10-سبتمبر-2016

لا تشغل دماغك بالرسالة الملعونة التي تقول إن الموعد النهائي غدًا، قرأها غيرك منذ شهر، وشيّرها، أو مررها، أو مرّ عليها ونزل بهدوء دون أن يهتم، وجاء غدًا وبعد غد ولم ينشر «فيسبوك» صورك المحذوفة أو رسائلك أو معلوماتك السريّة، أو يفضح تحرشك بجارتك وزميلتك، أو المقاطع الساخنة التي استلمتها، فلا أحد يجرؤ على نشر سرك، ليس فقط لأنه يخاف منك، إنما لأن الموقع العالمي لن يخسر سمعته وزوّاره ووجوده بلا سبب، ولأنك لست مهمًا، ولا أحد يهتم بك، أنت جرمٌ صغير في عالم واسع، وضخم.. جرم مثير للشفقة.

هل تسأل عن السبب؟ لأنك تعتقد أن هناك من يخطط لمؤامرة ضدك، يستهدفك، يعتبر أسرارك شيئًا يستحق النشر أو الذكر، وهي تصوراتك عن نفسك، فلتحتفظ بها لنفسك.

الفيسبوك يتجسّس عليك فعلًا، لكن لأسباب تجاريّة، وليس لأنه يريد لك الفضيحة

الفيسبوك يتجسّس عليك فعلًا، لكن لأسباب تجاريّة، وليس لأنه يريد لك الفضيحة، فأنت إذا قلت لزوجتك في الشات إنك ستشتري ساعة، ستجد الصفحة الرئيسية مستعمرة ساعات (إعلانات عن أنواع وماركات ومحلات وستايلات جديدة، وعروض خاصة، وأسعار، وتخفيضات)، وإذا طلبت منها حجز طائرة إلى المالديف لقضاء «الويك إند» ستجد عشرات الإعلانات عن شركات سياحة تعرض تخطيط رحلتك، وخطوط طيران تقدم عروضًا وخصومات وهمية لن تتكرر، وفنادق قريبة من وسط المدينة بأسعار منخفضة، ومواقع «حجز أونلاين» تنتظر رقم الفيزا لتسحب مقابل خدمتها لك.

اقرأ/ي أيضًا: ضد الإعلام

وسواء دفعت أو لم تدفع، ضغطت أو لم تضغط، حجزت أو لم تحجز فالإعلان معروض، وهناك ملايين يوميًا تدخل حسابات شاب اسمه مارك زوكربرج، ومجموعة مساهمين في موقع «فيسبوك» بينما أنت تقضي ليلتك في كتابة أن الفيسبوك سيخترق حساباتكم ويفضحكم، والخبر على مسؤولية «BBC».

الكل ينقل المنشور المكرّر، ويؤكد أن الشبكة اللندنية انفردت به. وبينما الواحد منهم يريد أن نصدّقه ونشاركه مأساة أن «فيسبوك» سيكشف معلومات أمنه القومي، لا يكلّف نفسه دقيقة ليبحث على «جوجل»، أعظم اختراع في التاريخ، عن لينك الخبر.

وحقك أن تغضب وتدين وتربط نفسك بحزام ناسف تفجر به كل الصفحات المحيطة إذا كان كلامك صحيحًا، فليس منطقيًا أن «غول» من كبار الإنترنت يقع في خطأ انتهاك خصوصية مستخدميه، لعلكم تعقلون يا أمة ضحكت من تفاهتها الأمم!

لكن هناك جانب مهني لم يلتفت إليه أحد، وهو «بي بي سي»، لماذا اختار مروّج الشائعة شبكة الأخبار البريطانية تحديدًا ليضع الخبر على مسؤوليتها؟ حملت سؤالي إلى كثيرين من صناع صحف القاهرة فكانت الإجابة: لأنها مشهورة، لأنها دوليّة، لأنها قديمة، فكان السؤال الثاني: لماذا لم ينسب الخبر للأهرام أو الأخبار، الاثنتين من أقدم صحف العالم (وكل ذلك فعل ماضٍ مكانه كتب التاريخ)؟

من وضع اسم «بي بي سي» على الشائعة كان يريد لصق كذبته باسم مؤسسة تحظى بمصداقية لدى الكثيرين، وهو بالمناسبة ذات المنطلق الذي يمنح بي بي سي الثقة للترويج للكثير مما يشوبه التحيز أو عدم الدقة، خاصة بنسختها العربية، ولكنه هذه المرة منحها شهادة بأنها أكثر مصداقية وأمانة ومهنية ودقة في عيون الكثيرين بالعالم العربي من مؤسساتهم المحلية، والدليل أن الآلاف على «الفيسبوك» شيّروا آخر خبر يمكن أن يكون صحيحًا في العالم وصدّقوه ربما لأنه فقط يحمل ختم الـ«بي بي سي».

اقرأ/ي أيضًا:
أبو هشيمة وياسر سليم.. ذراعا النظام لشراء الإعلام
عمرو العراقي.. أول كتاب عربي عن صحافة البيانات