30-أبريل-2019

رغم فوز حزبه، وضعت نتائج الانتخابات الإسبانية رهانات صعبة على سانشيز (Getty)

استمر فرز أصوات الاقتراع التشريعي الإسباني طيلة ليلة الإثنين، 29 نيسان/أبريل، وصولًا إلى تحليل 99.9% من البيانات الانتخابية، حيث خرج الائتلاف الذي يضم كلًا من الحزب الاشتراكي الإسباني (PSOE) بقيادة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز، وحزب بوديموس بقيادة الزعيم الاشتراكي الشاب بابلو إغليسياس، فائزًا في ثالث سباق انتخابي تعرفه المملكة الأيبيرية خلال الأربع سنوات الأخيرة، بنسبة تعادل 47.1% من المقاعد المتبارى عليها وبعدد 165 نائبًا بالجمعية الوطنية من أصل 350 المطروحة للتباري.

وضعت نتائج الانتخابات الإسبانية الائتلاف اليساري على بعد 11 مقعدًا فقط من تحقيق الأغلبية المطلقة، وهو ما سيلزم رئيس الحكومة والحزب المتصدر البحث عن تحالفات أخرى إذا ما أراد تشكيل حكومة قوية

وضعت النتائج الائتلاف اليساري على بعد 11 مقعدًا فقط من تحقيق الأغلبية المطلقة، وهو ما سيلزم رئيس الحكومة والحزب المتصدر البحث عن تحالفات أخرى إذا ما أراد تشكيل حكومة قوية ومتوافق عليها. مهمة قد تبدو سهلة في سياق آخر، لضيق الفارق، لكنها تبقى الرهان الأصعب الذي على سانشيز أن يديره بحكمة، خاصة وهو مطارد من طرف الجبهة اليمينية، التي لم تكن بعيدة عن تحقيق أغلبية، فقد حصل التحالف الذي يجمع كل من حزب الشعبي وحزب VOX اليمينيين بحزب المواطنين (Ciudadanos) الوسطي، على ما مجموعه 150 متأخرًا بـ 15 مقعدًا.

اقرأ/ي أيضًا: هل تعود روح الدكتاتور فرانكو الفاشية "المتدينة" إلى إسبانيا؟

في تفاصيل النتائج وبلغة الأرقام، تصدر الحزب الاشتراكي المركز الأول حاصدًا 29% من الأصوات و123 مقعدًا من أصل 350 المطروحة للتنافس الانتخابي، متجاوزًا بذلك النتائج التي حققها في الاستحقاقات السابقة بـ 37 مقعدًا. يليه حزب الشعب اليميني والذي اعتبر أكبر الخاسرين في هذه المحطة، حيث تراجعت تمثيليته في البرلمان إلى 69 نائبًا بتحصيله 16.7% من الأصوات. وفي المركز الثالث حل حزب المواطنين، الذي يصنف نظريًا كحزب وسط لكنه يميل إلى اليمين في معظم سياساته على الأرض، محصلًا 57 مقعدًا ومستحوذًا على 15.9% من الأصوات، محدثًا تفوقًا يقدر بـ 25 مقعدًا على ما حققه في الانتخابات السابقة.

أما بالنسبة لحزب بوديموس فقد حل رابعًا بـ 42 نائبًا، في سقوط مخيب بـ 29 مقعدًا عن نتائجه السابقة، غير أن ما يحيي آماله وآمال اليسار الإسباني هو تحالفه مع الحزب المتصدر، وبذلك فقد حافظ على حظوظه بالتواجد في الحكومة القادمة. بينما كانت المفاجأة الأبرز في ما حققه حزب VOX بحلوله خامسًا بـ 24 مقعدًا محصلًا على 10.3% من الأصوات، في أول دخول له للبرلمان وأول تواجد لهكذا حزب؛ يميني شعبوي متطرف، في المجلس التشريعي الإسباني منذ سقوط ديكتاتورية فرانكو.

احتفالات للنصر وأخرى للخسارة

اجتمع أنصار وقواعد الحزب الاشتراكي بمقره بمدريد متلحفين بأعلام الحزب، ومهللين بما قدمه وقدموه من وفاء لزعيمهم خلال الاستحقاقات الانتخابية. هكذا كانت صور الاحتفالات بنصر اقتضب رئيس الحزب  بيدرو سانشيز وصفه بأنه "المستقبل قد انتصر!". سانشيز الذي أكد في خطابه ليلتها على التزامه بتنفيذ برنامجه الإنتخابي، كما أكد سعيه إلى تشكيل حكومة موالية لأوروبا، معتبرًا أن الشرط الوحيد لتشكيل الحكومة يتمثل في احترام الدستور وتعزيز العدالة الاجتماعية.

