يشكل موضوع التجنيس في لبنان على الدوام، مادة دسمة للتداول بين المتابعين، خاصة حين يتعلق الأمر بموضوع حق الأم اللبنانية المتزوجة من أجنبي، في منح الجنسية اللبنانية لأبنائها، إذ تعتبر شريحة كبيرة من الناشطين والحقوقيين أن هذا حق مقدّس للأم، ولا يمكن التغاضي عنه تحت أية حجة من الحجج. فيما يرى قسم آخر، وعلى رأسهم وزير الخارجية جبران باسيل، أن قانونًا كهذا سيشكل غطاءً للتوطين، على اعتبار أن عددًا كبيرًا من اللبنانيات متزوجات من فلسطينيين، كذلك بالنسبة للمتزوجات من سوريين، وبالتالي فإن هذا سيؤدي إلى توطين مقنع. الحجة هذه لا تقنع الناشطين والمنظمات والجمعيات المعنية بحقوق المرأة، التي ترى فيها انتهاكًا صارخًا لحق طبيعي وأساسي.
يطفو موضوع التجنيس على السطح في الفترات الانتخابية، كما يعود الحديث عن آلاف الحالات من مكتومي القيد
وكان باسيل قد أعلن في مؤتمر صحافي في آذار/مارس الماضي، أنه سيتقدم بمشروع قانون لتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة، وإعطاء المرأة الحق بمنح الجنسية لأبنائها، إذا كانت متزوجة من غير لبناني، باستثناء دول الجوار.
والمقصود بدول الجوار هنا، وفق العرف الباسيلي، بطبيعة الحال فلسطين وسوريا، ولاقى التصريح هذا شجبًا كبيرًا، ورأى فيه جمهور كبير أنه عنصري ومناقض لمبدأ تساوي المواطنين في الحقوق والواجبات.
اقرأ/ي أيضًا: مَنح الجنسية اللبنانية.. "ناس بسمنة وناس بزيت"
كذلك يطفو موضوع التجنيس إلى السطح في الفترات الانتخابية، ويعود الحديث عن آلاف الحالات من مكتومي القيد، والذين تم تجنيسهم في تسعينيات القرن الماضي لأسباب انتخابية، ولا تزال حتى اليوم تأتي باصات من سوريا خلال كل انتخابات تضم ناخبين من المجنسين.
إلا أن الفضيحة الأكبر في هذا المجال، أتت من مكان آخر، حيث تسربت في الأيام الأخيرة معلومات عن مرسوم تم توقيعه فعلًا من الجهات المعنية، وتحديدًا من رئيس الجمهورية والحكومة ووزير الداخلية، ينص على منح الجنسية لسوريين وفلسطينيين وأردنيين وإيرانيين ومكتومي قيد. ومن بينهم شخصيات سورية موالية للنظام، وأقارب لمسؤولين لبنانيين وضباط كبار. وقد قيل إنهم دفعوا مبالغ طائلة لقاء هذه الجنسية، مع العلم أن كثيرين منهم لا يستحقونها، فيما تم منعها من الدولة عن آخرين ولدوا في لبنان ويعملون فيه ويستحقونها كل الاستحقاق.
وكان لافتًا الصمت الرسمي اللبناني تجاه ما سرّب ونشر في الإعلام، وقد أشارت بعض المصادر إلى أن المرسوم كان جاهزًا قبل الانتخابات النيابية، لكن الجهات المعنية تريثت في توقيعه كي لا يستخدم ضدها في صناديق الاقتراع.
اتسعت بقعة الزيت وتحوّلت قضية التجنيس إلى مادة دسمة على مواقع التواصل حيث خرجت أصوات ساخرة ومنددة، ما دفع الجهات الرسمية إلى التحرك أخيرًا لحفظ ماء وجهها. وفي الأيام التالية صدر عن رئاسة الجمهورية بيان تضمن طلب الرئيس "من كل من يملك معلومات أكيدة بشأن أي شخص مشمول بالمرسوم المشار إليه، ولا يستحق الجنسية اللبنانية، أن يتقدم بمعلوماته هذه إلى وزارة الداخلية، أو المديرية العامة للأمن العام للاستثبات".
بدوره عقد الوزير جبران باسيل مؤتمرًا صحفيًا قبل أيام، وصف فيه الضجة المثارة حول الموضوع بالـ"الحملة التي لديها أهداف واضحة وهي الهجوم على العهد ورئيسه "ميشال عون"، لأن الهجوم لا يطال الموقعين الثلاث، والرئيس لن يغطي جريمة البعض وسكوتهم عن محاولة توطين مليون ونصف مليون لاجئ سوري".
أما رئيس الحكومة سعد الحريري، فقد قال للصحافيين قبل دخوله إلى القصر الجمهوري: "المرسوم قد أقر وما تعملوا من الحبة قبة". ولم تلاق مواقف الثلاثي عون وباسيل والحريري إعجاب غالبية الناشطين، فاشتعلت مواقع التواصل بالتعليقات المنددة الساخرة، وتحول هاشتاغ الحبة قبة إلى ترند. كذلك طالبت جهات سياسية عديدة بالاطلاع على الملف والتأكد من قانونيته.
اقرأ/ي أيضًا: "الحالة الباسيلية".. باقية وتتمدد
اللافت أيضًا في هذا السياق هو قيام بعض الإعلاميين بالدفاع المستميت عن العهد ورئيسه، وبطريقة مبتذلة وغير متناسبة مع دور الإعلامي كسلطة رابعة. وكتب الإعلامي في تلفزيون الجديد رامز القاضي: "أنا مع ميشال عون ظالمًا أو مظلومًا، فيما شبه الصحفي غسان سعود ميشال عون بمقلاة الـ"تيفال" التي تبقى دائمًا نظيفة.
وصف جبران باسيل الضجة المثارة حول التجنيس بأنها حملة ضد العهد للتهرب من وقع الفضيحة
في حين تسلم اللواء عباس إبراهيم، المدير العام للأمن العام اللبناني، ملف التجنيس، وسيقوم بالتدقيق في الأسماء وتقديم تقرير مفصل. بينما يثبت أصحاب السلطة في لبنان مجددًا أن مصالحهم ومصالح أزلامهم والمقربين منهم فوق اعتبار الدولة، أما المواطنون الذي يعيدون انتخاب الطبقة نفسها كل مرة، فلا يسعهم سوى تقبل مصيرهم الذي أوصلوا نفسهم إليه، والتذمر مجددًا أمام استباحة لبنان لصالح فئة، وتصدير عنصريته وشوفينية انعزاليته أمام فئات.
اقرأ/ي أيضًا: