08-مايو-2019

ليس التورط في قضايا الفساد واقعة فردية بل أصبحت مرتبطة بمعظم قيادات اليمين الشعبوي في إيطاليا (Getty)

قبل سنة تقريبًا، في شهر حزيران/ يونيو 2018، أعلنت الشرطة المالية الإيطالية بداية التحقيق فيما افترضت وجوده من جرائم مالية، تنتهي أطرافها إلى حزب رابطة الشمال اليميني المتطرف، وتحديدًا عند رجله الأول وزير الداخلية ماتيو سالفيني. بعد سنة تقريبًا من بداية التحقيق، نشرت أسبوعية L’espresso الإيطالية خبرًا مفاده "تسريب وثيقة بنكية تدين حزب سالفيني بجرائم تبييض أموال". وبين الواقعتين عالم من الفساد المالي يغرق فيه اليمين الشعبوي الأوروبي، حيث أن سالفيني ورابطة الشمال لا تعدو أن تكون أمثلة مكشوفة عن طرق التمويل المشبوهة لهذه الأحزاب.

توضح وثيقة نشرها مكتب مكافحة الجرائم المالية بالبنك المركزي الإيطالي، ارتباط حزب رابطة الشمال وقياداته بأرصدة متمركزة في "جنة لكسومبورغ الضريبية"،وب حركة تحويلات مالية مشبوهة

اختلاس وتهريب وتبييض أموال

توضح وثيقة نشرها مكتب مكافحة الجرائم المالية بالبنك المركزي الإيطالي، ارتباط أرصدة حزب رابطة الشمال وقياداته بأرصدة متمركزة في "جنة لكسومبورغ الضريبية"، كما رصدت حركة تحويلات مالية مشبوهة تؤول إلى أمين مال الحزب ونائبه البرلماني جويليو سونتيميرو.

اقرأ/ي أيضًا: الفاشية الإيطالية المتجددة.. باقية وتتمدد!

كل شيء بدأ بتحويل مالي لصالح شركة إيطالية صغيرة، تحت إسم Alchimia Srl، قام به النائب المذكور. الشركة الإيطالية الصغيرة التابعة لسيطرة أحد الشركات القابضة اللكسومبورغية، مجتمعة مع ست شركات أخرى، تلقت التحويل في نفس الوقت الذي تمت فيه عملية سحب من رصيد استدانة باسم حزب رابطة الشمال، حسب ما تذكره وثيقة البنك المركزي. فيما لا زال التحقيق جاريًا لربط هذه التحويل بعملية الاختلاس الكبيرة التي قام بها الرئيس السابق أمبيرتو بوسي، بين سنتي 2008 و2010.

حيث إن أمبيرتو بوسي مؤسس الرابطة كان قد أدين باستخدام 49 مليون يورو من رصيد الحزب لتمويل أغراض استثمارية شخصية، قضى بسببها عامين وثلاثة أشهر سجنًا، في عملية احتيال هزت عرش الحزب اليميني الشعبوي الإيطالي. وتطرح الوثيقة فرضية أن الحدثين مترابطان، وماتيو سالفيني ومكتبه السياسي يحذوان حذو الرئيس السابق المدان.

ليست هذه أول شكوك تثيرها عمليات التحويل المالي المشبوهة لرجال رابطة الشمال، حيث يذكر أنه قبل سنة أعلنت الشرطة الإيطالية بداية تحقيق لاشتباه بتهريب الحزب أموال تمويلات مشبوهة، لم يعثر منها في رصيد رابطة الشمال إلا على مليوني يورو. فيما وصف ماتيو سالفيني الأمر على أنه "مؤامرة لتدمير الحزب!".

أموال مشبوهة وخطاب متناقض

في الأسبوع الماضي وأثناء زيارته لهنغاريا، وجد وزير الداخلية الإيطالي المجال مفتوحًا لتقديم آخَر استعراضاته المعهودة. كيف لا وهو ونظيره الهنغاري يجسدان فكرة واحدة، وطموحًا واحدًا، هو سيطرة اليمين الشعبوي على كافة أرجاء القارة العجوز. ورغم هذا التاريخ الحافل لحزبه اليميني من الاختلاس والأموال المشبوهة، يبدو أن السياسي الإيطالي مستمر في ترويج خطابه ضد "النخبة الأوروبية الفاسدة"، على عادة الأحزاب الشعبوية، ولم يفوت فرصة استجوابه من طرف أحد الإذاعات المحلية، ليطلق العنان لما سماه "السياسات الناجعة لحل مشاكل بلده، والقارة ككل".

اقرأ/ي أيضًا: اليمين الإيطالي وسيسيل كينغ.. ضربني واشتكى!

مفتتحًا تصريحه بالتحذير من خطر الغزو الإسلامي المعاصر لأوروبا، "مغبة أن تتحول القارة لخلافة إسلامية" على حد وصفه، ومعرجًا على الإجراءات التي اتخذتها كل من إيطاليا بحرًا وهنغاريا برًا للحد من "مشكلة" المهاجرين، أعلن سالفيني أن الهجرة نحو بلاده تضاءلت في السنة الأخيرة بنسبة 93%. كما لم يغفل عن الهجوم على القوى اليسارية، وتحميلها مسؤولية "تحويل البحر الأبيض المتوسط لمقبرة جماعية للمهاجرين"، مزهوًا بفتوحاته السياسية والاستراتيجية، فيصرح "نعم بروكسل تهابنا الآن، لأن إيطاليا أخيرًا رفعت رأسها!".

تناقض الخطاب والفعل الفاسد هنا، أصبح أبرز ما توسم به أحزاب اليمين الشعبوي التي استقطبت قواعد واسعة بسردية العداء للنخب الفاسدة وللوضع القائم

تناقض الخطاب والفعل الفاسد هنا، أصبح أبرز ما توسم به أحزاب اليمين الشعبوي التي استقطبت قواعد واسعة بسردية العداء للوضع القائم. ليست هذه الفضائحية عارضًا أو مسألة فردية، بل هي جزء من الممارسة السياسية، ما يؤكد ذلك كون الأموال والصفقات المشبوهة تمثل جزءًا كبيرًا من تمويل هذه الأحزاب. هكذا نجد على سبيل المثال، لا الحصر، اسم مارين لوبان رئيسة حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف في فرنسا حاضرًا في وثائق بنما، ضمن وثائق تثبت استعمالها لشركات وهمية وفاتورات مزورة لتهريب الملايين خارج فرنسا. كما تعرضها للمتابعات والتحقيقات حول تمويلات حملاتها الانتخابية، والذي أصبح عادة كل موسم انتخابي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل تحكم الشعبوية المجتمع الغربي؟

هل تعود الفاشية إلى إيطاليا مع عودة برلسكوني لصدارة المشهد السياسي؟