1. رياضة

فريق أنقذه التبغ.. حكاية النهضة الهادئة لنادي كومو الإيطالي

11 أكتوبر 2025
كومو
عمر محمود عمر محمود

تُعرف بحيرة كومو بجمالها الطبيعي، وحدائقها التي تُحيط بها، وتاريخها الذي يظهر في المباني الرومانية والبيوت القديمة. ومع ذلك، لم تُشتهر عالميًا بوجود نادٍ لكرة القدم حتى عام 2024، وهو العام الذي عاد فيه نادي كومو إلى الدرجة الأولى من الدوري الإيطالي.

يصعب على أي مشجع لكرة القدم أن يتخيل نادٍ قضى 76 موسمًا خارج الدرجة الأولى، وزياراته إليها عابرة لا تُذكر، أنه سيصبح النادي الأغنى في إيطاليا. ويعود ذلك إلى ملاّكه الذين استثمروا فيه بطريقةٍ صحيحة، واتخذ خطواتٍ سلسة وغير متسرعة لتحويله إلى علامةٍ رياضيةٍ كبيرة.

أندية "اليويو"

تأسس نادي كومو عام 1907، وفي مدينةٍ تُعرف بسحرها الطبيعي وتقع في إقليم لومبارديا الذي يحتضن كبار اللعبة مثل قطبي ميلانو. بدأ مسيرته في كرة القدم كنادٍ يسعى لاكتشاف نفسه في المسابقات المحلية. شهدت فترته الأولى التنافس مع نادي ميلان وعدد من الأندية السويسرية، وذلك قبل أن تتم دعوته للمشاركة في الدوري الممتاز عام 1913، حيث استمر فيه حتى هبوطه عام 1922.

يستهدف كومو أن يكون ركنًا من أركان الدوري الإيطالي، وليس مجرد ضيفٍ أو طرفٍ ضعيفٍ يحاول البقاء فحسب

كان أبرز ما حققه نادي كومو آنذاك فوزه ببطولة الدرجة الثالثة عام 1931، قبل أن يدخل مرحلة طويلة من التنقل بين درجات الكرة الإيطالية. وكانت أهم لحظاته في البدايات بين عامي 1946 و1949؛ إذ شهدت تلك الفترة عودته إلى الدرجة الثالثة، ثم صعوده إلى الثانية، وصولًا إلى الدرجة الأولى عام 1949، حيث أنهى موسمه الأول في المركز السادس، وذاع صيته حينها، إذ نادرًا ما يحقق فريق صاعد هذا الإنجاز.

انتهى الحلم سريعًا بعد أربعة أعوام، ليبدأ كومو فترةً عصيبة امتدت لعقدين تنقّل خلالهما بين الدرجتين الثانية والثالثة، وأصبح مثالًا لما يُعرف بـ"أندية اليويو" التي تتأرجح بين الصعود والهبوط. وفي عام 1975، تمكن من العودة إلى الدرجة الأولى، لكن فرحته لم تدم طويلًا، إذ بقي موسمًا واحدًا فقط قبل أن يهبط مجددًا. عاد بعدها في الثمانينيات والتسعينيات أكثر من مرة، غير أن استمراره في القمة لم يدم سوى لبضعة مواسم في كل مرة.

بداية قرن ونهاية عصر

ظنّ كومو أن مطلع القرن الحادي والعشرين سيكون بداية نهضته. إذ وصل عام 2001 إلى الدرجة الثانية الإيطالية، وبالفعل تُوِّج هذا التصاعد بوصوله إلى الدرجة الأولى في موسم 2002-2003. ولكن، كعادة النادي، لم يستطع البقاء طويلًا، فهبط في الموسم التالي إلى الدرجة الثانية بعد أن تذيّل ترتيب الدوري، ثم إلى الدرجة الثالثة في موسم 2004.

وازدادت الأمور سوءًا، إذ أعلن نادي كومو إفلاسه في نهاية عام 2004، وتمت تصفيته بالكامل. واتضح أن رئيس النادي السابق، إنريكو بريزيوسي، لعب دورًا مباشرًا في ذلك، إذ كان يبيع لاعبي الفريق مجانًا لناديه الآخر جنوى، الذين كان كومو قد اشتراهم بمبالغ طائلة، وكأنه كان يُفرغ خزينة النادي لتصب في مشروعه الآخر.

محاولات العودة بهوية النادي نفسها

 

عاد النادي مرةً أخرى في هيئة فريق جديد يُدعى "كالتشيو كومو"، وبدأ من الدرجة الخامسة عام 2005. واستمر في تسلق السلم خطوةً بخطوة، حتى وصل إلى الدرجة الثانية عام 2015 بعد فوزه بتصفيات الدرجة الثالثة، ولكن حلمه بالوصول إلى الدرجة الأولى لم يكتمل بسبب أزمة مالية جديدة.

