07-مارس-2019

مشهد لسوق ساروجة عام 1990 (فيسبوك)

لا يختلف أيٌّ من روّاد مقهى "لاروش" الدمشقي، بين سنوات 2008 - 2014، من حيث ارتباط مفاهيم مثل الحرية والتمرّد والحُلم والثورة وأصداء الحراك المدني، وغيرها من المفاهيم الأخرى بالمكان الحجري الصغير، إذ يقف بواجهة سجنٍ عثماني قديم على زاوية إحدى مداخل سوق ساروجة الضيقة، في وسط دمشق.

شهد مقهى "لاروش" الدمشقي العديد من الأنشطة الثقافية الشبابية لجيل حالم

لاروش، أو مقهى الحريّة، كما كان يحلو للشاب الشهيد صلاح نقشبندي أن يطلق عليه، في سنواته الثلاث الأخيرة؛ لم يكن مجرد مقهى عادي في سوق سياحي يعج بالكثير من المقاهي، التي تنشر كراسيها وطاولاتها لروّاد الصّيف على الطرقات المرصوفة بالحجر الرمادي في ساروجة، بل كان إلى حدٍّ ما ملتقىً شبابيًا يساريًا، ليبراليًا، يُعنى بكثير من الأنشطة الثقافية والفنية، كمنتدى "شغف" الأدبي لباسل طه ومحمد أرواني بين 2007 - 2009، ولاحقًا مشروع "شلة مزاج" لحسام ملحم وكاتب هذه السطور، إذ كانت تنظّم العديد من الأمسيات الشعرية والموسيقية، بمشاركة العديد من الشعراء والموسيقيين الشباب، حتّى خريف سنة 2012 حين تم إيقاف هذه النشاطات بسبب الظروف الأمنية في ذلك الوقت.

اقرأ/ي أيضًا: باب شرقي.. سقوط دمشق الأخير

بعد انطلاق أولى شرارات ثورات الربيع العربي، مطلع سنة 2010، امتلأت شوارع دمشق مثل بقية شوارع العواصم العربية الكبرى التي كانت على وشك الاختناق، بآلاف بل بملايين المتظاهرين الغاضبين، بالكثير من الجلسات والاجتماعات السرية التي كان يتم فيها الحديث، في جو لا يخلو من السرية، عن الأحداث الجارية وكيفية التعامل مع القادم من اضطرابات بات واضحًا أنها ستضرب البلد أيضًا في أية لحظة.

مجموعة من المشاعر والعواطف الوطنية والشعارات اليسارية كانت تغلي في أغلب ليالي الشتاء الدمشقي من قلب الطابق الثاني في هذا المقهى الصغير. والكثير من الأحلام التي تطفو في جو يعبق برائحة الدخان، والكثير من الخطط والاستراتيجيات والحوارات، والموسيقى الثورية، والترقّب الحذر بطبيعة الحال.

ثم لاحقًا: الفقد.. الوداع.. الحزن.. البكاء.. الصراخ ثم الخرس.. الكتم الذي يعتمل القلوب.. الهرب.

وما بين فرح وحلم وخوفٍ وهزيمة تشكلّت ذاكرة المكان في ذواتنا، وبتنا نراه في كل ومضةٍ من آخر 5 سنوات في السنوات الأخيرة، حتى باتت في داخل كل واحد منا توجد لاروش.

اختصارًا لكثيرٍ من المشاعر المتضاربة، وبعيدًا عن ذلك الفردوس المفقود، بمسافة سنوات تأخذ في الاتساع؛ لا يمكنني إلا أن أقول: اشتاق لياسر أبو محمد، ولقهوة الصباح ووجهه العبوس.

 

اقرأ/ي أيضًا:

ركن الورّاقين (8): في معرفة الشام

ركن الورّاقين: "غوطة دمشق" كما كتبها محمّد كرد علي