09-فبراير-2016

جرافيتي لـ جنزير/ مصر

طقوس التودد للذات غالبًا ما تكون مصاحبة لاستسلامات أغلبها منطقية بلغة المصلحة المباشرة، لتتعرف على وجودك سوف تبدأ من ذاتك، والذات عصية على المعرفة إلا بالمقايضة، الرغبة في مقابل إضاءة على معتم، والبعض منها، القليل جدًا، يكون مجرد انغماس بدون طلب واستسلام مجاني بدون حتى تعريف دخول.

المدرسة العبثية تريحك من ألم وعناء المعنى، وتحيلك مباشرة إلى دوغما الاستسلام تمامًا 

ولتحقيق تلك الشعائر يكون علينا أن نقف في المذبح المقدس، وكفتيان الجوقة العذارى نبدأ بتلاوة مزمور الشك الأول المستهل بـ"لا"، والمنتهي بـ"لا". الأولى تكون للموروث الأزلي منذ ألف عام أو خمسمائة ألف، وهنا "لا" تكون جامحة في وجه اللاوعي الجمعي المخزن في الدماغ البشري منذ بصر الإنسان ومنذ عرفنا أننا نعرف، والثانية للطلاقة، وربما هذا بعض من كل، والكل هنا هو الموروث الجمعي والخريطة الوراثية الجينية المتكررة، وكذلك اللغة المكتوب بها هذا المحتوى وكل شيء قبل التو، ولكن وجب تفصيل المجمل حتى يكتمل المعنى افتراضًا، و"لا" للعجز، وهنا أقصد انتفاء الطلاقة وإشكالية التناقض بشكل عام، والفكرة السمجة القائمة على الثنوية.

وكذلك "لا" للتنصل من المسؤولية وليس بالشكل الفلسفي الوجودي فحسب، وليس فقط بتوثيق ديمومة الألم ولكن يتضمن ذلك زائد الالتزام باللاءات الثلاث التزامًا واعيًا.

اللاءات الأربعة جاءت من وحي الشك الديكارتي، وما جاوزه بدون تقليل بالميتافيزيقا الكانطية و"إمبريقية" هيوم وبيركلي، فأحد أهم مقومات فيومنولوجي الوجود هو وضع الجدل كحد فاصل بين الفعل والفكرة، ويجب أن نعتمد دياليكتيك هيجل حين نرى تساوي كفتي الفكرة وعكسها.

ولعل أقدم الوجوديين تطبيقًا هو بوذا، فسيد هارتا كان يرى أن المنور هي حالة تصل لها بإدراك المعارف، ولعلنا في هذا الصدد نرى اللاءات الأربع حاضرة في رحلة "جوفيندا"، فقد رفض التسليم لطريقة الرهبان الموروثة ولم يستسلم لثنائية الخطيئة والقدسية، وكان مسؤولًا طول رحلته، حتى جلس في نهاية المطاف يعلّم ابنه كيف يحتوي الوجود ويحتويه الوجود.

وأيضًا النفري كان مثالًا في الشك أو السؤال والتجاوز، وعلى شاكلته أعلام التصوف من طائفة "المحبين" كالرومي والحلاج وابن الفارض وابن عربي وهيبطية وجيفارا. ولعله من الجدير ذكر أن كل الأمثلة السابقة هي جزء من الموروث المشكوك فيه بالضرورة، ولعله من حسن الشيم أن محتوى هؤلاء كان دومًا متسقًا مع فقرة اللاءات الأربع، ومتجاوزًا للدوغمائية ولكن يظل الموروث مرفوض وغير مفروض، وهنا تجلٍ ذو دلالة أن الفكرة الرئيسية في البناء هي ما تهدمه كتدفق الماء لا يقف ولا تقدر أن تمسك به.

ولنتذكرْ مدارس الفلسفة والتي لثمة وقت في عمر المتعلم، قد تقع موقعًا حسنًا فيما يخص معضلة الشك والبناء، هي المدرسة العبثية ومن أبرز روادها بيكيت وكونديرا وكافكا، فهي تريحك من ألم وعناء المعنى، إلا أنها تحيلك مباشرة إلى دوغما الاستسلام تمامًا كالإلحاد مع ما به من حصافة إلا أنه مثل أي اعتقاد ثابت يعاني من الركود والمحدودية. 

اقرأ/ي أيضًا:

عن العلمانية أيضًا

سلافوي جيجك.. الاستشفاء بجرعة لينينية