02-يونيو-2016

احتجاج ضد تسريبات بالجملة لمواضيع امتحانات شهادة البكالوريا(صورة أرشيفية/فايز نور الدين/أ.ف.ب)

بعد 24 سنة، التاريخ يعيد نفسه، فضيحة البكالوريا في الجزائر تعود إلى الواجهة، تسريبات بالجملة لمواضيع امتحانات شهادة البكالوريا، ووزيرة التربية الجزائرية نورية بن غبريط في عين الإعصار، حيث تصارع ثلاث جبهات: جبهة الشارع ممثلة في التلاميذ وجبهة نقابات التربية وجبهة نواب البرلمان الذين يطالبون الحكومة الجزائرية بإقالتها أو دفعها لتقديم استقالتها.

تسريبات بالجملة لمواضيع امتحانات شهادة البكالوريا في الجزائر هذه السنة وهي ما أنتج مطالب باستقالة وزيرة التربية

في امتحانات بكالوريا 1992، شهد قطاع التربية نفس الفضيحة، تسريبات البكالوريا، التي أطاحت بوزير التربية حينها أحمد بن محمد وحملته نحو تقديم استقالته بعد تأكد التسريبات وقرار الحكومة آنذاك إعادة الامتحانات، في سابقة هي الأولى في الجزائر. اليوم مشاهد كثيرة هزت عرش الامتحان "المصيري" للآلاف من التلاميذ، أهمها مشهد تسريبات مواضيع أسئلة بعض المواد في مادة الفيزياء ومادة الفرنسية والتاريخ والجغرافيا عبر شبكات التواصل الاجتماعي، قبيل إجراء الامتحانات بساعات مع نشر الأجوبة الصحيحة لها على الشبكة العنكبوتية، حيث تسببت التسريبات في إرباك التلاميذ وأدخلتهم في دوامة المفاجأة والخوف والتوجس، صاحبتها إشاعة إلغاء البكالوريا وزادت الطين بلة، وأسهمت في تهاون البعض في التعامل بجدية مع الامتحانات فيما اعتبر التلاميذ الامتحان "مهزلة حقيقية" لا يمكن السكوت عليها.

اقرأ/ي أيضًا: شهادة "الباكالوريا" في الجزائر.. الألق الدائم

اللافت أن استعمال وانتشار صفحات التواصل الاجتماعي وخاصة موقع "فايسبوك"، زاد تعقيد الأمور حيث أطلت صفحة "بلاغ في فائدة الممتحنين في البكالوريا"، مستنسخة عن صفحة الديوان الوطني للامتحانات والمسابقات، وجاء فيها خبر إلغاء بكالوريا 2016 في الجزائر، البلاغ الذي وصفه الديوان في صفحته الحقيقية بـ"الكاذب" و"العار من الصحة" و"المفبرك" و"المزور"، أدخل التلاميذ في حيرة من أمرهم وهو ما يعني أن التكنولوجيا هذه المرة أثبتت أنها "سلاح قاتل"، تقول الأستاذة في مادة اللغة العربية نورة سلامي لـ"الترا صوت"، حيث أكدت أن هناك تلاميذ جاؤوا إلى مراكز الامتحان يسألون عن موعد إعادة امتحانات البكالوريا؟".

وتضيف الأستاذة أن "قطاع التربية في الجزائر يمر بمرحلة حساسة جدًا"، داعية إلى "ضرورة إعادة النظر في كل شيء وخصوصًا مع التطور التكنولوجي الذي بات يروج للأكاذيب والإشاعات على حساب المعلومة الصحيحة والصادقة ومن مصدرها الرسمي".

ويقول الأستاذ علي صاري لـ"الترا صوت" إن "وزارة التربية كان بإمكانها أن تغلق كل الصفحات الرسمية الخاصة بها وحتى صفحات النقابات التي تنادي بالعمل لأجل مصلحة التلاميذ، وتصدر بيانًا رسميًا على لسان الوزيرة قبيل أيام من إجراء امتحان البكالوريا لتنبيه الجميع بأن البلاغات ستكون شفهية أو بيانات رسمية من الوزيرة أو مكتبها الإعلامي وتجتمع أيضًا بالنقابات حتى تضعهم في الصورة، لأن الجميع كان يتوقع مثل هذا التشويش، خصوصًا وأن الامتحانات المصيرية والمسابقات الهامة دائمًا تصاحبها إشاعات تعمل بدورها على ترويج الكثير من المعلومات المغلوطة".

