20-ديسمبر-2019

يعول ترامب على دعم النواب الجمهوريين له لتعطيل مسار عزله (Getty)

دخلت مرحلة مساءلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فصولها الأخيرة بعد تصويت الكابيتول هيل على اتهامه رسميًا بإساءة استخدام السلطة، ومحاولة عرقلة عمل الكونغرس الأمريكي، وبهذا يكون مهد الطريق لمحاكمته الشهر المقبل أمام مجلس الشيوخ الأمريكي، وسط توقعات من صقور الجمهوريين الذين يسيطرون على المجلس بألا "تسنح الفرصة" لانعقاد جلسة المحاكمة في المجلس ما قد يزيد من الانقسام السياسي بين الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة.

دخلت مرحلة مساءلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فصولها الأخيرة بعد تصويت الكابيتول هيل على اتهامه رسميًا بإساءة استخدام السلطة، ومحاولة عرقلة عمل الكونغرس الأمريكي

بعد 6 ساعات.. الديمقراطيون يصوتون على عزل ترامب

في خطوة وصفت بالتاريخية صوت الكابيتول هيل الذي يسيطر عليه الديمقراطيين في وقت متأخر من مساء الأربعاء على تهمتين على الأقل موجهتان للرئيس ترامب، فقد حظي بند اتهام إساءة الرئيس الأمريكي لاستغلال السلطة بموافقة 230 عضوًا مقابل معارضة 197 آخرين، فيما صوت 229 عضوًا مقابل 198 آخرين على بند يتهمه بعرقلة عمل المجلس.

اقرأ/ي أيضًا: إجماع على دور جولياني في "قضية أوكرانيا".. هل يضحي ترامب بمحاميه الشخصي؟

واستمرت جلسة التصويت على بندي الاتهام لأكثر من ستة ساعات وسط أجواء مشحونة داخل الكابيتول بين الديمقراطيين الذين يقودون إجراءات المساءلة، والجمهوريين الذين يعتبرون الاتهامات المساقة ضد الرئيس "حزبية"، ما من شأنه أن يؤجج التوترات بين الحزبين الرئيسيين في واشنطن في بلد يعيش أساسًا على وقع انقسامات عميقة.

وقالت زعيمة الكابيتول هيل نانسي بيلوسي في كلمتها التي افتتحت جلسة التصويت: "افتتح بكل أسف المداولات بشأن مساءلة رئيس الولايات المتحدة.. وإذا لم نتحرك الآن فسيكون ذلك إهمالًا في أداء واجبنا"، مؤكدًة على استغلال ترامب سلطته للحصول على منفعة سياسية شخصية على حساب الأمن القومي الأمريكي، وأنه شرع في حملة لم يسبق لها مثيل من تحدي الكابيتول وعرقلة عمله بعد انكشاف أمر مخالفاته.

وتدور فحوى الاتهامات التي يوجهها الديمقراطيون للرئيس الجمهوري في إطار بلاغ وصل للكابيتول هيل يتحدث عن إساءة ترامب السلطة، بمحاولته الضغط على أوكرانيا بتجميد مساعدات عسكرية إليها بقيمة تقارب 400 مليون للحصول على مكاسب شخصية تساعده على الفوز بانتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة، ليصبح بذلك ثالث رئيس في تاريخ البيت الأبيض يواجه مساءلة العزل، بعد الرئيسين السابقين أندرو جونسون 1968، وبيل كلينتون 1998، وكلاهما ينتميان للحزب الديمقراطي.

البيت الأبيض بانتظار عدالة مجلس الشيوخ

كان واضحًا منذ بدء الديمقراطيين إجراءات العزل أن الكلمة النهائية في هذا الأمر ستكون لمجلس الشيوخ، الذي يريد أن تكون إجراءات المساءلة "قصيرة للغاية" بحسب رئيس اللجنة القضائية الجمهوري لينسي جراهام، الذي أكد على عدم تأييده استدعاء الديمقراطيين للشهادة أمام اللجنة، فيما توقع زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ ميتش مكونيل "ألا تسنح فرصة" عزل ترامب عند انعقاد المحاكمة في مجلسه.

