17-يناير-2016

جلال هجير/ تركيا

يكاد عدد الخطب التي ألقاها الرئيس الفرنسي فرانسوا جيرار جورج أولاند، منذ هجومات باريس الأخيرة، أن يتفوق على عدد خطبه منذ دخوله قصر الإليزيه، في أيار/مايو 2012، مركزًا على ضرورة محاربة الإرهاب بصفته فكرًا، والإرهابيين بصفتهم أعداءَ للكيان الفرنسي حامي الأنوار والتنويريين في العالم. لكن السؤال الذي يطرح نفسه في السياق: ما الذي فعلته فرنسا في هذا الإطار؟ ما عدا الدعوة إلى تعديل الدستور، بما يسمح للمؤسسة الأمنية بتدخلات كانت ممنوعة عليها في السابق، وإعلان حالة الطوارئ في الفضاء الفرنسي الذي كان لا ينام؟

ما وقع في فرنسا من هجومات إرهابية شبيه بـ11/9 في أمريكا، لكن الفارق كبير بين تصرفات الأمريكان والفرنسيين

إجراءات أقل ما يُقال عنها إنها تصب في عسكرة واحد من أكثر المجتمعات مدنية، بكل ما سيترتب عن ذلك من تداعيات قد تهدد مكاسبه في مجالات كثيرة، وتلحقه بالمجتمع الروسي ومجتمعات أمريكا اللاتينية، وفي ذلك خسارة، ليس للفرنسيين وحدهم، بل لديمقراطيات أوروبية كثيرة، من غير أن تضمن الأمن والأمان، وما حدث هذه الأيام، من محاولات داعشية داخل الفضاء الفرنسي دليل على ذلك.

ما وقع في فرنسا من هجومات إرهابية، كان شبيهًا، من حيث رمزيته وتداعياته، بهجومات الحادي عشر من أيلول/سبتمبر في أمريكا، لكن الفارق كان شاسعًا، بين تصرفات الساسة الأمريكان والساسة الفرنسيين، فقد وحدت الهجوماتُ الأمريكيين، جمهوريين وديمقراطيين، وجعلتهم يقفون وقفة رجل واحد، في ظل وعيهم المشترك بالرهانات الأمنية القومية، بينما فرّقت الفرنسيين، وجعلتهم يتصرفون معها، وفق مصالح انتخابية ضيقة. اليمينيون اتخذوا منها ذريعة لقصف اليسار، على أساس أن ما حدث كان في ظل حكمه، واليسار اتخذ منها ورقة لتعزيز حظوظه في الاستمرار، على أساس أنه الأعرف بمواجهة تداعياتها.

ثم ماذا فعلت فرنسا مع المد الداعشي في الهلال النفطي في ليبيا؟ إن البوادر جميعها تقول إن التنظيم يتوسع في المكان، براحة شبه مطلقة، تمامًا كما فعل قبل شهور في موصل العراق ورقة سوريا، وقد شرع فعلًا في تفجير البؤر النفطية والمؤسسات الأمنية، وما تفجير زليتن الذي خلّف عشرات الضحايا، الخميس، إلا استعراض أوّلي لأعمال يبدو أنها في الطريق.

إن المسؤولية الأخلاقية لفرنسا، في المشهد الليبي الحالي، والمرشح لخلافة المشهدين العراقي والسوري في قيادة العنف وانتهاك حقوق الإنسانية على يد الدواعش، تعد أكبر من أي مسؤولية أخلاقية لدولة أخرى، بما في ذلك أمريكا، بحكم أن فرنسا كانت المبادرة إلى إسقاط نظام القذافي، فما بالها تتعامل مع التطورات الجديدة في ليبيا ذات الحكومتين والبرلمانين، وكأنها ليست على علم بذلك؟

إن تأملًا بسيطًا في الخطاب الذي ألقاه الرئيس هولاند، في كلية الشرطة في باريس، بمناسبة الذكرى الأولى لاعتداءات "شارلي إيبدو"، وما صاحبه من وقفات ترحّم طفيفة على أرواح الضحايا، يجعلنا ندرك الارتباك الذي باتت فرنسا تتخبط فيه، وكأنها أرادت القول إنها لم تعد قادرة على حماية داخلها، فكيف بحماية النقاط المهددة في الخارج؟ فلم يبق في جعبتها إلا الخطب والتهديدات الكلامية.. فعلًا.. إنه الزمن الفرنسي الثرثار. 

اقرأ/ي أيضَا:

أن تفقد جدتك الأمازيغية

ماذا لو فازت لوبان برئاسة فرنسا؟