أفلس النادي مرةً أخرى عام 2016، واضطرّ ملاّكه الجدد إلى طرحه للبيع في مزاد، ووفازت به سيدة الأعمال الغانية أكوسوا إيسيان، زوجة أسطورة تشيلسي مايكل إيسيان. وبعد استحواذها على النادي، قررت تقديم طلب لتأسيس "نادي كومو لكرة القدم"، وريث النادي الأصلي، ولكن تم رفض طلبها، قبل أن يعود النادي عبر شركة "كومو 1907" ليبدأ من الدرجة الرابعة عام 2017.

مجموعة التبغ التي أعادت الحياة إلى كومو

استحوذت شركة SENT الترفيهية على نادي كومو في عام 2019، وهي شركة تابعة لمجموعة Djarum الإندونيسية المملوكة لعائلة هارتونو، إحدى أغنى العائلات في آسيا بثروة تتجاوز 34.15 مليار يورو. عُرفت العائلة في مجال صناعة التبغ، لكنها أرادت دخول عالم كرة القدم من بوابة مشروع طويل الأمد يهدف إلى بناء علامة تجارية عالمية، لا مجرد فريق ينافس في الدوري الإيطالي.

رأت عائلة هارتونو في نادي كومو فرصة لابتكار نموذج يجمع بين الرياضة والثقافة والسياحة، مستفيدة من رمزية المدينة التي تحتضنه. اتسمت إدارتهم بالعمل على مسارين متوازيين: الأول تطوير البنية التحتية للنادي وأكاديميته، والثاني إعادة صياغة هويته التسويقية ليصبح قريبًا من سكان المدينة من جهة، وجاذبًا للجمهور الدولي من جهة أخرى.

رؤية تتجاوز حدود الست ياردات

ربما أول ما شاهده ملاك النادي الجدد من طائرتهم الخاصة هو بحيرة كومو، ثمّ ملعب كومو، وهو ملعب جويسيبي سينيجاجليا. وكانت هذه نواة المشروع الذي أرادت العائلة من خلاله المزج بين الرياضة والسياحة. ومن هنا وُضعت الخطة الكبرى، وهي تطوير مساحة خاصة بالنادي تدرّ عليه العوائد، وتقدّم خدمات للزوار مثل المطاعم والمحال التجارية.

طوّر النادي نظام عمله الداخلي، وقرر أن يبدأ بداية جديدة مستعينًا بأحدث التقنيات. عمل على تطوير نظام جديد للعضوية والتذاكر، وذلك لتحسين تجربة المشجعين التي أصبحت رقمية بالكامل، وعيَّن فريقًا كاملًا مكوَّنًا من 45 فردًا، يديرون ملفات النادي المتعلقة بمنشآته، واستثماراته الخارجية، والتعليم والخدمة المجتمعية.

 

عمل النادي على تطوير علامته بالشراكة مع المتاجر المحلية، التي وصل عددها إلى 350 متجرًا حول المدينة، ليستطيع جني أرباح بلغت 3.7 ملايين دولار خلال عامين، بدلًا من 38 ألف دولار جناها قبل الاستحواذ بعامٍ واحد، ويرجع الفضل إلى مساهمته مع المتاجر في تطوير منتجات مرتبطة بالنادي والمدينة، تحمل علامته التجارية.

ويسعى النادي في الوقت نفسه إلى تطوير علامات جديدة مرتبطة بمدينة كومو، ستكون على هيئة محال ومتاجر راقية، والتي سينشئها بالتعاون مع مجلس المدينة، ليقدّم من خلالها تجربة للزوار والسياح من داخل إيطاليا وخارجها، وكأن النادي يسعى إلى تحقيق أكبر قدر من الربح، مستفيدًا من مبارياته ومن موقع المدينة المميز.

هدم المنظومة الرياضية القديمة

لا يوجد وضع أسوأ لبداية مع نادٍ لكرة القدم مثل كومو، فالفريق بدأ طريقه من الدرجة الرابعة، ولا يوجد ما يخسره عشاق النادي وطاقمه. لكنّ كومو لم يرضَ بهذا الوضع، ولم ينتظر، بل تسلّق سُلّم الصعود ليصل إلى الدرجة الأولى خلال خمس سنوات فقط، ويعود الفضل إلى النظام الرياضي الجديد.

وقد لعب الدور الأكبر في هذا التحول سيسك فابريغاس، الذي انضم إلى النادي لاعبًا في آخر مواسمه الكروية، وتحول إلى مدربٍ للنادي، ومعه أوسيان روبيرتس، المدير الرياضي، إذ اعتمدا على نظام حديث في تدريب وتنمية المواهب، والذي يعتمد على قرارات مبنية على تحليل بيانات اللاعبين، ووضع شخصية فابريغاس كصاحب الخبرة الذي لعب للنادي، ويحمل النادي على كتفيه كمدرب تعايش مع أجوائه من قبل.

