا، أسفرت الجولة الثانية من انتخابات فرنسا التشريعية عن تصدر تحالف اليسار، وفشل تحالف أقصى اليمين الفرنسي في الحصول على الأغلبية التي كان ينشدها.
وأظهرت النتائج الأولية تصدر تحالف "الجبهة الشعبية الجديدة" (قوى اليسار الفرنسي) نتائج الانتخابات بحصولها على 175 إلى 205 مقاعد من أصل 577 مقعدًا، مقابل 150 إلى 180 مقعدًا لمعسكر الرئيس إيمانويل ماكرون، و115 إلى 155 لليمين المتطرف.
وبالتزامن مع إعلان هذه النتائج، أدلى الزعيم اليساري جان لوك ميلونشون بتصريحات قال فيها: "إن على الرئيس ماكرون أن يعترف بهذه الهزيمة وعلى رئيس الوزراء أن يرحل"، مضيفًا أن: "الرئيس ماكرون الذي لديه السلطة يقع على عاتقه حاليًا واجب دعوة الجبهة الشعبية لتولي السلطة"، محذرًا ماكرون من: "محاولة عرقلة مسار ما بعد الانتخابات".
ميلونشون: شعبنا أبعد حل التطرف والنتائج تشير إلى أن أقصى اليمين قد خسر، كما تشير إلى أن الناخبين الفرنسيين بهذا التصويت تفادوا أسوأ سيناريو محتمل
وقال ميلونشون إن: "اليسار بشكل متحد أظهر أنه قادر على تحمل المسؤولية ومرة أخرى أنقذنا الجمهورية"، على حد تعبيره.
وأردف ميلونشون: "تحالفنا جاهز للحكم وجبهتنا السياسية ستنفذ برنامجها بالكامل"، وتابع ملينشون: "بداية من الصيف سنبدأ بتجسيد برنامجنا المتمثل في إلغاء سن 64 للتقاعد وتسقيف الأسعار"، متعهدًا في هذا الصدد بالعمل: "على تحسين الأسعار ورفع الحد الأدنى للأجور"، مضيفًا: "وسندعو للإصلاح في كافة المجالات".
وأضاف الزعيم اليساري: "شعبنا أبعد حل التطرف والنتائج تشير إلى أن أقصى اليمين قد خسر"، معتبرًا أن الناخبين الفرنسيين قد تفادوا بهذا التصويت: "أسوأ سيناريو محتمل".
كما أعلن ميلنشون رفض تحالفه "الدخول في مفاوضات مع حزب الرئيس ماكرون لتشكيل تحالف".
بدوره، قال زعيم الحزب الاشتراكي: "لن نقبل أي خيانة لأصوات الفرنسيين والشعب قال لا لليمين المتطرف ونرفض سياسة ماكرون".
أما جون بارديلا، رئيس حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، فقال إن: "التوافقات الانتخابية وضعت فرنسا في قبضة اليسار المتطرف" حسب توصيفه.
وأضاف بارديلا: "حرمان ملايين الفرنسيين من احتياجاتهم لن يصب في مصلحة البلاد"، معتبرًا أن ما أسماه: "تحالف العار حرم الفرنسيين من سياسة إعادة التأهيل اللازمة".
كما قال بارديلا إن الرئيس ماكرون: "اختار شل مؤسساتنا، وفرض العزلة على الفرنسيين وأنا أعرف احتياجاتهم وتوقعاتهم"، وفق زعمه.
وقال بارديلا أيضًا إن ما وصفه بـ:"التحالف غير النزيه بين اليسار والماكرونيين رمى بفرنسا في أحضان أقصى اليسار"، مختتمًا: "سنكثف عملنا في المعارضة".
وأصدرت الرئاسة الفرنسية بيانًا جاء فيه: "إنّ ماكرون يحلل حاليًا آخر نتائج الانتخابات البرلمانية"، وأضاف البيان الرئاسي أن ماكرون: "تماشيًا مع التقاليد سينتظر الصورة الكاملة للبرلمان قبل اتخاذ القرارات التالية اللازمة".
وكان اليمين المتطرف الفرنسي قد حصد في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية المبكرة في فرنسا أكثر من 34% من الأصوات، وهي نتيجة ليست بعيدةً من النتيجة التي منحتها الاستطلاعات للحزب المتطرف الذي يقوده جوردان بارديلا (28 عامًا)، حيث منحته الاستطلاعات نسبة تتراوح بين 34 إلى 37% من نيات التصويت.
آمال ما بعد الدورة الأولى من الانتخابات
وتمكن اليمين المتطرف في الدورة الأولى من التفوق على تحالف اليسار أو (الجبهة الشعبية الوطنية بعضوية الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي والخضر وفرنسا الأبية)، التي حصدت ما بين 28.1. كما تفوق أيضًا على التحالف الرئاسي الذي يقوده الرئيس إيمانويل ماكرون (يتكون هذا التحالف من حزب النهضة وآفاق والحركة الديمقراطية)، إذ لم يحصل إلا على نسبة 21% من الأصوات.
وقال رئيس الوزراء الفرنسي غابرييل أتال في أول تعليق على النتائج الأولية للانتخابات التشريعية السابقة لأوانها، إنه: "يجب منع اليمين المتطرف من تحقيق أغلبية مطلقة في البرلمان وتفادي البقاء في المركز الثالث" بالنسبة لجبهة ماكرون.
وتابع قائلًا: "يجب علينا منع حصول الأسوأ وعلى المجتمع الوقوف في وجه المشاريع المظلمة للتطرف"، على حد تعبيره.
أما مارين لوبان، فعلقت على نتائج الجولة الأولى قائلة: "الديمقراطية تكلمت ووضعت التجمع الوطني في الطليعة ومحت حزب الرئيس إيمانويل ماكرون".
وأضافت: "أشكر جميع الفرنسيين الذين أظهروا رغبتهم في طي صفحة ماكرون وأتباعه"، محذرةً: "الفوز لم يتحقق بعد، بل يجب القيام بكل شيء لمنع نجاح جبهة معادية للسامية وللجمهورية"، في إشارة إلى "الجبهة الشعبية الجديدة".
وكررت لوبان دعوتها لأنصار حزبها لمنحه: "الأغلبية الساحقة في جولة الإعادة ولكي يتم تعيين جوردان بارديلًا رئيسا للحكومة المقبلة باسم مبدأ التناوب على السلطة ثم الشروع بعد ذلك في القيام بإصلاحات".
وتابعت: "أدعوكم إلى الذهاب إلى صناديق الاقتراع بكثافة في الجولة الثانية"، داعيةً أولئك: "الذين لم يصوتوا لصالح حزبها الاقتراع لصالح الحرية والأمن والوحدة".
وفي ختام كلمتها، حاولت لوبان، وبحسب وكالة الأنباء الفرنسية، طمأنة الفرنسيين بالقول: "لن يفقد أي فرنسي حقوقه. الحقوق ستكون كلها مضمونة"، منهيةً: "في 7 يوليو/تموز المقبل جندوا أنفسكم لكي يفوز الشعب. عام 2024 سيشهد ولادة الأمل".
ولم يختلف خطاب جوردان بارديلا، رئيس "التجمع الوطني" كثيرًا عن خطاب لوبان، حسب ذات المصدر، فقد شكر الفرنسيين الذين: "تنقلوا بكثافة إلى مراكز التصويت وأكدوا مرة أخرى عبر التصويت طموحهم للتغيير".
وأضاف بارديلا: "تصويت يوم الأحد المقبل سيكون تصويتًا حاسمًا في تاريخ الجمهورية الخامسة".
ووضع الشاب اليميني المتطرف الفرنسيين أمام خيارين بقوله: "إما أن تقبلوا فوز تحالف السيئين ـ يقصد بذلك الجبهة الشعبية الجديدة التي يقودها جان لوك ميلنشون ـ والتي تريد تدمير فرنسا والتلاعب بأمنها ومستقبلها، أو تصوتوا لصالح التحالف الوطني الذي يعد الحصن الوحيد الذي سيدافع عن الجمهورية وعن مؤسسات الدولة والذي سيعيد الأمن ويكبح جماح الهجرة".
وأنهى بارديلا خطابه بالقول: "أتطلع أن أكون رئيس وزراء لجميع الفرنسيين وأحترم المؤسسات والمعارضة. وسأضمن الحقوق وأدافع عن شعار الجمهورية المتمثل في الحرية والعدالة والأخوة".
فيما وجّه جان لوك ميلنشون زعيم "فرنسا الأبية" المتحالف ضمن "الجبهة الشعبية الجديدة"، انتقاده الأول لماكرون الذي كان يعتقد، حسب ميلنشون، بأن حل البرلمان سيضع الفرنسيين أمام خيارين اثنين فقط كما كان الأمر خلال الانتخابات الرئاسية، أي التصويت لتحالفه الرئاسي أو لصالح "التجمع الوطني". وتابع: "لكن الفرنسيين أحبطوا المكيدة عبر الذهاب إلى مراكز التصويت بكثافة ولقنوا درسًا كبيرًا لماكرون وللتحالف الرئاسي على حد سواء".
وخصص ميلنشون انتقاده الثاني لليمين المتطرف قائلًا للفرنسيين أنتم أمام خيارين: "إما تعميق الخلافات والانقسامات بين أفراد الشعب أو التصويت لصالح الجبهة الشعبية الجديدة التي تعد البديل الوحيد لليمين المتطرف".
وأوضح ميلنشون أن: "الأمر لا يكمن فقط في التصويت ضد حزب أو تحالف ما، بل التصويت لصالح مستقبل آخر يحترم الكرامة الإنسانية"، داعيًا الفرنسيين إلى اختيار "الجبهة الشعبية الجديدة" في الدوائر الانتخابية التي يتنافس فيها ثلاث كتل سياسية. وأنهى:" تعليماتنا واضحة: لا يجب أن نعطى صوتًا أو مقعدًا واحدًا للتجمع الوطني".
وكان من اللافت للانتباه مستوى المشاركة القياسية في الاقتراع السابق لأوانه، حيث سجل نسبة مشاركة تناهز 70%، وهي نسبة لم يجر تسجيلها منذ عقود، وبالتحديد منذ انتخابات 1978 التشريعية، باستثناء اقتراع 1986 الذي جرى وفق النظام النسبي وعلى دورة واحدة.