ويحظى ترامب بدعم غالبية مجلس الشيوخ، ومن المتوقع أن تسير إجراءات العزل بشكل روتيني على أن تفضي بنهاية الأمر للتصويت على عدم عزله، وهو ما يتماشى مع آراء النسبة الأكبر من الجمهوريين، الذين يمكن قراءة رؤيتهم للمساءلة بوصف مكونيل أنها "عملية سياسية. لا تتعلق بالقضاء"، وإصرارهم على أنها "قرار سياسي".

ووصف البيت الأبيض عملية التصويت في الكابيتول هيل بأنها "من أكثر الأحداث السياسية المخزية" في تاريخ واشنطن، وأضاف في بيان صادر عنه أنه "من دون الحصول على صوت جمهوري واحد ومن دون تقديم أي دليل على وقوع مخالفات، مرر الديمقراطيون بندي مساءلة الرئيس في مجلس النواب"، وهو ما يؤكد على أنه من المستبعد حصول الديمقراطيين في مجلس الشيوخ على دعم الجمهوريين، نظرًا لأن ترامب وفقًا لبيان البيت الأبيض "واثق من أن مجلس الشيوخ سيعيد النظام والعدالة والإجراءات القانونية التي جرى تجاهلها خلال تحركات مجلس النواب.. إنه مستعد للخطوات المقبلة.. وواثق من أنه سيتم تبرأته تمامًا".

وينتظر مجلس الشيوخ من الكابيتول هيل في الوقت الراهن تعيين مديرين لشرح الاتهامات الموجهة لترامب قبل يوم الخميس القادم موعد موسم عطلات الأعياد في واشنطن، وفي حال لم تحدث أي مفاجئات متوقعة سيواجه ترامب محاكمة في مجلس الشيوخ لتحديد ما إذا كان يجب إدانته وعزله من منصبه أوائل كانون الثاني/يناير القادم.

ويرأس جلسات المحاكمة كبير القضاة الأمريكيين جون روبرتس الذي سيستمع من المديرين الذين عينهم الكابيتول هيل شرحًا للاتهامات الموجهة لترامب، وفي الوقت عينه لفريق الدفاع القانوني عن الرئيس، ومن الممكن الاستماع أثناء المحاكمة لأقوال شهود في جدول جلسات مرهق تسير فيه الإجراءات ستة أيام في الأسبوع لمدة قد تصل إلى ستة أسابيع، لكن السيناتور الجمهوري مكونيل قال إن المجلس قد يقر إجراءات أقصر، وذلك بالتصويت على بندي الاتهام عقب المرافعات الافتتاحية دون الاستماع لشهود.

الجمهوريون يدعمون ترامب

أثناء انعقاد جلسة الكابيتول هيل للتصويت على الاتهامات الموجهة لترامب بشأن قضية أوكرانيا، كان الأخير يتحدث لتجمع انتخابي في مدينة باتل كريك في ولاية ميشيجان وصفته وكالة رويترز بـ"الصاخب"، معتبرًا أن "هذه المساءلة المتحيزة التي لا صلة لها بالقانون مسيرة انتحار سياسي للحزب الديمقراطي"، مشيرًا إلى أن "هم الذين يجب مساءلتهم (الديمقراطيين)، كل واحد فيهم".

ورافق هجوم ترامب على الديمقراطيين عملية دعم غير مسبوقة من النواب الجمهوريين في الكابيتول هيل، وهو الذي انعكس ضمن تصريحاتهم أو كلاماتهم خلال انعقاد الجلسة، فقد اعتبر النائب الجمهوري باري لوديرميلك أن بيلاطس البنطي منح النبي عيسى أثناء محاكمته "حقوقًا أكثر مما منحها الديمقراطيون للرئيس في هذه العملية".

