21-فبراير-2017

تظاهرة فلسطينية ضد الاحتلال (Getty)

من الواضح أن هناك التباسًا في بعض المفاهيم يعاني منه معظم الفلسطينيين، فبين مفهوم الوطن العميق إلى مفهوم الدولة، أيضًا هناك التباس واقع في اتفاق الحكم الذاتي (أوسلو) والدولة، كما هو الحال بمفهوم الاحتلال وقطاع غزة هل حرر أم باقٍ تحت وطأة الاحتلال، لا تكاليف يدفعها الاحتلال كأول ظاهرة سياسية عرفتها الشعوب المحتلة (احتلال لأراضٍ بالمجان)، تشابكت القضية وتعقدت وكلما طال عمرها زادت فجوة العقدة وأصبحت وثقى.

في عام 1947 أصدرت الأمم المتحدة قرار التقسيم 181 والذي على أثره قام الكيان الإسرائيلي، كان هناك أمل لإقامة دولة فلسطينية على ما تبقى من حدود، لكن قتل القرار ولم يعد مرجعية أساسية لأي عملية تفاوضية بعد حرب عام 1967، حل مكان هذا القرار قرار آخر وهو 242 والذي أقر بالانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة عام 1967 ولم ينفذ.

عدد المستوطنين في الضفة الغربية، من ضمنها القدس الشرقية، نحو 600 ألف مستوطن

بقي الوضع كما هو الآن، القيادة الفلسطينية تبنت هذا القرار وأصبح مرجعية لأي من عمليات التفاوض والحل السلمي، لكن غطرسة الاحتلال عرقلت الطريق للوصول إلى اتفاق، بعد ذلك جاء ما يعرف باتفاق أوسلو (سلام الشجعان) أو الفخ الأكبر عام 1993، لكن لم ينمُ كثيرًا إلى أن قتله نتانياهو عام 1998، ودفنه شارون في عملية السور الواقي عام 2002، فلم يعد للفلسطينيين أي مرجعية يستندون عليها سوى بعض الأكاذيب المتعلقة بحل الدولتين، لم تكن القيادة الفلسطينية فطنة لهذا الأمر، ولو كانت أهلًا للقضية لما حدث ما حدث الآن.

خنجر مسموم في خاصرة القضية الفلسطينية

حدث إعادة تمركز للاحتلال على حدود قطاع غزة عام 2005 أو ما يطلق عليه البعض الانسحاب الإسرائيلي من القطاع، والأقرب من ذلك هو إعادة احتلال غزة بطريقة غير مباشرة، فلم يمضِ عامان وحدث الانقسام والانفصال السياسي والجغرافي بين شرقي الوطن.

اقرأ/ي أيضًا: هل تدخل العلاقات السعودية الإسرائيلية عهدا جديدا؟

وتحقق الحلم الإسرائيلي بطرد غزة (الملعونة في التوراة)، من الجسم الفلسطيني والمضي قدمًا نحو تأسيس دولة فلسطينية فيها وأجزاء من سيناء، ثم لم يمضِ الكثير من الوقت وتم إعادة ما يعرف بإحياء عملية السلام بتفاوض مباشر من القيادة الفلسطينية، وذلك للاستفراد بالوفد بعيًدا عن أي تدخل عربي أو دولي.

إسرائيل تنهش بالضفة وغزة غائبة عن الحسابات

عدد المستوطنين يبلغ في الضفة الغربية نهاية العام الحالي نحو 600 ألف مستوطن، وينمو بمعدل أبطأ بكثير من معدل تشييد الوحدات الاستيطانية الجديدة في المستوطنات، الأمر الذي يدل على أنه لا حاجة لبناء جديد لتوسيع المستوطنات القائمة حاليًا في الضفة الغربية، وإنما تسعى حكومات الاحتلال المتعاقبة لبناء مستوطنات جديدة للاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، وأيضًا لاستيعاب المزيد من المهاجرين إلى إسرائيل.

 يذكر أن السلطة الفلسطينية تسيطر -بشكل قابل للاختراق الإسرائيلي- على قرابة 1.7% فقط من مساحة فلسطين التاريخية، وهي المناطق المعرفة بمناطق أ في الضفة الغربية المحتلة. 

قبل أيام صرح الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين تصريحًا غامض المعنى، بتأييده لضم أراضي الضفة لدولة الاحتلال وفرض السيادة الإسرائيلية على كلا الشعبين، جاء ذلك بعد أن أقر الكنيست الإسرائيلي في السادس من الشهر الجاري قرارًا بشرعنة الاستيطان ومصادرة أراضٍ مملوكة للفلسطينيين، هذا الأمر أحدث إرباكًا في الواقع السياسي المعقد، حيث سارع بروفيسور الجغرافيا السياسية جدعون بكير إلى طرح فكرة تكثيف الاستيطان في الضفة ويتم بعدها تبادل مواطنين، بين فلسطينيي الداخل ومستوطني الضفة الغربية.

اقرأ/ي أيضًا: نتنياهو يفتح إفريقيا.. سر الزائر والزيارة

أما عن ترامب وسياسته فقد صرح في مؤتمر صحفي جمعه ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو، بأن حل الدولتين لإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي لم يعد قائمًا مقابل ذلك، وبعد الفشل الذريع قال أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير صائب عريقات أن البديل عن حل الدولتين هو دولة واحدة ديمقراطية.

لا سبيل أمام الفلسطينيين سوى حل ما تبقى من السلطة 

غزة بطبيعة حالها غائبة تمامًا عن أي حدث، لكن كما تكشف لنا بعض الوسائل الإعلامية بأن هناك خطة بإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح فيها، مع اقتطاع جزء من أراضي سيناء، وهذا ما تعتبره بعض الأطراف الفلسطينية بأنه دولة كاملة السيادة مؤقتة لحين استرجاع القدرة الفلسطينية من جديد.

فلا سبيل الآن أمام الفلسطينيين سوى حل ما تبقى من السلطة والعودة إلى المربع الأول، في المواجهة المفتوحة لأجل حقوق وطنية تاريخية وطبيعية كاملة، وإنهاء ما يعرف بحكومة غزة وحكومة رام الله، والعمل على تحميل الاحتلال كافة أعباء ومخلفات احتلاله للأرض الفلسطينية، وإسقاط نظرية اليمين المتطرف بأن الموافقة على إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 ستكون دولة إرهابية، ومن خلال الطرق النضالية المعروفة والتي كفلتها كافة المواثيق الدولية. 

أما إذا بقي الوضع الفلسطيني المعقد هكذا، وبقيت هوية الفلسطينيين ضائعة بين التساؤل هل نحن في مرحلة تحرر أم إقامة الدولة، فلن يتم إقامة أي كيان فلسطيني الآن، ولا حتى في المستقبل البعيد. لأن الحالة الانقسامية أوضحت لنا بأنها جاءت على حساب عمق وتفاصيل القضية الفلسطينية.

اقرأ/ي أيضًا:
إسرائيل وعضوية الاتحاد الأفريقي: احتمالات وتداعيات
اتجاهات الرأي العام الفلسطيني في المؤشر العربي