19-أكتوبر-2018

فرقة الروك الفرنسية "Feu! Chatterton"

تشهدُ العاصمة اللبنانية بيروت، منذ عدّة شهور وحتّى الآن، نشاطًا ثقافيًا واسعًا ومتنوّعًا. ربّما يبدو للبعض مفاجئًا إن أخذنا بعين الاعتبار الأزمات السياسية والاقتصادية التي يمرُّ بها لبنان منذ فترةٍ زمنية بعيدة. مهرجانات وفعّاليات سينمائية وعالمية، معارض تشكيلية مختلفة، عروض مسرحية وأخرى موسيقية، لا تُعطي جميعها بالًا بما يحدثُ في محطيها. وكأنّ بيروت تعتمد على الفنّ وحده في مواجهة الخراب الذي ما ينفكُّ يطاردها. وعبره، أي الفن، تُحاول الحفاظ على ألقها وحضورها الثقافي عربيًا وعالميًا.

كأنّ بيروت تعتمد على الفنّ وحده في مواجهة الخراب الذي ما ينفكُّ يطاردها

كجزءٍ من هذه الفعّاليات المتوقّع منها أن تستمرّ، وبنشاطها هذا، لعدّة شهورٍ أخرى، والتي تحوّلت بعضها إلى حدثٍ سنويّ؛ كانت مدينة بيروت وواجهتها البحرية مساء الأمس، الأربعاء 17 تشرين الأول/ أكتوبر، على موعدٍ مع حفلٍ موسيقيّ نظَّمتهُ مبادرة "French Vibes" على مسرح قاعة "Music Hall" وسط المدينة، وأحيتهُ فرقة الروك الفرنسية الشهيرة "Feu! Chatterton" التي وصلت إلى بيروت مؤخّرًا لإحياء هذا الحفل بشكلٍ خاص.

اقرأ/ي أيضًا: أوروبا في مسرح المدينة.. لوركا وكافكا مع راشيل كوري في بيروت

يأتي هذا الحفل بعد مرور أسبوع تقريبًا على حفلٍ آخر أحيتهُ فرقة موسيقية فرنسية أخرى، وهي فرقة الراب العريقة "IAM".

تندرج هذه الحفلات، كما سبق وأن ذكرنا، ضمن مبادرة "French Vibes"، التي أطلقها مؤخّرًا كريم غطّاس بالتعاون مع مالك قاعة "Music Hall" الفنان ميشال ألفتريادس. ومن المعروف عن غطّاس مغامراته المتعدّدة، والناجحة أيضًا، في هذا المجال، إذ سبق وأن أطلق عدّة مبادرات ومهرجاناتٍ موسيقية أحياها فنّانين عالميين وفرق موسيقية عالمية أيضًا، كمهرجان "ليبان جاز" الذي انطلق منذ ما يزيد عن 15 سنة تقريبًا، والمستمرّ حتّى الآن. بالإضافة إلى مهرجان "ليبان وورلد"، وغيره من المهرجانات والمبادرات.

يبدو كريم غطّاس، ومع كلّ مبادرة يطلقها، مغامرًا بالنسبة للبعض. بينما يراهن البعض الآخر على فشل مشاريعه ومبادراته، لا سيما أنّها مشاريع تشتغل وتدور في فلك حقولٍ غالبًا ما تشتكي قلّة التمويل وتفاعل الجمهور أيضًا. لكنّ هذا الجمهور كان دائمًا الرهان الأوّل لغطّاس، أي الجمهور اللبناني الذي يعتبرهُ مولعًا وباحثًا ومهتمًا بأيّ فنٍّ جديد. وإلى جوار الجمهور، يراهن غطّاس أيضًا على نوعية الفنّانين والفرق الموسيقية التي سوف تستضيفها المهرجانات التي ينظّمها، وغالبًا ما كان يسافر بنفسه لحضور حفلات عالمية لهؤلاء الفنّانين والفرق بهدف التأكد أوّلًا من الأداء والجودة قبل أن يقرر أخيرًا دعوتها إلى بيروت.

ما يُميّز هذه المهرجانات، غير دقّة تنظيمها، هو توجّهها واستهدافها للجمهوّر اللبنانيّ المحليّ، على عكس بعض المهرجانات التي تتوجّه إلى المغتربين والسيَّاح. بالإضافة إلى أنّها لا تركن لنوعٍ واحدٍ من الموسيقى، بل تحرص دائمًا على التنويع بحيث تكون مساحةً يتمكّن الجمهور من خلالها من اكتشاف موسيقى الشعوب الأخرى، لا سيما التراثية منها. فبعد موسيقى الجاز، والموسيقى العالمية أو التراثية العالمية، جاء دور الموسيقى الفرنسية بمختلف أنواعها.

في النظر إلى بداية مبادرة "French Vibes"، تظهر أنّها بدايةً أقرب ما تكون إلى نوعً من الحنين أو استعادة زمنٍ مضى، أي زمن الراب الذي ولّى زمانه وخفت حضوره عالميًا مقارنةً بنشاطه في التسعينيات.

ما يُميّز هذه المهرجانات الموسيقية في لبنان، غير دقّة تنظيمها، هو توجّهها واستهدافها للجمهوّر المحليّ

اقرأ/ي أيضًا: ليلة القانون في برلين.. مناولة مقدّسة بالموسيقى

هذه الاستعادة جاءت من خلال فرقة "IAM" التي لا تعيش هي الأخرى أفضل أيامها مقارنةً بما كانت عليه سابقًا. وانطلاقًا من حرص القائمين على هذه المبادرة في التنويع وعرض نماذج مختلفة من الموسيقى، قدّمت المبادرة في حفلتها الثانية فرقة "Feu! Chatterton" التي تعيش أفضل أيامها، ويمكن القول إنّها تعيش فترتها الذهبية أيضًا في فرنسا. فالفرقة التي تأسَّست سنة 2011، وأصدرت حتّى الآن أربعة ألبومات موزّعة بين قصيرة ومكتملة، كان آخرها ألبوم (L Oiseleur) الصادر هذه السنة؛ تملك حضورًا قويًا في عالم الروك والبوب اليوم، ولها جمهورًا واسعًا وعريضًا عالميًا ومحليًا، أي في فرنسا، وفازت بعدّة جوائز محلية تعتني بالتجارب الجديدة والحديثة، كتلك التي تقدّمها الفرقة المؤلّفة من: أرتور تيبول "غناء"، وكليمان دوميك "غيتار، كيبوردز"، وسيباستيان وولف "غيتار، كيبوردز"، وأنطوان ولسون "باص"، ورفايل دو بريسينيي "درامز".

 

اقرأ/ي أيضًا:

بليغ حمدي.. أكبر من النسيان

رحيل رشيد طه.. راح المسافر وبقي صخبه الهجين