06-أبريل-2025
فرانشيسكا ألبانيز

(GETTY) المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيز

في زمنٍ تتناقص فيه الأصوات الحرة وتضيق فيه مساحات الضمير داخل المؤسسات الدولية، برزت فرانشيسكا ألبانيز كموقف نادر، لا كمجرد مقرّرة أممية. امرأة بضميرٍ صلب، لم تكتفِ برصد انتهاكات حقوق الإنسان، بل دافعت بشجاعة عن الحقيقة، حتى صارت شوكة في حلق الاحتلال الإسرائيلي، وهدفًا لحملات التحريض الأميركي–الإسرائيلي.

تمديد ولايتها حتى عام 2028 لم يكن مجرّد قرار إداري، بل إعلان استمرار لصوت حقوقي شجاع في زمن تتواطأ فيه الأمم مع الجلاد.

من هي فرانشيسكا ألبانيز؟

وُلدت ألبانيز عام 1977 في أريانو إيربينو في مقاطعة أفيلينو ضمن منطقة كامبانيا جنوب إيطاليا. وحصلت على شهادة في القانون بامتياز من جامعة بيزا، ثم تابعت دراساتها العليا لتحصل على ماجستير في حقوق الإنسان من جامعة سواس في لندن.

يُعرف عن ألبانيز أنها شاركت في تأسيس الشبكة العالمية المعنية بالقضية الفلسطينية، التي تضم باحثين متخصصين في القانون الدولي وحقوق الإنسان. وأصدرت عددًا من الدراسات حول في فلسطين

ويُعرف عن ألبانيز أنها شاركت في تأسيس الشبكة العالمية المعنية بالقضية الفلسطينية، التي تضم باحثين متخصصين في القانون الدولي وحقوق الإنسان. وأصدرت عددًا من الدراسات حول الوضع القانوني في فلسطين، أبرزها كتابها "اللاجئون الفلسطينيون في القانون الدولي" (2020)، الصادر عن مطبعة جامعة أكسفورد، والذي يقدّم تحليلًا شاملًا لقضية اللاجئين الفلسطينيين منذ عام 1948 حتى اليوم.

كما أنها تعمل كباحثة مشاركة في معهد دراسات الهجرة الدولية بجامعة جورج تاون في واشنطن، ومستشارة أولى في قضايا الهجرة والنزوح القسري في منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية. وفي الأول من أيار/مايو 2022، تم تعيينها كمقررة خاصة للأمم المتحدة معنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لتكون بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب.

موقفها من العدوان على غزة

منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة، برزت ألبانيز كأحد أهم الأصوات التي أدانت جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها جيش الاحتلال. فقد وصفت في تقرير قدمته إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف في 26 آذار/مارس 2024 تصريحات الوزراء وقادة جيش الاحتلال التي تدعو إلى إبادة الفلسطينيين في القطاع، بأنها "دليل دامغ على التشجيع الصريح والعلني لارتكاب الإبادة الجماعية"

وقالت ألبانيز في بيان نُشر وفي 25 نيسان/أبريل 2024 إن "السياسات الإسرائيلية التي تطال الأرض الفلسطينية المحتلة تعرض بلا شك الوجود الفلسطيني على أرضه للخطر"، مطالبة المجتمع الدولي بالتركّيز على "التداعيات الأكثر ترجيحًا، وهو التطهير العرقي للفلسطينيين"، وحثّت المجتمع الدولي على "أن يفعل كل ما في وسعه لمنعها".

وعادت لتؤكد في تقرير أممي نُشر في 30 تشرين الأول/اكتوبر 2024 أن ما يحدث في الأرض الفلسطينية المحتلة يعكس تكرارًا لفشل المجتمع الدولي، ولامبالاة الدول، وانهيارًا لمبدأ "عدم التكرار" الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية والهولوكوست. واعتبرت أن استمرار الإبادة الجماعية، يأتي نتيجة لمنح حكومة الاحتلال "وضعا استثنائيًا وإفلاتها من العقاب الذي طال أمده".

