27-سبتمبر-2020

رسم لـ فادي أبو حسان/ فلسطين - سوريا

منذ تأسيس الحلف غير المقدس بين المحمدين، السعودي ابن سلمان والإماراتي ابن زايد، وما تمخض عنه من إعادة تعريفهما لمعسكري الأعداء والأصدقاء، على النحو الذي جعل من إسرائيل حليفًا حميمًا لأمنهما المشيخي، بغض النظر عن إيفائها بمتطلبات السلام مع الفلسطينيين؛ منذها والذباب الإلكتروني لهذا المحور يواظب على شن حملة منظمة على الفلسطينيين، مرة بقصد إخراجهم من العروبة عبر الإصرار على نسبهم إثنيًا إلى بقايا الوجود البيزنطي الغابر، ومرة أخرى عبر إخراجهم من الإسلام من خلال نفي الطابع المقدس عن المسجد الأقصى، وجعله بمصاف أحد مساجد أندونيسيا أو أقل شأنًا منها. أما الأنكى والأخطر من ذلك فهو العمل على إخراجهم من الإنسانية، عبر دمغهم بعار نكران الجميل، حيث نراهم "يأكلون من موائد الغير وينكرون، فيا لهم من جاحدين، يبصقون في الصحن الذي يأكلون منه"، حتى أنهم وهذا هو الأمرُّ والأدهى لا يحفظون ذمة ولا معروفًا، ولا تكف ألسنتهم عن إرسال الآباء والأجداد المؤسسين لإماراتهم  إلى دائرة الجحيم.

منذ تأسيس الحلف غير المقدس بين ابن سلمان وابن زايد وذبابهما الإلكتروني يواظب على شن حملات منظمة على الفلسطينيين

إذا كان للمرء أن يتفهم هذا السعار اللأخلاقي، من أشخاص قرروا أن يغامروا بكل ما هو عربي وإسلامي وإنساني بقصد الحفاظ على رئاسة مشيخاتهم، فما هو يا هل ترى المبرر الذي يتلطى خلفه فراس طلاس في حملته على الفلسطينيين، هو الذي يصر على انتمائه إلى كل هذا الصف الطويل من المؤسسات الإنسانية، ناهيك عن انتمائه للثورة السورية وحتى إلى المذهب الليبرالي الذي يتخذ من الحرية مبدأه الأول؟

اقرأ/ي أيضًا: مكتبة فلسطين: قبل الشتات.. التاريخ المصور للشعب الفلسطيني 1876 - 1948

يطالعنا طلاس في منشوره الفيسبوكي الأول عن فلسطين، بمظهر الواثق من نفسه ومن موضوعه الذي يتحدث عنه "الفلسطينيين وحماقاتهم"، إذ إنه لا يكتفي بمظهر الشخص الذي يبدي وجهة نظر تحتمل في داخلها الخطأ والصواب، بل يصر على رفعها إلى مستوى الحقيقة التي لا يدانيها شكّ: "كل فلسطيني بما فيهم عباس وهنية، بيعرضوا عليه جنسية إسرائيلية لوافق فورًا. بس القصة رزقة ومزاودات، فضوها سيرة بقى". فمن الذي أخبره أن كل الفلسطينيين قد يوافقون على تصوره الشعبوي هذا؟ ألا يعقل أن يرفض أحد الزعيمين، فيذهب بتخرصاته أدراج الرياح؟ وماذا لو وجد طلاس نفسه أمام نسبة 10 %  من الذين يصرون على فلسطين من البحر إلى النهر؟

في منشوره الفيسبوكي السابق، يمارس طلاس من حيث يدري أو لا يدري سلوكًا تطبيعيًا. فهل يا هل ترى تطوع السيد لممارسته هذه بدافع من تربح أو ارتزاق، كما فعلت السيدة سهى عرفات؟ أم بدافع من الحرص المطلق على الحقيقة ذاتها؟ في حديثه عن دخول الفلسطينيين إلى الجنة الإسرائيلية أفواجًا، يصر الرجل على رفع إسرائيل إلى مستوى الدولة الطبيعية، التي لم تحتل فلسطين يومًا، ولم تعتد على حقوق شعبها. فهو على ما يبدو مهموم بحقائق الأمر الواقع، التي تجعل من القوي والمهيمن طبيعيًا، بغض النظر عن عنفه الإجرامي الحالي أو السابق ضد شعب بكامله، فطلاس المحب للفلسطينيين في منشوره الثاني يتساوق شاء أم أبى مع السردية الإماراتية عن طبيعة الدولة الإسرائيلية التي تحولت بقدرة قادرة إلى دولة طبيعية. متجاهلة عن قصد إنها الدولة الوحيدة في العالم التي ما تزال تحتل شعبًا آخر، كما إنها الوحيدة التي ما تزال تمارس فصلًا عنصريًا على الفلسطينيين، سواء كان ذلك على فلسطيني 48 أو على فلسطيني الضفة الغربية أو غزة.

