1. سياسة
  2. سياق متصل

فرنسا قاب قوسين من أزمة في نظامها.. وخيارات ماكرون أحلاها مرّ

10 أكتوبر 2025
إيمانويل ماكرون
تتزايد الضغوط على الرئيس إيمانيول ماكرون (AFP)
سمير يوسف سمير يوسف

تتواصل الدعوات في فرنسا لتنظيم انتخابات رئاسية مبكرة، بعد أن وضعت استقالة حكومة وزير الدفاع السابق، سيباستيان لوكورنو، الرئيس إيمانويل ماكرون في موقف أصعب مما كان عليه أصلًا. حتى رئيسا وزرائه السابقان لم يترددا في توجيه انتقادات، وإنْ بلطف. فقد قال غابرييل أتال في وقت سابق إنّه "لم يعد يفهم ما يفعله الرئيس"، فيما دعا إدوارد فيليب، الثلاثاء الماضي، إلى انتخابات رئاسية مبكرة. ويعني ذلك أنّ هذه الدعوات لم تعد حكرًا على أوساط اليمين المتطرّف الساعية إلى دخول قصر الإليزيه، ولا على بعض التيارات اليسارية، خصوصًا حزب "فرنسا الأبية".

يجد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه، منذ قراره المفاجئ بحلّ الجمعية الوطنية عقب الانتخابات التشريعية عام 2024، في موقفٍ لا يُحسد عليه. قرارٌ صعُب على كثيرين فهمه في حينه، وبدأت تداعياته تتراكم تباعًا. فقد خسر ماكرون عددًا من أبرز حلفائه واحدًا تلو الآخر: ميشال بارنييه، ثم فرانسوا بايرو، وأخيرًا سيباستيان لوكورنو. ومع كل خطوة متعثّرة، تتضاءل الأوراق السياسية المتبقية في يده يومًا بعد يوم.

يجد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نفسه، منذ قراره المفاجئ بحلّ الجمعية الوطنية عقب الانتخابات التشريعية عام 2024، في موقفٍ لا يُحسد عليه

ثلاثة احتمالات

من جهة أولى، إذا أقدم الرئيس الفرنسي على حلّ الجمعية الوطنية مجددًا، فإنّ ذلك يرجّح أن يكلّفه خسارة إضافية في حجم كتلته النيابية، ما سيزيد من فوضى التفويض الشعبي الذي منحه له الفرنسيون في الانتخابات الرئاسية. ففرنسا، تاريخيًا، حُكمت دائمًا بالأكثرية البرلمانية، بينما تبقى تجربة الائتلافات الحاكمة، الشائعة في دول أوروبية أخرى، غريبة عن نظامها السياسي.

من جهة ثانية، يبدو أنّ الرئيس إيمانويل ماكرون يرفض حتى الآن خيار الاستقالة، ويراهن بدلًا من ذلك على تعيين رئيس وزراء جديد ينجح في مهمة بالغة التعقيد داخل بلدٍ منقسم سياسيًا على نحو غير مسبوق. ويعكس هذا الرهان ما عبّر عنه بعض مؤيديه، وأبرزهم وزير الدفاع السابق سيباستيان لوكورنو، الذي قال الأربعاء بعد استقالته إنّه "بعد الاستشارات، تبيّن أن الأكثرية المطلقة في الجمعية الوطنية ترفض منطق حلّ الجمعية مجددًا"، مضيفًا أنّ المناخ السياسي العام "يسمح للرئيس بتعيين رئيس وزراء جديد خلال 48 ساعة"، متجنبًا الخوض في مسألة استقالة الرئيس من أساسها.

أما من جهة ثالثة، فإذا اختار ماكرون أيّ شخصية سياسية أخرى لرئاسة الوزراء، فمن المرجّح أن تلقى حكومتها المصير نفسه الذي واجه حكومات لوكورنو وسابقتيه. فزعيمة "التجمّع الوطني" مارين لوبين هدّدت الأربعاء بأنّ كتلتها "ستسحب الثقة من أيّ حكومة مستقبلية، حتى لو كانت تنوي إلغاء قانون التقاعد الجديد"، مضيفة: "هذا المزاح دام طويلاً... ولم يعد مقبولًا". واتهمت لوبين ماكرون بأنّه "يحاول تجاوز مؤسسات الدولة"، واصفة إيّاه بـ"الواهم الذي لم يبق أمامه سوى خيارين لا ثالث لهما: الاستقالة أو حلّ الجمعية الوطنية مجددًا".