أما النائب الجمهوري مايك كيلي فقد شبه عملية المساءلة بهجوم اليابان على ميناء بيرل هاربر في هاواي عام 1941، ووصف إجراءات المجلس بأنها "تاريخ سيظل عارًا إلى الأبد"، مستعيدًا كلمات الرئيس الديمقراطي فرانكلين روزفلت حين أدت هذه الكلمات لدخول واشنطن الحرب العالمية الثانية، في الوقت الذي رأى النائب الجمهوري مايك روجرز أن هذه القضية "تستند بالكامل إلى كراهية متأصلة لرئيسنا"، واصفًا إياها بأنها "عار.. تصيّد".

وكان نائبان ديمقراطيان على الأقل قد صوتا خلال جلسة الكابيتول هيل على رفض الاتهامات الموجهة لترامب، فيما حظي القرار برفض غالبية النواب الجمهوريين في المجلس، وهو ما يدل على وجود خلاف داخل الحزب الديمقراطي أكثر من الجمهوري، فقد عارض بندي الاتهام النائبان كولين بيترسون وجيف فان درو، فيما عارض النائب جاريد جولدن فقط بند عرقلة عمل الكونجرس.

وتعليقًا على عملية التصويت قالت الديمقراطية تولسي جابارد إنها لم تتمكن "من التصويت بضمير مستريح بنعم أو بلا"، فيما اعتبر المرشح الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة جو بايدن أن "الرئيس ترامب أساء استغلال سلطته وانتهك قسم المنصب وخدع أمتنا"، مشيرًا إلى أنه ما من أحد فوق القانون في الولايات المتحدة.

وكانت زعيمة الكابيتول هيل قد أرسلت للديمقراطيين يوم الثلاثاء الماضي تحثهم على الالتزام بمعايير الدستور أثناء عملية التصويت، مضيفة أنه "من المحزن للغاية أن الحقائق أوضحت أن الرئيس استغل سلطاته لمصلحة شخصية واستفادة سياسية وأنه عطل الكونجرس مطالبًا بأن يكون فوق المحاسبة وفوق الدستور وفوق الشعب الأمريكي"، ليرد ترامب عليها في اليوم التالي، بالقول: "هل تصدقون إن اليسار المتطرف سيقوم بمساءلتي اليوم، لا تفعلوا شيئًا أيها الديمقراطيون، وأنا لم أرتكب أي مخالفة! أمر مروع"، وأضاف مخاطبًا بيلوسي "سيتذكرك التاريخ كأسوأ رئيس لمجلس النواب".

لكن ماذا عن الجمهوريين المعتدلين؟

على الرغم من سيطرة الجمهوريين على 53 مقعدًا من أصل مائة مقعد في مجلس الشيوخ، ما يعني حاجة الديمقراطيين إلى أربعة أصوات على الأقل لتعقيد إجراءات المساءلة في حال تبنى الجمهوريون التصويت على رفض الاتهامات ضد ترامب، فإنهم يحتاجون كذلك لعشرين صوتًا حتى يستطيعون عزل ترامب، الأمر الذي هو مستبعد نوعًا ما.

لكن تقرير لشبكة CNN الأمريكية قد أشار لوجود مخاوف داخل البيت الأبيض من حدوث انقسام بين الجمهوريين في مجلس الشيوخ، فقد أشارت الشبكة الأمريكية لوجود مجموعة من المعتدلين الجمهوريين داخل المجلس لديهم أسبابهم المختلفة تجعلهم يظهرون في حالة من عدم اليقين حول قرارهم الذي من المتوقع اتخاذه عند بدء عملية التصويت.

وتشير الشبكة الأمريكية إلى أن من بين هذه الأسماء تبرز عن ولاية مين سوزان كولينز إلى جانب كوري غاردنر من ولاية كولورادو، وكلاهما يريدان إعادة انتخابهما لذا يريدان الظهور بأنهما مستقلان في قرارهما عن ترامب، والأعضاء قدامى المحاربي مثل لامار ألكسندر، بات روبرتس، ومايك إنزي، لعدم شعورهم بأي التزام سياسي داعم لترامب.

