10-أبريل-2017

مخيم لللاجئين السوريين قرب ضبية شمال بيروت (باتريك باز/أ.ف.ب)

"لم يكن متوقعًا أن تطول التغريبة إلى هذا الحدّ"، يقول أحد النازحين السوريين في لبنان. مرّ العام الأوّل فالثاني، وكرّت السبحة، وما زالت تكرّ. إلى متى السؤال لغير الله مذلّة؟ فالمطالبة بالطعام والشراب والخدمات الصحية وبعمل يُبعد الملل والحاجة والرذيلة، ستأتي بإجابات بـ"القطّارة".

مشهدية العوز بالصوت والصورة تصبح أكثر إيلامًا في مخيمات اللجوء، حيث يئن الحرمان بعيدًا من أعين الناس

"لكنني أرى أولادي يولدون هنا كل يوم من جديد"، يُخبر السوري الذي كان قد ترك الغوطة مع عسكرة الثورة بفرح ورضى لخروجه من بلده، لاسيّما عندما يُشاهد المجازر التي ترُتكب بحق الطفولة والإنسانية، وليس آخرها في خان شيخون. فقد فرّ قبل سنوات حاملًا معه زوجته وأولاده الأربعة، وتباعًا لحق به عدد من إخوته، فاستقروا في بيت ذي طبقتين بإحدى القرى. وهناك تكاثرت العائلات، حتى غدا البيت أشبه بحيٍّ كاملٍ يضجّ بالحياة المعوزة.

مشهدية العوز بالصوت والصورة تصبح أكثر إيلامًا في المخيمات، حيث يئن الحرمان بعيدًا عن أعين الناس، في صمت البراري، وفضاء مفتوح بين الأرض والسماء لا سامع فيه للمناجاة إلا الله.

يستضيف لبنان العدد الأكبر من اللاجئين السوريين، والذي يقارب عددهم المليونين، أي ما يقرب نصف عدد مواطنيه، تتقاسم مدنه وقراه بناها التحتية مع النازحين، ويتشاطر كثير من عائلاته خبزهم مع جيرانهم السوريين. ورغم أن أجواء التآخي والاحتضان التي سارع قطاع من اللبنانيين إلى بثّها عند استقبال اللاجئين، ما تزال سارية المفعول على مختلف الأراضي اللبنانية، إلا أن تواجد اللاجئين في لبنان وظروفهم، التي كانت دفعت الكثيرين منهم إلى ركوب البحر نحو المجهول، بات اليوم إلى جانب الأوضاع الإنسانية الصعبة، رهن التصريحات التي تُدرج في خانة العنصرية والتي تُطلق سهامها في وجه من لم يتركوا أرضهم إلّا مكرهين ولو وجدوا السبيل الآمن إليها لما ضلّوها أبدًا.

اقرأ/ي أيضًا: اللاجئون السوريون في البازار اللبناني

ربما يصعب تأمين حاجات المجتمعيْن اللاجئ والمضيف، في بلد محدود الإمكانيات المالية وضعيف البنية الاقتصادية أصلًا، ولذا سارعت الحكومات اللبنانية المتعاقبة إلى طلب الدعم من المجتمع الدولي، لمساعدة لبنان على تحمّل أعباء النزوح، فعُقدت في هذا الإطار مؤتمرات عدّة، وكانت مؤخرًَا المشاركة اللبنانية في مؤتمر بروكسل حول مستقبل سوريا والمنطقة، والذي أتى بُعيْد تلمّس الدول الأوروبية نفسها مأساة اللجوء مما حملته أمواج البحار إليها، ورغبةً منها في منع تدفق المزيد من اللاجئين عبر "تثبيتهم" في أماكن لجوئهم خصوصاً في لبنان والأردن وتركيا.

فإن ضمان استمرارية الأمن الاجتماعي بما يعنيه من شعور بالأمن والأمان والتعايش بين مختلف فئات المجتمع بمن فيهم السوريين، سيحتاج علاوةً على تأمين المساعدات المالية والعينية وتوفير فرص العمل عبر تنفيذ المشاريع والاستثمارات أي الحلول طويلة الأمد، إلى مراجعة التصريحات ووقف التحريض والتعاطي بإنسانية أولاً ثم بعقلانية مع من كانوا ضحايا الظلم والإجرام وهُجّروا من بلادهم تحت وطأة القصف والعدوان.

عنصرية جبران باسيل.. من لبنان إلى أستراليا

وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل لم يكتفِ بإشاعة الخوف من توطين النازحين السوريين في لبنان في الأوساط اللبنانية المحلية بخاصة المسيحية، بل حملها إلى أستراليا خلال زيارته مؤخرًا إليها. ففي لقاء مع الجالية في ملبورن رأى أن "كل مخيم عشوائي للنازحين السوريين في لبنان، إن كان مُنظمًا أم لا، قد يتحول مع الوقت إلى مية ومية ثانية -أحد مخيمات البؤس الفلسطيني في لبنان-، ويصبح لدينا مئات الآلاف من اللبنانيين الذين سيهجرون لبنان، ولن تذهب فقط أرضهم بل عملهم ورزقهم وحياتهم، ما يضطرهم لترك لبنان بعد خسارتهم كل شيء". مستنتجًا على وقع صخب المعارك في سوريا وتردي أوضاع اللاجئين في لبنان، أنّه "لا حل للأزمة في سوريا إلا بعودة السوريين أولًا إلى أرضهم، ومن دونه سنخسر لبنان مرة ثانية".

ضمان استمرارية الأمن الاجتماعي في لبنان يحتاج إلى وقف التحريض والتعامل بإنسانية مع ضحايا الظلم

ليست تصريحات جبران باسيل التي وُصفت بالعنصرية الأولى في بثّ "فوبيا" اللاجئ باعتباره خطرًا على اللبنانيين، فهو يواظب على إطلاق مواقف متطرفة في هذا الإطار منذ سنوات النزوح الأولى، وصلت إلى التهويل بأن "النزوح السوري يشكل خطرًا على لبنان أكبر من خطر الارهاب".

أيُ أفق للأوضاع في لبنان، مع النقص الكبير في الدراسات العلمية والعملية والإحصاءات الدقيقة للجوء السوري فيه، ومع الاستجابة الخجولة لكل المؤتمرات التي تُعقد لتأمين الدعم للدول المضيفة للاجئين السوريين، ومع استمرار التهويل من الوجود السوري "الإنساني" الطالب للأمان؟ لعل الإجابة أيضاً تُلمّح إليها الظروف بـ "القطارة"، والخوف الحقيقي هو من المجهول. 

 

اقرأ/ي أيضًا: 

لبنان: "جدار العار" يشعل جبهات الـ"سوشيال ميديا"
تفجيرات القاع.. تطرح أسئلة جديدة على اللبنانيين