من جانبهم، لا يزال الاشتراكيون والخضر والشيوعيون يتركون نافذة أمل مفتوحة أمام تسمية ماكرون "المختبئ وراء متراسه في الإليزيه"، كما وصفته زعيمة الخضر مارين توندولييه، لشخصية من معسكرهم لرئاسة الوزراء. ويؤكد هذا التحالف، الذي تفكّك تحالفه السابق مع حزب "فرنسا الأبية" بزعامة جان لوك ميلانشون، أنه الفائز بالانتخابات التشريعية، وبالتالي فإنّ "المساكنة السياسية" هي المنطق الدستوري الذي يجب أن يسود، وأن رئيس الوزراء المقبل ينبغي أن يكون يساريًا من لونٍ سياسي مغاير للون الرئيس.

لكنّ هذا التحالف، رغم تمسكه بمطلبه، يدرك في العمق أنّ احتمال نجاح أي شخصية سياسية ــ مهما كان موقعها الحزبي ــ في تحقيق تسوية وطنية شاملة حول قضايا خلافية مثل الموازنة، أو قانون التقاعد المثير للجدل الذي أقرّته إليزابيت بورن بالقوة، أو ملف الهجرة، هو احتمال ضئيل للغاية، خصوصًا في ظل تهديدات مارين لوبين المستمرة ورفضها إعطاء فرص جديدة للرئيس.

وتضيف توندولييه أنّ "الماكرونيين يمارسون مقاومة ضدّ التغيير وضدّ تسليم السلطة"، مشيرة إلى أنّ "الذريعة باسم الاستقرار لم تعد مقنعة لرفض تعيين شخصية يسارية لرئاسة الحكومة". وختمت بالتحذير من أنّه "إذا لم يعيّن ماكرون هذه المرة رئيس وزراء من صفوف التحالف اليساري، فلن يبقى أمامه خيار آخر سوى الاستقالة". ويبدو أنّ التحالف الصغير يسعى الآن إلى اتفاق مبدئي مع حزب "فرنسا الأبية"، يقضي بعدم مشاركة الأخير في الحكومة مقابل منحها الثقة، في إطار تفاهمٍ برلماني يهدف إلى تجنّب أزمة دستورية مفتوحة.

في الوقت نفسه، صدر تصريح عن الوزيرة أورور برجيه، المقربة من الرئيس الفرنسي، جاء فيه أنّ "المجموعة البرلمانية التي أنتمي إليها منفتحة على مسألة إلغاء قانون التقاعد الجديد إذا كان ذلك السبيل الوحيد للحفاظ على قدرٍ من الاستقرار". وقد فُسّر هذا التصريح على نطاق واسع بوصفه إشارة إلى محاولة من المعسكر الرئاسي لفتح قنوات تقارب مع معارضيه "المقبولين"، أي التحالف الذي يضمّ الاشتراكيين والخضر والشيوعيين.

أما جان لوك ميلانشون، زعيم حزب "فرنسا الأبية"، فقد اختار البقاء بعيدًا نسبيًا عن السجال الداخلي المباشر، مفضّلًا التطرّق إلى جوهر الاضطراب السياسي الذي تعيشه فرنسا. وانتقد استخدام مفردة "أزمة" لوصف الوضع الراهن، معتبرًا أن المصطلح "ليس بريئًا، إذ يوحي بأن الأمور ستستقيم تلقائيًا بمجرد تجاوز الأزمة"، مضيفًا أنّ ما يحدث في الواقع "ليس أزمة بل مناورة سياسية متكررة من قبل الرئيس ماكرون"، أدت، على حدّ قوله، إلى استقالة ثلاثة رؤساء وزراء خلال عام واحد.

ورغم أنّ ميلانشون دعا، في مقالة نشرها عبر موقعه، إلى تعديل الدستور الفرنسي محذّرًا من أنّ الاضطراب السياسي سيستمر من دونه، إلا أنّه رأى في الوقت ذاته أن "الخضّة التي تمر بها فرنسا لا تعود في جوهرها إلى النظام المؤسساتي، بل إلى الكيفية التي يُستخدم بها"، مؤكدًا أنّ "فرنسا لا تتماهى مع ماكرون"، وأنّ سياساته غير المقبولة، وفي مقدمتها قانون التقاعد، هي التي تدفع البلاد نحو هذا المأزق المتكرر.

