07-يناير-2016

فلسطينيون ينتظرون الدخول لمصر من غزة عن طريق معبر رفح (Getty)

أظهرت لقطات فيديو بثتها وسائل إعلامٍ عربية، الجمعة 26 كانون الأول/ديسمبر 2015، قتل جنود مصريين لشابٍ فلسطيني يعاني اضطرابات نفسية وعقلية، بعد تجاوزه الحدود البحرية الفلسطينية المصرية بأمتار قليلة غرب مدينة رفح.

هذا ما تناقلته وكالات الأنباء والأخبار عن حادث مقتل الشاب الفلسطيني على الحدود المصرية-الفلسطينية البحرية قبل أسبوعين، وفي خلفية الخبر السابق نبحث، ماذا يحدث هنا وهناك؟ ما هي الحالة التي أوصلت الجنود المصريين إلى حد إطلاق النار على شاب فلسطيني عارٍ تمامًا، أُشير إليهم أنه "مجنون".

ما صدره الإعلام المصري أن ما يقوم به النظام ضد الفلسطينيين مؤيد شعبيًا، يدفع الفلسطينيين للنقمة على الصامتين أكثر من المؤيدين لهذا المنهج

ففي الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، نقلت وكالة فرانس برس للأنباء عن المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، أن صيادًا فلسطينيًا يبلغ من العُمر ثمانية عشر عامًا، قتل برصاص الجيش المصري في عرض البحر قرب شواطئ رفح الحدودية بين قطاع غزة ومصر.

وزارة الداخلية في قطاع غزة، اتهمت الجيش المصري أنه أطلق النار بشكل متعمد وغير مبرر على الصياد أثناء قيامه بالصيد داخل المياه الفلسطينية والتي لم يتجاوز حدودها.

هذه الحادثة لم يُسلّط الضوء عليها "إعلاميًا" وقت حدوثها، وهذا ما أرجعه باحثون إعلاميون إلى عدم توافر أي صورٍ لها. إذن، فالصورة هي التي أحدثت هذا التباين بين الواقعتين.

بينما في آيار/مايو عام 2010 ذكرت الإذاعة الإسرائيلية أن السلطات المصرية أعادت، إلى إسرائيل عن طريق معبر طابا الحدودي رجلًا إسرائيليًا فى الرابعة والأربعين من العمر، قالت إنه مختل عقليًا اجتاز الحدود بين البلدين سباحة، موضحةً أنه من سكان "إيلات" وسبق واجتاز الحدود قبل ذلك.

قبل ذلك أيضًا نهاية عام 2008، اقتحم مئات الفلسطينيين معبر رفح بعد إعلان الجيش الإسرائيلي أن مقاتلاته قصفت نحو أربعين نفقًا للتهريب في منطقة رفح على الحدود المصرية مع قطاع غزة. حينها، الشرطة المصرية أطلقت النار في الهواء، فقط. 

حدث هذا بعد تشديد الكيان الصهيوني الحصار على القطاع، ومنع دخول المحروقات والكهرباء والكثير من السلع، من بينها الخل والبسكويت والدواجن واللحوم ومنع الصيد في عمق البحر.

في أبعاد هذه الأحداث، نحاول فهم ماحدث من تغييرٍ للعقيدة القتالية للجيش المصري، وما حدث للعقل الجمعي للشعب، من عمليات غسل مخ -بحسب نشطاء- جعلتهم يصطفون مع العدو في وجه الصديق، حتى وإن كان دون قصد.

الإعلام آفة الشعوب

خونة، عملاء، صهاينة، فئران في بعض الأحيان وصراصير في أحيان أخرى، بهذه الكلمات، يتحدث الإعلام المصري بعد انقلاب تموز/يوليو 2013، عن الشعب الفلسطيني، مُحدِثًا فُرقةً بين الشعبين، كما لم يحدث من قبل.

الإعلام هو السبب، يتحدث الصحفي الفلسطيني معاذ العمور، ويصف سبب الشرخ الاجتماعي، الذي حدث بين الشعبين الفلسطيني والمصري، هو يرى أن آلة التحريض الإعلامية ضد الفلسطينيين بدأت من الادعاء بتهريب البترول المصري والكهرباء والمواد الغذائية إلى غزة، إبان حكم الرئيس محمد مرسي، حتى وصلت إلى حد وصف تظاهرات مؤيدي مرسي بعد الانقلاب، بأن من يقودها هم فلسطينيون، ومن يقوم بما يوصف بعمليات التخريب هم حمساويون جلبهم الإخوان لزعزعة الأمن المصري.