وهناك ميت رومني الذي انتقد ترامب لأكثر من مرة، كما أنه طالب بمعرفة المزيد عن الصفقة المزعومة مع أوكرانيا، وأخيرًا يجب عدم نسيان  تحدي السيناتورة عن ولاية ألاسكا ليزا موركوسكي ليس فقط ترامب بل حتى الحزب الجمهوري، عندما عارضت إلغاء قانون الرعاية الصحية الأمريكي "أوباما كير"، كما أنها كانت الجمهورية الوحيدة التي صوتت ضد تعيين بريت كافانو "المتهم بالتحرش الجنسي" عضوًا في المحكمة العليا.

وتضيف الشبكة الأمريكية إلى أنه رغم عدم كبر المجموعة التي يشوب قرارها عدم يقين لدى الجمهوريين، ما يجعل من الصعب تأييد 20 عضوًا للقرار، فإنه في حال حصل الديمقراطيون على 51 صوتًا فإن ذلك يساعدهم على تعقيد إجراءات المحاكمة بأحقية استدعائهم الشهود، والمطالبة بعرض الوثائق والمستندات.

ترامب يريد نأييد الأمريكيين عبر مواقع التواصل الا جتماعي

إلا أن الواضح من كل ذلك إصرار ترامب التأثير على الرأي العام الأمريكي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، حيثُ أظهرت بيانات جديدة أن الرئيس الأمريكي نشر أكثر من 2500 إعلانًا تضمن كلمات مثال "مساءلة، عزل"، وذلك خلال الأسبوع الذي انتهى يوم الخامس من الشهر الجاري، فضلًا عن انتقاد الإعلانات تحقيق الديمقراطيين، وطلب تبرعات لدعم ترامب للفوز بانتخابات الرئاسة القادمة.

وتشير وكالة رويترز إلى أن سيل هذه الإعلانات يمثل علامًة على اعتقاد ترامب أن مسعى المساءلة سيرتد على الديمقراطيين بما يحفز قاعدة ناخبيه، ويكسب لصفه أصوات المستقلين المتشككين في تلك العملية، مشيرًة إلى أن استطلاعات الرأي تظهر أن التأييد للمساءلة يتركز بين الديمقراطيين، مضيفًة أن الديمقراطيين في إعلاناتهم لحملتهم الانتخابية يركزون على قضايا مثل: الرعاية الصحية، قوانين حمل السلاح، والتغير المناخي.

اقرأ/ي أيضًا: بعد الجلسات العلنية الأولى.. خطط الجمهوريين لاستغلال إجراءات عزل ترامب

وبينت مجلة نيوز ويك الأمريكية أن ترامب بعد انعقاد جلسة التصويت في الكابيتول هيل بقليل بدأ بالتغريد قائلًا: "هذه الأكاذيب الفجة من اليسار المتطرف لن تفعل شيئًا أيها الديمقراطيون.. هذا اعتداء على أمريكا وعلى الحزب الجمهوري"، لتقوم فيما بعد الصحفية في صحفية بوليتيكو نانسي كوك بإحصاء 47 تغريدة لترامب نشرها خلال انعقاد الجلسة.

كانت مجلة تايم الأمريكية قد أشارت في تقرير لها إلى أن ترامب غرد وأعاد تغريد 115 تغريدة يوم 12 من الشهر الجاري، مضيفًة أنه في يوم 8 من الشهر عينه غرد ترامب 105 تغريدات

وكانت مجلة تايم الأمريكية قد أشارت في تقرير لها إلى أن ترامب غرد وأعاد تغريد 115 تغريدة يوم 12 من الشهر الجاري، مضيفًة أنه في يوم 8 من الشهر عينه غرد ترامب 105 تغريدات، لافتًة إلى أن التغريدات كانت تكرر إعلانه براءته من اتهامات الكابيتول هيل، معيدًا نشر تعليقات ومقاطع فيديو مؤيديه التي تدافع عنه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 إحصائيات ترامب على تويتر.. حساب للجواسيس والمتطرفين والدجالين!

اتساع دائرة اتهامات ترامب وانقسام في الشارع الأمريكي حول عزله