30-أبريل-2021

خبران من فلسطين هذا الأسبوع وواقع واحد (تويتر)

خبران أساسيان طغيا على الأنباء القادمة من فلسطين هذا الأسبوع. تقرير جديد لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" وصفت فيه، بشكل غير مسبوق، الواقع بين نهر الأردن والبحر المتوسط على أنه واقع فصل عنصري واضطهاد منظم. خبر آخر، لا يبدو متصلًا بشكل مباشر، حيث قررت السلطة الفلسطينية تأجيل الانتخابات التي كانت تخطط لعقدها، مع مشاركة معظم الأحزاب السياسية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.

لا تأتي أهمية تقرير هيومن راتيس ووتش، فقط من كونه يتضمن اتهامًا مباشرًا لإسرائيل بارتكاب جرائم الفصل العنصري، ولكن من خلال الاعتراف بأن الواقع بين النهر والبحر هو واقع متشابك

واقع واحد

لا تأتي أهمية تقرير المنظمة الحقوقية المعروفة، فقط من كونه يتضمن اتهامًا مباشرًا لإسرائيل بارتكاب جرائم الفصل العنصري "أبرتهايد" والاضطهاد، ولكن بالأساس من خلال الاعتراف بأن الواقع على طول الأرض بين النهر والبحر هو واقع متشابك، يصح فيه حكم واحد. هذا الفهم للحالة على الأرض لا يبدو معهودًا خاصة من منظور العمل الحقوقي ومنظمات حقوق الإنسان، التي دأبت على الحديث، بحرج، عن انتهاكات إسرائيل في الضفة الغربية وقطاع غزة.

رغم أنه كان هناك بالتأكيد بعض التقارير عن وضع الفلسطينيين داخل إسرائيل أيضًا، إلا أن هذه التقارير  كانت ولا تزال غالبيتها محكومة بافتراض عميق بأن هناك واقعين منفصلين، وأن اللا مساواة داخل إسرائيل هي موضوع إثني أكثر منه سياسي، يشبه إلى حد ما أوضاع المهاجرين أو الأقليات في دول عديدة، بينما دأبت هذه المؤسسات على مقاربة الوضع في الضفة الغربية وغزة على أنه احتلال. طرح بدا طول الوقت معزولًا عن الواقع، ليس فقط بسبب التشابكات في حياة الفلسطينيين وتطلعاتهم في كل مكان، ولكن لأن أدوات الضبط والهيمنة والتمييز ضدهم متشابهة، وتكتسب شرعيتها من بعضها البعض.

هذا الافتراض عن واقعين منفصلين، مستمد بشكل أساسي من الإيمان بجدوى حل الدولتين الذي هيمن على معظم مقاربات الصراع العربي الإسرائيلي لفترة طويلة. رغم المؤشرات العديدة على اختلال هذا الطرح، أو على الأقل وصفه بشكل عام من قبل عدد كبير من الباحثين بأنه انتهى فعليًا، إلا أن التمسك به بدا في صالح الجميع، ليس المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية وحسب، ولكن أيضًا الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية.

الجديد الذي بدأ يتضح في وقت سابق مع تقرير مؤسسة بتسيلم الإسرائيلية في مطلع العام الجاري، الذي وصفت فيه إسرائيل كدولة أبرتهايد، وتقرير هيومان رايتش ووتش هذا الأسبوع، الذي اعتمد نفس الوصف، هو تطور نزعة لمقاربة الوضع  بين النهر والبحر بشكل شامل. وهو ما يؤكد مقاربة العديد من الباحثين الفلسطينيين، الذين يرون أن الضم المستمر والاستيطان، كما التمييز الفج ضد كل ما هو فلسطيني، جعل من الواقع على الأرض واقع دولة واحدة، تسيطر عليه إسرائيل بالكامل، ما يجعل أي حديث عن حل الدولتين منعزلًا بشكل كامل عن الواقع على الأرض. وقد يجوز إضافة التحرك الأخير لمحكمة الجنايات الدولية، التي وإن وضحت أن قرارها لا يرتبط بأي تصور حول السيادة الحدودية، إلا أنه قرار يتشابه في تقييم الوضع، حيث قررت أن الضفة الغربية وقطاع غزة تقع تحت ولايتها، ما يفتح المجال لمحاسبة مسؤولين في تل أبيب على هذا الواقع.

لكن لماذا الآن؟

يبدو السؤال "لماذا الآن؟"، سؤالًا مشروعًا بالنظر إلى تزامن التقارير الحقوقية وتحرك المحكمة الدولية. تزامن تقرأ فيه هنيدة غانم، الباحثة والمديرة العامة للمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، أنه يأتي كردة فعل على الاستقواء والتمادي الإسرائيلي، والتوسع المستمر، في واقع يحكمه تحالف إدارة بنيامين نتنياهو مع الإدارات اليمينية حول العالم.