أما النخبة المصرية، فقد تولّت عملية تحليل هذه الادعاءات والبرهنة عليها بما هو مخالف للواقع، ما ساعد في كره الشعب المصري للمقاومة خصوصًا، وللفلسطينيين عمومًا، نمى ذلك، وبحسب معاذ في ظل جهل الشعب المصري بما يُخطط ويدار بمنهجية في هذا الصدد، واستقاء الشعب أيضًا معلوماته من مصادر غير صادقة.

في زمن مبارك، لم يكن يخرج علينا الإعلام يلعن أهل غزة على النحو القائم الآن، وكانت الفضائيات منبرًا للدفاع عن الفلسطينيين، وكانت النخبة المصرية تدافع عنا في الفضائيات، يقول معاذ، ويقارن بالمثال بين موقف السياسي البارز حمدين صباحي سابقًا، وموقفه الآن.

ويرى معاذ، أن ما يتابعه على مواقع التواصل الإعلامي، من هجوم على الفلسطينيين، هو خير دليل على أن الشعب المصري تغيرت قناعاته تجاه القضية الفلسطينية، وحصرها في حماس والقسام، الذين هم جزء من الشعب بالأساس.

على المستوى الشعبي الفلسطيني، فإن ما صدّره الإعلام المصري، أن ما يقوم به النظام هو بتأييد المصريين وبإجماعهم، يدفع الفلسطينيين للنقمة على الصامتين أكثر من المؤيدين لهذا المنهج.

"عنّا بنقول الشعب المصري النضيف مات والعاطل منه ضَل"، يحكي معاذ عن أحاديث الفلسطينيين عن المصريين الآن.

وبحسب دراسة لمركز "وعي للحقوق الاجتماعية والسياسة" عن تأثير وسائل الإعلام على الفرد والمجتمع، فإن الوجه القميء والتأثير الفاسد لوسائل الإعلام يظهر عندما يسيطر عليها النظام السياسي أو المقربون من السلطة من أصحاب النفوذ أو سيطرة رأس المال الأمر الذى يجعل الجهاز الإعلامى أداة لبث رسائل إعلامية بغرض حشد الرأي العام لصالح القضايا التى يتبناها النظام السياسي وأصحاب النفوذ ورأس المال.

الأذرع الإعلامية

بحسب تسريبات، أذاعتها وسائل مناهضة للنظام المصري، أظهرت مدى علاقة الجيش بوسائل الإعلام والسعي الدؤوب لعبد الفتاح السيسي (وزير الدفاع وقتها) لتكوين "أذرع إعلامية" تتبنى وجهة نظر الجيش، وتتحدث بها، في ظل الانفتاح الذي حدث بعد الثورة، وتعالي أصوات محاسبة الجيش، والاطلاع على مصادر أمواله، وميزانيته ومحاسبة قياداته على مصارف هذه الأموال.

حصر الإعلام المصري الشعب الفلسطيني في غزة، وحصر غزة في حماس، ثم حماس هي الإخوان، والإخوان هم أعداء الوطن، فتصبح فلسطين عدوة للوطن

تسريباتٌ أخرى، أُذيعت بعد تولي السيسي رئاسة الجمهورية، كانت لمدير مكتبه، اللواء عباس كامل، أظهرت التسريبات، التبعية الواضحة لكثير من الإعلاميين للأجهزة الأمنية، التسريبات ذُكر فيها أسماء إعلاميين بعينهم يتم توجيههم من قِبل المتحدث العسكري للحديث ولتناول معين للأحداث.

وبمراجعة تواريخ هذه الأحداث، والبرامج والمذيعين الذين ذكروا في التسجيلات، تبيّن أن الإعلاميين الوارد أسمائهم، لم يخرجوا عن النص، ولا عن الألفاظ التي تم توجيهها لهم.

مصادر، عملت في مدينة الإنتاج الإعلامي، ضمن إحدى القنوات المصرية الشهيرة، أكّدت أنه في الأحداث المهمة كان يصلهم "منشور" الشؤون المعنوية الموجه للقنوات، ويتم توزيعه على منتجي برامج التوك شو الرئيسية في هذه القنوات.