وبالتزامن مع استئناف جيش الاحتلال العدوان على غزة في 18 آذار/مارس 2025، برفقة حرب الإبادة التي يشنها في الضفة الغربية المحتلة، قالت ألبانيز في تقرير أممي: "نشهد مسارات دموع جديدة في الضفة الغربية، تعكس مصير غزة"، وأضافت أن "في عام 2025، لن يكون هذا الظلم مرفوضًا فحسب، بل وصمة عار في ضميرنا الجماعي"، مؤكدةً أن "سلوك" حكومة الاحتلال "الرامي إلى التطهير العرقي للأرض الواقعة بين النهر والبحر، يرقى إلى مستوى حملة إبادة جماعية لمحو الفلسطينيين كشعب".

حملة لمنع التمديد لألبانيز

تعرضت ألبانيز لحملة ممنهجة خلال الأسبوع الماضي في محاولة لمنع التمديد لها في منصبها. فقد طالب النائب الجمهوري ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي، برايان ماست، في رسالة إلى رئيس مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، يورغ لاوبر، بعدم إعادة تعيينها، مدعيًا أن المقررة الأممية لم تلتزم بمدونة قواعد السلوك الخاصة بالمجلس.

وزعمت اللجنة الأميركية في رسالتها أن ألبانيز "تستغل منصبها كمقررة خاصة للأمم المتحدة دون أي خجل لترويج ومحاولة إضفاء الشرعية على مصطلحات معادية للسامية، في حين أنها تدافع عن حماس"، مشيرةً إلى أنها خلال فترة ولايتها شبّهت حكومة الاحتلال بـ"نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا".

كما قدم المدير التنفيذي لمنظمة مراقبة الأمم المتحدة، هيليل نوير، عريضة تضم 100 آلاف توقيع تحثُ الأمم المتحدة على عدم التمديد لألبانيز، وقال في تصريح لقناة "فوكس نيوز" الأميركية المحافظة إن إعادة تعيينها في منصبها ستكون "غير قانونية"، داعيًا الإدارة الأميركية إلى اتخاذ إجراءات ضدها في حال قررت زيارة الولايات المتحدة.

وقالت بعثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة في منشور على "إكس" إن واشنطن وجّهت رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تعترض فيها على تجديد ولاية ألبانيز كمقررة خاصة. وأضافت أن الرسالة أدانت ما وصفته بـ"معاداة السامية الحادة" التي تتبناها ألبانيز، معتبرة أنها "تشيطن إسرائيل وتدعم حركة حماس"، معتبرة أن "إعادة تعيينها ستُظهر أن الأمم المتحدة تتسامح مع الكراهية المعادية للسامية ودعم الإرهاب".

وفي المقابل، وصف مندوب الاحتلال الدائم لدى الأمم المتحدة، داني دانون، عبر "إكس"، التمديد لألبانيز بأنه "عار وبقعة أخلاقية سوداء على الأمم المتحدة". وبحسب وكالة "الأناضول"، من بين 47 دولة عضوًا في مجلس حقوق الإنسان، كانت هولندا الدولة الوحيدة التي أعلنت رسميًا معارضتها لتجديد ولاية المقررة الأممية.

وسط العتمة التي يفرضها الاحتلال على غزة، كانت ألبانيز بمثابة مصباح إنساني لا يخشى المواجهة. لقد أثبتت أن صوت القانون الدولي، حين يُنطق بضميرٍ حر، قادر على إزعاج أقوى الأنظمة. مع كل تقرير تقدمه، تكسر ألبانيز حاجز الصمت، وتعيد تعريف معنى المسؤولية الأخلاقية في المؤسسات الدولية. إن الدفاع عن فرانشيسكا ألبانيز اليوم، ليس دفاعًا عن شخص، بل عن فكرة: أن الحقيقة، مهما كانت ضعيفة، يمكنها أن تقاوم.