أما نظيره في الائتلاف اليساري بابلو إغليسياس، رئيس حزب بوديموس، فلم يتقبل ثقل خسارة الـ 29 مقعدًا، رغم كون مشاركته في الحكومة مضمونة. هكذا عبر إغليسياس في خطابه، قائلًا "كنا نتمنى أن تكون النتائج أفضل، ولكن يكفي أننا استطعنا أن نحقق هدفينا الأساسيين؛ الأول هو أن نكبح تقدم اليمين واليمين المتطرف، والثاني هو أن نبني حكومة ائتلاف بين مكونات اليسار".

كما لم يخلُ الجانب الآخر من أفراح بالنجاح الذي حققه حزب فوكس. والذي قضى زعيمه سانتياغو أباسكال ليلة مبهجة رفقة قواعده، بعد أن دخل أول مرة لقبة البرلمان بفريق متكامل من 24 نائبًا. غير أن هذه الفرحة لم تكتمل، بعد أن فشلت الجبهة اليمينية في تحقيق الأغلبية بالهزيمة التي مني بها حزب الشعب. من هذه النقطة حمل أباسكال حزبه السابق (حزب الشعب) ومعه حزب المواطنين (Ciudadanos) تقسيم الجبهة اليمينية، وكذا صعود ما أسماه الديكتاتورية التقدمية، مرجعًا هذا التقسيم لعدم الثقة والخوف الذي شاب طرفي الائتلاف اليميني اتجاه الحزب الذي يترأسه.

رهانات بيدرو سانشيز الخطيرة

"في الأيام القادمة سنفتح باب الحوار مع الفرقاء المحتملين لتشكيل الحكومة"، هكذا أعلن بيدرو سانشيز، رئيس الحزب الفائز بالانتخابات، عن بداية مسيرة من المشاورات السياسية لتشكيل الأغلبية التي ستحكم. تزامن هذا مع تعالي صيحات الجماهير من مناضلي حزبه: "مع ريفيرا لا!"، في دلالة لرفضها أي تحالف مع حزب المواطنين بقيادة آلبير ريفيرا، وهو ما يضع رئيس الحكومة الجديد القديم، خاصة وهو الناجي بقوة الصندوق من أزمة سياسية عصفت بحكومته السابقة، أمام رهانات الفرصة الثانية التي لا يجب أن تكرر أخطاء الماضي القريب. ولذلك فإن خياراته كما تطرحها الصحافة الإسبانية تتلخص في سيناريوهين أحلاهما مر.

  • التحالف مع حزب المواطنين

صحيح أن التحالف مع حزب آلبير ريفيرا مغرٍ جدًا من موقع الحزب الاشتراكي، والائتلاف اليساري عمومًا، بحيث ينأى به عن كل الحسابات بتحقيق أغلبية أكبر من المطلقة بثلاث مقاعد. وهو وضع عددي مريح لحكومة ناجية من الإطاحة، لكنه من ناحية أخرى خيار صعب يدفع بيدرو سانشيز ضد إرادة قواعده الحزبية، التي ترفض بحدة هذا التحالف. وحتى إن تجاهل هذه المطالب، فقد يجر على نفسه أزمة كالتي أفلت منها؛ انقسام القواعد حول الحكومة من جهة، وانقسام الحكومة ذاتها من حيث لا ثقة في حزب المواطنين أن يكونوا جزءًا من ائتلاف يساري بميولهم اليميني.

في المقابل، يقوم احتمال آخر مهم بدوره، هو رفض التحالف الذي قد يأتي من الحزب الآخر، أي حزب المواطنين، خاصة بعد تصريحات رئيسه خلال الحملة الانتخابية، أنه "مستحيل على الحزب أن يدخل في تحالف حكومي لتشكيل حكومة يسارية!".

  • مع أو من دون الأحزاب الانفصالية

يبقى هناك خيار آخر لبيدرو سانشيز، وهو خيار يقوي كذلك التحالف اليساري المسبق مع بوديموس، أي وضع اليد في اليد مع الأحزاب الاستقلالية. هذه الأحزاب التي خرجت بمقاعد قليلة، لكن إذا ما اجتمعت تكون كافية لتحقيق التوافق المأمول لتشكيل حكومة. بـ 15 مقعدًا للحزب الجمهوري اليساري الكتالوني (ERC) و7 لحزب جميعًا من أجل كتالونيا، وحزب الباسك الوطني بـ 6 مقاعد، والحزب اليساري الباسكي بـ 4 إضافة إلى مقعدي حزب ائتلاف جزر الكاناري ومقعد حزب التراضي الفالنسي، يصير المجموع حكومة بقوة 199 مقعدًا!.

لكنها ومن ناحية أخرى تبقى حكومة أقليات مفككة من الصعب التوفيق بين كافة مكوناتها. ناهيك عن موقف الحزب الاشتراكي الواضح من الانفصاليين، والذي عبر عنه سانشيز إثر حملته في برشلونة: "لا استفتاء ولا انفصال!". بالرغم من أن هذه الأحزاب التقت في أكثر من مرة مع إرادة الحزب الاشتراكي، كان أبرزها الاجتماع على سحب الثقة من حكومة ماريانو راخوي اليمينية.

إمكانية العصى في العجلة

تفتح رهانات بيدرو سانشيز الصعبة مجالًا أمام المعارضة اليمينية لتشكيل كتلة ضاغطة على الحكومة، وربما عرقلة تشكيلها. هذا رهين كذلك بمدى ائتلاف اليمين، الذي تتآكله النزاعات الداخلية أيضًا، والتي سببتها نتائج الانتخابات من جهة، ومن جهة أخرى وضعية VOX كوافد جديد له رهاناته الخاصة لإكمال بناء قوة قد تصير في المستقبل رئيسية تحت قبة البرلمان الإسباني.

فمن جهته أرجع بابلو كاسادو النتائج المخيبة للآمال لحزبه، حزب الشعب، إلى تفريق الأصوات بين مكونين يمينيين، والمقصود هنا الوافد الجديد VOX. هكذا أعلن هذا الأخير حرب تراشق بتحميل المسؤولية، لم يبقى سانتياغو أباسكال صامتًا حيالها، وربما كان سباقًا في القول: "أريد أن أطلق صافرات إنذار في وجه أولئك الذين يريدون أن يحملوننا عجزهم وقلة حيلتهم وعدم تحملهم للمسؤولية وخداعهم وخيانتهم ومخاوفهم لنا". مضيفًا لتبيين طموحه: أصدقائي الأعزاء هذه فقط البداية، قلنا لكم أننا بدأنا معركة ريكونكيستا (مستعيرًا المصطلح التاريخي للحملات الإسبانية على أراضي الأندلس) الآن لنا صوت في مجلس النواب ويمكننا أن نقول بكل وضوح، ولكل إسبانيا، أننا جئنا لنبقى!". خاتمًا خطابه بشكلٍ ملحمي، وبشعار "أهلا بكم في الـ ريكونكيستا! أهلا بكم في المقاومة! تحيا إسبانيا!".

اقرأ/ي أيضًا: هل تحكم الشعبوية المجتمع الغربي؟

روح الحماسة العدوانية هذه والعنفوان الشعبوي للدخول في مواجهات، مهما أعطت من انطباع لطموح زعيم حزب VOX، إلا أنه في حقيقة الأمر يبقى موقفًا ضعيفًا إذا ما اختار الانعزال لوحده، أي دون الدخول في تحالفات، وقد يدفع به هذا الاختيار إلى الرجوع إلى الهامش، وفي وقت يصول فيه اليسار صولاته، لا مصلحة له في خلق عدو بحجم حزب الشعب العريق.

تفتح رهانات بيدرو سانشيز الصعبة مجالًا أمام المعارضة اليمينية لتشكيل كتلة ضاغطة على الحكومة، وربما عرقلة تشكيلها. هذا رهين كذلك بمدى ائتلاف اليمين، الذي تتآكله النزاعات الداخلية أيضًا

وحزب الشعب بدوره إن اختار مقاطعة VOX، قد يجر عليه الأمر ضعفًا داخل البرلمان، لا يمكن لأي تحالف آخر تعويضه. مع التذكير بأن التحالف مع حزب المواطنين وحده، الذي ما زال رهن التسابق بينه وبين الائتلاف اليساري، لا يكفي لتحقيق قوة ضاغطة، إذ لا يمكن أن يوفر إلا 123 مقعدًا بعيدين كل البعد عن الأغلبية المطلقة. وهو ما يرمي الكرة مجددًا في ملعب بيدرو سانشيز، معسرًا عليه رهاناته أكثر، فالأمر أمامه واضح: أن يحقق تحالفات الأغلبية المطلقة، أو على الأقل المحافظة على علاقاته السياسية سليمة دون دفعها يمينًا مما قد يهدد تشكيل الحكومة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الديمقراطية.. على حافة الهاوية

أوروبا واليمين.. عصر الظّلام المُقبل