وسائل الإعلام هذه، تِلك التي روّجت الدعاية المضادة، فحصرت الشعب الفلسطيني كله في غزة، وحصرت غزة بالكامل في حماس، ثم إن حماس هي الإخوان، والإخوان هم أعداء الوطن والشعب، فتصبح فلسطين عدوةً للوطن والشعب.

لا يدير الجيش عقول مجنديه من خلال الإعلام السياسي فقط، فهناك من لا يحركهم سوى الدين

دفاتر الدولة القديمة، أيضًا ساعدت الإعلام في مهمته، فحماس هي المتهم الأول باختراق الحدود إبان ثورة يناير، ووصلت حتى عمق البلاد، وفتحت السجون وهرّبت الإخوان، أعداء الوطن والشعب.

الشؤون المعنوية

إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة هي إحدى إدارات وزارة الدفاع المصرية وهي مصدر النشرات والمجلات العسكرية التي توزع على العسكريين وتعتبر الواجهة الإعلامية للقوات المسلحة والتي يصدر عنها أي خبر رسمي يتعلق بها.

مهام هذه الإدارة تتمثل في عقد الندوات "التثقيفية والعلمية" لضباط وأفراد القوات المسلحة، وبث الثقة في المؤسسة العسكرية، وتحفيز المواطنين على المشاركة في المهام والواجبات الوطنية.

ويتبع الشؤون المعنوية مركزان أساسيان، هما مركز الإعلام العسكري المتطور ومركز الشؤون النفسية، الأخير أسسته القوات المسلحة عام 2000 وافتتحه مبارك في أكتوبر من نفس العام، ويختص -حسب البيانات الرسمية- بالشؤون النفسية للقوات المسلحة، والتأمين النفسي لأفراد القوات المسلحة والمساعدة في تنمية المهارات، وإجراء الدراسات على العوامل المؤثرة في اتخاذ القرار، جريدة الأهرام -شبه رسمية- نشرت في التاسع من نفس الشهر تقريرًا قالت فيه إن المركز هو إحدى الجهات البحثية المنفردة ذات الطبيعة الخاصة ويتولى تنظيم وإدارة جميع الأنشطة النفسية والسلوكية علي مستوى القوات المسلحة في السلم والحرب‏، وقد أقامته القوات المسلحة في إطار خططها بإدخال التطبيق العلمي المتكامل للعلوم السلوكية.

وتعتبر القوات المسلحة الإعلام والسيطرة عليه، أحد أهم مهامها، ليخدمها ذلك في سهولة توجيه المجندين والعسكريين نحو إعلاميين معينين لاستقاء الأخبار والأفكار منهم.

مجند سابق، فترة حكم المجلس العسكري عقب الثورة (طلب إخفاء هويته)، قال إن التلفاز الموجود في قاعة طعام المعسكر الذي كان يقضي فيه خدمته العسكرية، لا يستقبل إلا ثلاث قنوات فقط، الفراعين وشعبيات والتت.

أيضًا لا يدير الجيش عقول مجنديه من خلال الإعلام السياسي فقط، فهناك من لا يحركهم سوى الدين، وبحسب تسريباتٌ أخرى أذيعت بعد مذبحة فض اعتصام رابعة العدوية، لمجموعة دعاة، ظهروا متحدثين من إحدى قاعات إدارة الشؤون المعنوية، موجهين حديثهم للمجندين، لأسلمة العملية العسكرية في عقول غير المقتنعين بالتعامل القاتل مع الشعب بعد الانقلاب العسكري.

أحد المقاطع أظهرت داعية أزهري، يقول، إن المُتحدثين بأن ما حدث في الثالث من يوليو، هو انقلاب عسكري، هم فئةٌ باغية على الدولة أن تحاربهم وتقاتلهم، وواجبها دفعهم بالسلاح.

فإذا كان هذا هو التبرير لقتل معارضي النظام من المصريين، فماذا إذًا يتم توجيهه ضد الفلسطينيين؟ -يتساءل نشطاء-، وربما تجيب عنه تسريباتٌ أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: 

السجون المصرية..زيارات العبث بالحقوق

الإعدام سجنًا في مصر..ماخفي أعظم