جان لوك ميلانشون، زعيم حزب "فرنسا الأبية"، فقد اختار البقاء بعيدًا نسبيًا عن السجال الداخلي المباشر، مفضّلًا التطرّق إلى جوهر الاضطراب السياسي الذي تعيشه فرنسا

ليست سابقة

الاضطراب السياسي الاستثنائي الذي تعيشه فرنسا دفع أحد أبرز المحللين السياسيين في البلاد، وربما أكثرهم خبرةً بتاريخ الجمهورية الفرنسية، ألان دوهاميل، إلى القول إنّ "فرنسا لم تعد في أزمة سياسية، بل باتت على مشارف أزمة في نظامها نفسه".
ويرى دوهاميل أنّ البلاد تعود اليوم، في مشهدها العام، إلى أجواء الجمهورية الرابعة، لأنّ ما يجري يشبه إلى حد كبير ما حدث عام 1958، حين دخلت فرنسا دوامةً من الانقسام والشلل السياسي. وبنبرته الساخرة المعهودة، قال دوهاميل إنّ "الرئيس ماكرون ذكيّ جدًا، باستثناء مجال واحد: السياسة".

وعندما أقدم ماكرون على حلّ الجمعية الوطنية عام 2024 عقب الانتخابات التشريعية، لم يتمكن كثيرون من فهم الدافع الحقيقي وراء هذه الخطوة المفاجئة. وتداولت الصحافة الفرنسية آنذاك أنّ الرئيس "خاسر سيئ، يفتقر إلى الروح الرياضية"، وأنّه أراد، عبر القرار، إحداث صدمة سياسية تعيد له زمام المبادرة، من دون أن يحسب بدقة عواقبها على المستقبل.

ومن المرجّح أن يُقدم ماكرون قريبًا على تسمية رئيس وزراء جديد، غير أنّ اتجاه اختياره ما يزال غامضًا: أسيكون من حزبه؟ أم من اليمين التقليدي الذي جُرّب ولم ينجح؟ أم من صفوف الاشتراكيين أو الخضر؟ كل الاحتمالات قائمة، لكن لا شيء مؤكّد.

فالسياسة العالمية في السنوات الأخيرة، كما يقول بعض المراقبين، باتت تعيش زمن الزعماء غير القابلين للتنبؤ بأفعالهم. وربما أصابت فرنسا بدورها "حمّى دونالد ترامب"، حيث تغدو القرارات السياسية أحيانًا أكثر ارتباطًا بالمفاجأة منها بالمنطق.

كلمات مفتاحية
مظاهرة في لندن

محكمة الاستئناف البريطانية ترفض طعن مؤسسة "الحق" على حكم تصدير قطع غيار "إف-35" لإسرائيل

سعت مؤسسة "الحق" الفلسطينية إلى الطعن في حكم قضائي بريطاني يسمح للمملكة المتحدة بتصدير قطع غيار طائرات إف-35 الأميركية إلى إسرائيل

إيران

تصاعد التوتر حول ملف إيران النووي: تحذيرات دولية وعقوبات أميركية جديدة

جاء العدوان الإسرائيلي على إيران، والقصف الأميركي للمنشآت النووية عقب إصدار الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرًا خلص إلى أن طهران لم تلتزم بتعهداتها النووية

جون هيرلي

نبرة أميركية حازمة في بيروت.. واشنطن "تحاصر" حزب الله ماليًا

تغيّرت نبرة واشنطن في بيروت، وباتت أكثر حدّة من ذي قبل

مظاهرة في لندن
سياق متصل

محكمة الاستئناف البريطانية ترفض طعن مؤسسة "الحق" على حكم تصدير قطع غيار "إف-35" لإسرائيل

سعت مؤسسة "الحق" الفلسطينية إلى الطعن في حكم قضائي بريطاني يسمح للمملكة المتحدة بتصدير قطع غيار طائرات إف-35 الأميركية إلى إسرائيل

غلاف الكتاب (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات)
نشرة ثقافية

"النصّ التأريخي وترجمته" لسفيان عبد اللطيف: مقاربات في الفلسفة واللغة

صدور كتاب " "النصّ التأريخي وترجمته: مقاربات فلسفية ولغوية"

البرهان والسيسي
قول

سقوط الفاشر وتبدّل الحسابات المصرية: من الحياد المضبوط إلى الانخراط الإجباري

باتت رؤية مصر تجاه السودان محكومة بمعادلات أمنية حساسة (منصة إكس)

إيران
سياق متصل

تصاعد التوتر حول ملف إيران النووي: تحذيرات دولية وعقوبات أميركية جديدة

جاء العدوان الإسرائيلي على إيران، والقصف الأميركي للمنشآت النووية عقب إصدار الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرًا خلص إلى أن طهران لم تلتزم بتعهداتها النووية