كما توضح غانم، فإن "اسرائيل ظلت حتى الآن تتصرف بحرية كاملة وتعمل على تغيير ملامح البلاد وتهويدها وقمع السكان الفلسطينييين واضطهادهم دون أن تدفع أي ثمن، بل وسط صمت وتواطؤ أمريكي أوروبي"، مضيفة أن "استقواءها وتماديها وتحالفهما مع الترامبية لتصفية القضية الفلسطينية بدأ مؤخرًا يتحول إلى كرة مرتدة على الأقل على مستوى جمعيات حقوق الإنسان ومحكمة (الجنايات الدولية في) لاهاي".

تتابع غانم بأن هذا التغيير "جاء بعد أن أصبح من المستحيل تبرير سياسات إسرائيل باستخدام حجة العملية السياسية أو انتظار الظروف المواتية للسلام. استقواء السنوات الماضية خاصة الذي انعكس في طرح صفقة القرن والحديث المتواتر لنتنياهو وحكومته عن نوايا فرض السيادة والضم وسن قانون القومية وغيرها من السياسيات، أوضح بما لا يحتمل الشك أن إسرائيل ذاهبة نحو استكمال مشروع تثبيت التهويد والفوقية اليهودية من النهر إلى البحر".

إضافة إلى ذلك، كما توضح الباحثة الفلسطينية، فإن هذه التطورات الأخيرة بلورت فهمًا داخل المنظمات الحقوقية، بأن "ممارسة الاستيطان والسلب والنهب والاضطهاد ليست خطأ مطبعيًا بل نهجًا منظمًا، لذلك فإن تقرير هيومان رايتس ووتش هو تقرير مهم جدًا ويحمل مؤشرًا على أن إسرائيل لم تعد "الدولة المدللة"، وأن هناك فرصة للبناء على هذا التغيير".

ما علاقة الانتخابات؟

بالتزامن مع تقرير هيومن راتس ووتش، وفي مشهد لا يلخو من المفارقة، أعلنت السلطة الفلسطينية تأجيل الانتخابات التي كانت تنوي عقدها بعد سنوات طويلة من تعثر أي مسار سياسي، ما بدا بالنسبة لكثيرين أمرًا متوقعًا، بالنظر إلى أن الهدف الأساسي من عقدها كان إعادة الشرعية للواقع كما هو. أمر لم يبد مضمونًا، ما جعل السلطة الفلسطينية تتراجع. هذا حسب موقف المعارضين للتأجيل. أما الموقف الرسمي، والأهم، فهو أن تأجيل الانتخابات يأتي بسبب عدم سماح السلطات الإسرائيلية بتضمين القدس، التي رأت السلطة في الضفة الغربية أن لا انتخابات بدونها.

هذا التصور يحمل تناقضًا كاشفًا وبالغ الأهمة في خطاب السلطة الفلسطينية. ففي حين يعتمد وجودها على الافتراض أنها تلعب دور سلطة حاكمة، وتقوم بما هو أكثر من دور وظيفي مشروط بعمق بالهيمنة الإسرائيلية، فإنها غالبًا ما فسرت فشلها أو انحيازاتها في الشؤون الإدارية، مثل جائحة كورونا وأزمة اللقاح، والانتخابات اليوم، من خلال توضيح ما هو نقيض لهذه الشرعية، أي أن السلطة الفلسطينية لا تدير على الحقيقة أي شيء، وأن أي قرار سيادي، بما في ذلك عقد انتخابات، محكوم بالقرار الإسرائيلي.

بالتزامن مع تقرير هيومن راتس ووتش، وفي مشهد لا يلخو من المفارقة، أعلنت السلطة الفلسطينية تأجيل الانتخابات التي كانت تنوي عقدها بعد سنوات طويلة من تعثر أي مسار سياسي

يتقاطع ما يكشفه هذا التناقض، مع الخلاصة التي تتوصل لها التقارير الحقوقية المشار إليها، أي أن هناك دولة واحدة بين النهر والبحر، تحكمها إسرائيل من خلال أنماط إدارية منفصلة، ولا مساواة عميقة في الوصول إلى الأرض والخدمات الأساسية، لكن هذه الأنماط الإدارية تلتقي كلها على إبقاء الامتيازات التي يحظى بها الإسرائيليون اليهود، مقابل إبقاء بنية منظمة لاضطهاد الفلسطينيين والتحكم بهم، في كل أماكن تواجدهم بين النهر والبحر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 فيروس كورونا و"وهم حل الدولتين"

لقاحات كورونا والواقع في فلسطين: تشابك وفصل وأوهام