بالرغم من أن الديوان، الذي تعرض لمغالطات بخصوص إلغاء البكالوريا، أصدر بيانًا لتكذيب المعلومة إلا أن قوة مواقع التواصل الاجتماعي، في جانبها السلبي، على حد تعبير الأستاذ صاري، قد تمكنت من الدعاية لما لا يحمد عقباه وأدت إلى التشويش على التلاميذ وحملهم على عدم التركيز أثناء إجراء الامتحانات.

ودعت صفحات، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التلاميذ إلى الخروج إلى الشارع وطالبتهم بالاحتجاج بهدف إلغاء البكالوريا، وهو ما يعني أن صوت التلاميذ قد يكون أقوى في الأيام القادمة إن لم تجد وزيرة التربية ومن ورائها الحكومة حلاً مجديًا ومرضيًا لجميع الأطراف، خاصة وأن وزارة التربية سارعت بفتح تحقيقات لمعرفة من كان وراء عملية تسريب الأسئلة، حيث كشف رئيس ديوان وزارة التربية الجزائرية عبد الوهاب قليل أن "مصالح الأمن تمكنت من تحديد هوية 31 شخصًا عبر عناوينهم على شبكة الإنترنت"، لافتًا، في بيان أصدرته الوزارة إلى أن "مصالح الأمن استمعت إلى أقوال امرأة قد تكون مصدر تسريب موضوع التاريخ والجغرافيا وهي حاليًا تحت الرقابة القضائية".

اقرأ/ي أيضًا: الامتحانات.. حالة طوارئ في بيوت الجزائريين

وأكد قليل أن "الامتحانات لن يتم إعادتها ومن الضروري إعادة النظر في ترتيبات إجراء البكالوريا وتطوير أساليب عمل الديوان الوطني للمسابقات والامتحانات التي لم تعد تتماشى مع التطور التكنولوجي. هكذا كان رد وزارة التربية صريحًا، لكنه فتح باب التساؤلات المتعلقة بالطريقة التي ستتخذها الوزارة لتقييم التلاميذ دون الإجحاف في حقهم.

قرار إقصاء التلاميذ المتأخرين عن موعد إجراء امتحانات البكالوريا، ولو بدقيقتين، أثار جدلًا وتعاطفًا واسعًا في الجزائر

قضية أخرى تضاف إلى التسريبات في امتحان البكالوريا وهي قرار إقصاء التلاميذ المتأخرين عن موعد إجراء الامتحانات ولو بدقيقتين، وهو ما يراه الكثيرون غير صائب، حيث ترى النقابات أن التعامل معهم "كان غير واقعي"، بالنظر إلى مستوى المقصيين وظروف إقامتهم بعيدًا عن مراكز إجراء الامتحانات، كما أن قوة أصوات المعنيين بالإقصاء تلقفتها وسائل الإعلام وجلبت معها تعاطف الجزائريين، رغم أن القانون لن ينصفهم، فهل تتعامل الوزيرة مع هذه القضية بتعاطف وبروية لكسب الكثيرين إلى صفها؟

سياسيًا، دعا النائب عن جبهة العدالة والتنمية حسن عريبي الحكومة الجزائرية إلى إقالة الوزيرة، وباشر إلى جمع توقيعات النواب في الغرفة السفلى للبرلمان الجزائري من أجل حمل الوزيرة على المغادرة بعدما أثبتت حسب تصريحاته "فشلها" في القطاع بعد فضيحة "التسريبات"، واصفًا ذلك بـ"الفضيحة التي لا يمكن السكوت عنها"، مشددًا على أن الوزيرة تحمل في مكتبها برنامجًا تغريبيًا وتريد من خلاله استنساخ البرنامج الفرنسي والتلاعب باللغة العربية وثوابت الأمة الجزائرية".

رغم النيران التي فتحت في وجه وزيرة التربية الجزائرية، الكثيرون يعتقدون أن ما جرى في بكالوريا 2016، ليس فشل وزارة واحدة بل فشل عدة قطاعات، تحتاج اليوم إلى استفاقة حقيقية وإجراءات صارمة.

اقرأ/ي أيضًا:

شهادة البكالوريا وموجة التدين.. صلاة مؤقتة

الطلبة الجزائريون.. بين ماض ثوري وحاضر خامل