على خلاف التجارب السابقة للنادي في الدرجة الأولى، يحاول كومو جاهدًا البقاء في أعلى المستويات لأطول فترة ممكنة، مستثمرًا كل ما يمكنه في النادي. ولا يعني كون ملاك النادي من أغنى ملاك إيطاليا أن لهم حق ضخ الأموال، فالنادي يخضع لقوانين اللعب المالي النظيف، والحل يكمن في تطوير قطاع الناشئين لا في استقطاب اللاعبين مباشرةً إلى النادي.

افتتح النادي مركزًا تدريبيًا جديدًا ليكون الركن الأساسي في مشروعه، وطوّر برنامجًا للمنح التعليمية للناشئين في الولايات المتحدة الأمريكية، لاستقطاب مواهبهم إلى كومو، والعمل على تطويرهم تعليميًا ورياضيًا في الوقت نفسه، وأنشأ أيضًا معسكرًا لكرة القدم يستقطب اللاعبين الصغار من أنحاء العالم، وذويهم، لاستضافتهم في فترة معايشة مع النادي، وليتعرفوا أكثر إلى المدينة.

تصبّ كل هذه الخطوات في هدف النادي الأوحد: الاستدامة. يسعى كومو إلى أن يتحول من مجرد ضيف إلى صاحب منزل في الدرجة الأولى، وبطاقته الرابحة الآن هي تصميم نظام يمدّه بلاعبين جدد بشكل مستمر دون أن يدفع فيهم المال، وأن يجني أكبر ربح من جميع مرافق النادي، حتى لو كانت لا تتعلق بكرة القدم.

تمكن كومو في موسمه الأول، وهو موسم 2024-2025، من إنهاء موسمه في المركز العاشر، متوجًا عودته إلى الدوري بعد 21 عامًا من الغياب. وعاد للموسم الثاني على التوالي، مستقطبًا 11 لاعبًا جديدًا ليعزز خطوطه بهم، ودفع في هذه النافذة أكبر مبلغ في تاريخه. ويبدأ بالفعل موسمه بالفوز بثنائية على لاتزيو، ويشغل المركز السادس قبل التوقف الدولي في تشرين الأول/أكتوبر.

يستهدف كومو أن يكون ركنًا من أركان الدوري الإيطالي، وليس مجرد ضيفٍ أو طرفٍ ضعيفٍ يحاول البقاء فحسب. ويُحسب له تحوّله إلى مشروع رياضي حديث، وهو ما لا تزال بعض الأندية حتى الآن عاجزة عن إنجازه في الدوري نفسه، والسبب وراء ذلك هو حجم الاستثمار الضخم من الإدارة، وذكاؤها في التعامل مع الفريق، والتي تنوي الآن تحويله إلى علامة تجارية متكاملة الأركان تدور حول مدينتها وعشق مشجعيها لكرة القدم.

 

 

كلمات مفتاحية
كأس العالم 2026

جدل جماهيري حول التكلفة الباهظة لمواقف السيارات في كأس العالم 2026

ركن السيارة في كأس العالم 2026 قد يكلف أكثر من تذكرة مشاهدة المباراة نفسها في نسخة قطر 2022

يورو 2028

اليويفا يكشف عن تفاصيل بطولة يورو 2028

تشير التقديرات إلى أن بطولة يورو 2028 ستُحقق فوائد اقتصادي ضخمة تصل إلى 3.6 مليار جنيه إسترليني

العراق

الفرصة الأخيرة: العراق والإمارات من أجل الوصول الثاني للمونديال

ينتظر الملحق القاري الفائز من مواجهتي العراق والإمارات

مظاهرة في لندن
سياق متصل

محكمة الاستئناف البريطانية ترفض طعن مؤسسة "الحق" على حكم تصدير قطع غيار "إف-35" لإسرائيل

سعت مؤسسة "الحق" الفلسطينية إلى الطعن في حكم قضائي بريطاني يسمح للمملكة المتحدة بتصدير قطع غيار طائرات إف-35 الأميركية إلى إسرائيل

غلاف الكتاب (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)
نشرة ثقافية

"النصّ التأريخي وترجمته" لسفيان عبد اللطيف: مقاربات في الفلسفة واللغة

صدور كتاب " "النصّ التأريخي وترجمته: مقاربات فلسفية ولغوية"

البرهان والسيسي
قول

سقوط الفاشر وتبدّل الحسابات المصرية: من الحياد المضبوط إلى الانخراط الإجباري

باتت رؤية مصر تجاه السودان محكومة بمعادلات أمنية حساسة (منصة إكس)

إيران
سياق متصل

تصاعد التوتر حول ملف إيران النووي: تحذيرات دولية وعقوبات أميركية جديدة

جاء العدوان الإسرائيلي على إيران، والقصف الأميركي للمنشآت النووية عقب إصدار الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرًا خلص إلى أن طهران لم تلتزم بتعهداتها النووية