02-يونيو-2017

رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو (نيكولاس كام/ أ.ف.ب)

نشرت صحيفة لوموند الفرنسية، مقالًا تناولت فيه بالتحليل، السياسة التواصلية لجاستن ترودو رئيس الوزراء الكندي، تحت عنوان "ترودو.. أو فن البروباغندا المثيرة"، مُشيرةً في بداية مقالها للقاءٍ جمع ترودو بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ضمن أعمال قمة الشبع الكبار التي انعتقدت في مدينة تاورمينا الإيطالية. 

ووصفت الصحيفة اللقاء بـ"لقاء اكتشاف صداقة جديدة تحت شمس صقلّية"، حيث أثارت صورة "الأخوة الرومانسية - bromance"، مواقع التواصل الاجتماعي، وبدورها سارعت الفرق الخاصّة للرجلين بنشر الصور ومقاطع الفيديو لهذا اللقاء على حساباتهما الرسمية.

رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على هامش قمة السبع الكبار (ستيفان دي ساكوتين/ أ.ف.ب)
رئيس الوزراء الكندي والرئيس الفرنسي على هامش قمة السبع الكبار (ستيفان دي ساكوتين/ أ.ف.ب)

وأشارت الصحيفة إلى أنّ طريقة عرض الصور الرسمية في التغطيات الإعلامية وكيفية نشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هي سمة للقادة الحاليين في العالم، على غرار باراك أوباما الذي نشر صورة له وهو يسبح في هاواي، وفلاديمير بوتين الذي يُظهر فحولته بركوبه للخيل في سيبيريا، ويضاف إليهما إيمانويل ماكرون الذي اتخذ لنفسه مصوًرا رسميًا. ولكن، يظلّ دائما جاستين ترودو هو الأكثر تميزًا بينهم.

استراتيجية اتصال 2.0

خلال حملته الانتخابية سنة 2015، ظهر جاستن ترودو في وسائل الاعلام في صور سيلفي أكثر منها في صُوَر رسمية، حيث تتوجه سياسته الاتصالية مباشرة صوب مواقع التواصل الاجتماعي، أي لشريحة الناخبين من الشباب.

السياسة الترويجية التي يلعب عليها ترودو قد تخفي في حقيقتها خللًا في المضمون، بخاصة وأنه لم يتقدم كفاية في تنفيذ ما قد وعد به

ويمكن أن تتلخص ولاية ترودو في بعض الصور الدقيقة التي يلتقطها مصوّره الخاّص، والصور الملتقاة على حين غُرّة، التي تنشرها الصحف أو حساباته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي.

اقرأ/ي أيضًا: ثديا الإنسانية المترهلان

ونجد في هذه المواقع، تغريدات مختصرة وثنائية اللغة على حساب تويتر الذي يضمّ ثلاثة ملايين مشترك، وصورًا ومقاطع فيديو ثنائية اللغة على حساب فيسبوك الذي يضمّ أربعة ملايين معجب، إضافة لصور حميمية وعائلية على حساب إنستغرام.

فنجد جاستن ترودو يلعب مع الباندا، أو يستقبل أولى اللاجئين من إجمالي 25 ألف لاجئ سوري كان قد وعد باستقبالهم. كما يُمكن أن تجد ترودو يحل ضيفًا بطريقة مفاجئة على حفل زفاف، أو صور له وهو يلعب مع ابنه.

غير أن هذه السياسة الاتصالية المسيطرة على المشهد، والتي يبدو أنها محسوبة بدقة، قد تخفي في الحقيقة خللًا على مستوى المضمون. بظهوره كنسوي ومتعدد الثقافات وسلمي وتقدّمي، فإنه يجب كذلك على ترودو، وبعد سنتين من بدء ولايته، أن يتقدّم في حلّ الملفات الحساسة كما وعد سابقًا، على غرار حماية البيئة والملفات الاقتصادية والاجتماعية وقضية الشعوب الأصلية.

الصورة والمشاعر

لا يأخذ ناخبو جاستن ترودو سياسته الاتصالية بطريقة صارمة، حيث يكشف فريديرك باولي، وهو أستاذ العلوم السياسية في جامعة البرتا الكندية، عن أنّه "لا يتعامل الكنديون مع استعمال ترودو لصورته على أنه انعكاس لأنا متضخمة كما هي الحال عند ترامب، ولكن باعتبارها وسيلة طبيعية للتعبير عن وجهات نظر حزبه السياسي".