يعتقد طلاس القادم إلى عالم السياسة حديثًا بعد أن عاش في عالم الأعمال ردحًا طويلًا من الزمن، أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي قد حسم لصالح الأقوى، وأن المطالبة الفلسطينية بدولة مستقلة على جزء من أرضهم مجرد عبث لا طائل منه، ما دامت إسرائيل ترفض ذلك وما دام الفلسطينيون غير قادرين على تحقيقه. فأمام حقائق الواقع التي تقول بتحول الفلسطينيين إلى جمهرة كبيرة من الجياع، لا يبق من أمل لديهم سوى الدخول إلى الجنة الإسرائيلية التي تعدهم بالمن والسلوى طائعين. إما ما دون ذلك فليس له عند السيد غير تفسير واحد؛  فساد الروح الفلسطينية ودخولها في عالم الارتزاق المزمن. الفلسطينيون حسب وجهة نظر السيد فراس لا يرفضون الحل الذي يعرض عليهم سوى لرغبتهم الدائمة بالظهور بمظهر المظلوم، الذي اعتاد التكسب من مظلوميته. فكأن فراس يستبطن ما يرغب الإمارتيون قوله للفلسطينيين، لقد فتحنا أمامكم أبواب الجنة الإسرائيلية عبر صفقة القرن، فكفوا عن التمنع وادخولها، فلم نعد بعد اليوم نطيق أن نصير بيت مال أبيكم.

إن خلاص الفلسطينيين من واقعهم الحالي لا يتم عبر الدخول في الجنسية الإسرائيلية، المجردة من المواطنة الحقيقية حتى، التي يهلل لها السيد طلاس، إنما عبر نضال الفلسطينيين ضد تلك الجنسية ذاتها

يبدو أن طلاس يجهل كنه فلسطين عند العرب، ففلسطين لم تكن يومًا في نظرهم مجرد قضية تحرر وطني ضدّ محتل أجنبي، تستدعي لديهم مشاعر المصير المشترك، فيهبون لنجدتها، يَقتلون ويُقتلون، بقدر ما أضحت عندهم مدخلًا لولوج السياسة، بوصفها أداة عقلية لإدارة حياتهم، فلقد شكلت منظمة التحرير الفلسطينية بتنوعها الفصائلي، رغم قصور تجربتها الديمقراطية إغراء لاختبار السياسة في بلدانهم، ففلسطين لم تكن بهذا المعنى مجرد تمرين عاطفي على هزيمة المحتل الاسرائيلي، بقدر ما كانت تمرينًا روحيًا على هزيمة الحاكم العربي الذي يحتل حياتهم فيفسدها. من هنا كره الحكام العرب فلسطين وأحبتها شعوبهم، ألهذا يا هل ترى يهربون منها نحو عدوها خانعين؟

اقرأ/ي أيضًا: القصص التي ترويها فلسطين

إن خلاص الفلسطينيين من واقعهم الحالي لا يتم عبر الدخول في الجنسية الإسرائيلية، المجردة من المواطنة الحقيقية حتى، التي يهلل لها السيد طلاس، إنما عبر نضال الفلسطينيين ضد تلك الجنسية ذاتها، الغارقة في أوهام الاستعلاء القومي والديني وسياسات التمييز العنصري. فكيف لمثل هكذا جنسية متحيزة أن تعين إنسانًا على تحصيل قوت يومه في الوقت التي لا تكف عن هدر كرامته.

 

اقرأ/ي أيضًا:

في معنى أن النكبة ليست حدثًا

صفر الزمن الفلسطيني