وقد استعمل رئيس الوزراء المحافظ الذي سبقه، وهو ستيفن هاربر، هذه الطريقة، ولكنه لم ينجح، وذلك ببساطة لأنه لم يكن يتمتع بالكاريزما، فيما جعل ترودو من "سحره" قوته الأولى. وفي هذا الصدد يقول مارك شوفريي، وهو بروفيسور في العلوم السياسية في جامعة مونتريال، إنّ ترودو أصبح "أستاذًا في فن البرواغندا المثيرة، حيث تدل الطريقة الطاغية في استعراض ملامح وجهه، على غياب الحياء تجاه النفس، كما تدل على الرغبة في إغواء الآخرين".

وصف كاتب بصحيفة الجارديان البريطانية، رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو بأنه "بمثابة كلب على يوتيوب"!

مجددًا يتحدث الأكاديمي الكندي فريديرك باولي، مفسرًا استخدام ترودو المكثف للصورة بأنه محاولة لإخفاء "مواهبه الخطابية التي لا زالت متواضعة"، ويقصد أنّ "الترويج للصورة يهدف لإخفاء العجز".

في المقابل وفي تفسير للسياسة الاتصالية لجاستن ترودو، يرى الصحفي جيس براون، في افتتاحية بصحيفة الجارديان البريطانية في تشرين الأوّل/أكتوبر 2016، أنّ رئيس الوزراء الكندي يلعب دور "الحصن المنيع" في مواجهة الأخبار السيئة التي تعترض الحياة اليومية للكنديين، فهو بمثابة "فيديو لكلب على اليوتيوب"، بتعبير الكاتب.

عن الوعود غير المحققة

أما فيما يتجاوز حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، فيمكن القول إن ولاية جاستن ترودو ليست في أحسن حالاتها، إذ لا تزال هناك العقبات السياسية والتنازلات والوعود غير المحققة، بعيدًا عن الصور والتغريدات الجميلة:

  • سياسة بيئية تتعارض مع الوقائع

إحدى الوعود الانتخابية لجاستن ترودو هي إرساء سياسية بيئية حقيقية في البلاد، بخاصة وأن كندا بلد منتج للنفط. وخلال قمة باريس للمناخ سنة 2015، وعد ترودو أمام نظرائه من قادة العالم، بأنه سيكافح لمواجهة الاحتباس الحراري، غير أنه في الواقع لم يطوّر الأهداف المتواضعة لتخفيض الانبعاثات والتي حددتها الحكومة السابقة له، بل إنه وافق على المشروع المثير للجدل "اليوديك"، والذي ينقل المحروقات بين مقاطعة البرتا والولايات المتحدة.

  • بيع السيارات العسكرية المصفحة للسعودية

رغم انتقادات جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان لهذه الصفقة الموقعة منذ عام 2014، والمقدرة بـ15 مليار دولار، إلا أنّ ترودو حافظ على إتمامها بحجة أن كندا "تحترم التزاماتها". وفي هذا الصدد يُذكر أن كندا انتقلت من المرتبة السادسة عام 2014 إلى المرتبة الثانية عام 2015 في تصدير السلاح للشرق الأوسط.

تقلصت شعبية جاستن ترودو في آخر استطلاعات الرأي، وصولًا إلى 48% فقط من التأييد، وهي أقل نسبة يحصل عليها منذ انتخابه

  • تعديل النظام الانتخابي

أما تعديل النظام الانتخابي فهو واحد من أهم وعود جاستن ترودو، ورغم أنّ حكومته أنفقت ملايين الدولارات لإجراء دراسات استشارية لبحث وسائل وأدوات تغيير النظام الانتخابي، إلا أنها غير قادرة إلى الآن على تحقيقه، وقد صرّح ترودو بذلك، بحجة عدم الوصول إلى توافق بخصوصه.

اقرأ/ي أيضًا: جاستن ترودو.. "ميركل" جديدة؟

بالإضافة لذلك تقلّصت شعبية جاستن ترودو في استطلاعات الرأي، وصولًا إلى 48% من التأييد، وهي النسبة الأقل التي يحصل عليها ترودو منذ انتخابه. يُضاف إلى ذلك ما أسماه الأكاديمي الكندي فريدريك باولي، بـ"انتهاء شهر العسل بين ترودو وكندا". 

ويُرجع فريدريك باولي ذلك إلى أنّ الفراغ الانتخابي الذي استغله منذ انتخابه، في طور التقلص، فالحزب المحافظ المنافس انتخب زعيمًا جديدًا ليقود المعارضة، وهو أندريو شير يبلغ، البالغ من العمر 38 سنة وهو يصغر ترودو بسبع سنوات، وإن كان زعيم المعارضة الجديد ما يزال متأخرًا عنه في مسألة استعمال وسائل الاتصال الحديثة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد سوريا والعراق.. مصر على لوائح اللجوء إلى كندا

ماكرون.. الدخيل الفرنسي الذي سوف يصبح رئيسًا