10-أكتوبر-2019

السينمائي والروائي فجر يعقوب

بين ترقّب الحدث الآتي، بما ينطوي عليه من قلقٍ وخوف، والعودة لقراءة زمنٍ مضى، يُعكّر صفو الحاضر؛ يضع السينمائي والروائي فجر يعقوب بطل روايته "نوتة الظلام" (دار الدراويش 2019).

بين ترقّب الحدث الآتي، بما ينطوي عليه من قلقٍ وخوف، والعودة لقراءة زمنٍ مضى، يمضي السرد في رواية "نوتة الظلام"

المخرج السينمائي الفلسطيني شيّد حياة بطله، مهيار، على فكرة واحدة: النجاة. النجاة من عاهة ارتخاء جفن عينه اليسرى التي تُرافقه منذ ولادته، والتي تُسبِّب له الحرج، في الوقت التي ترى فيها والدته برفقة القابلة فألًا سيئًا، ولعنة لن تنفكّ تُطاردهُ. نبوءة مُفاجأة أرّقت أمّه التي يُحاول جاهدًا النجاة من طباعها الغريبة التي نشأت عندها بعدما هجرها زوجها/ والدهُ الذي يُحاول النجاة من سيرته التي تكاد تؤسّس، مُنفردةً، مسار حياته بناءً عليها، أو تختزلها بكلمتين "شجرة الكينا". سيُحاول مهيار أيضًا النجاة من القسوة التي لطالما اختبرها، شأنهُ في ذلك شأن والده، وجدّه المغربيّ الذي دُفن على رأس تلّةٍ في فلسطين، وتحوّل قبره إلى مزارٍ يقصده سكّان المناطق القريبة للتبرّك ودفع البلاء، قبل أن يفقد لاحقًا مكانته هذه، ويعود مجرّد إنسان ميّت.

اقرأ/ي أيضًا: مكتبة فجر يعقوب

يسلك مهيار مسارًا موازيًا لمسار والده وجدّه أيضًا، عنوانه الترحال والهجرة والعيش، في لحظةٍ لم تكن متوقّعة، بعيدًا عن الأرض الأولى. ناهيك عن مُحاولات الانتماء المستمرّة إلى أمكنةٍ جديدة ومجهولة.

يتفرّع هذا المسار الذي يبدو لأوّل وهلةٍ مستقيمًا بشكلٍ مستمرّ. ولكنّنا نكاد لا نُميّز بين تفرّعاتٍ تحدث في الواقع، وأخرى تحدث في خيال مهيار الذي يُحاول أن يختبر/ يسلك هذه التفرّيعات كلّها قبل العودة إلى مساره الأول، والذي يتمايز عن مسار والده ويختلف عنه لجهة خصوصية التفرّعات نفسها فقط؛ يُحكى أنّ والده، بكر، زار دمشق مرّاتٍ عدّة. وأنّه كان يشرب من ماء المدينة حتّى يغيب عن الوعي، قبل أن يقع في حبّ امرأةٍ لمحها صدفةً، ولثوانٍ قليلة، في سوق مدحت باشا. بيد أنّ هذه الثواني القليلة جدًا، كانت كافيةً ليتعلّق قلبه بها إلى الحدّ الذي سيدفعه لصرف عقدٍ كامل من عمره بحثًا عنها، ولكن دون طائل.

شكّلت شافية، المرأة التي لمحها والد مهيار في السوق، وبعد تاريخ هذه الحادثة؛ الحدث الذي بُنيت عليه بقية تفاصيل حياته، وكذا الحدث الذي بدأت تتناسل منه بقية الحكايات، والتي كانت سيرة شافية وشغف بكر فيها، معنيةً بتسييرها كيفما تشاء. هكذا، مدفوعًا برغبته في البحث عنها، سيتحوّل بكر إلى متسوّلٍ يُحمّل نفسه مسؤولية التفريط بشافية التي لن يُغيّر زواجه من غيرها فيما بعد من شغفه بها شيئًا. إذ إنّه، وقبل وضع زوجته لابنهما البكر، مهيار، بساعاتٍ قليلة، سيهجرها بحثًا عن شافية، بينما هي تسير في شوارع المدينة برفقة حبلها السرّي بعد ولادتها لمهيار. لن يُطيل بكر من غيابه، ولكنّ عودته ستكون أقرب إلى "لمحة"، يتمكّن فيها من اغتصاب زوجته التي ستُنجب بعد 9 شهور من الحادثة بنتًا سوف تسمّيها آليس، والتي ستكون آخر ما يُذكّرها بزوجها، بكر، إذ إنّه سيختفي بعد ذلك اختفاءً كاملًا إلى حين موته أعلى شجرة الكينا.

المخرج السينمائي الفلسطيني فجر يعقوب شيّد حياة بطله مهيار، في رواية "نوتة الظلام" على فكرة واحدة: النجاة

وُضعت حكاية الأب لتُوازي حكاية الابن، ولتشكّل عالمًا آخر موازيًا، داخل النص أيضًا، بحيث تتعدّد الحكايات التي تنتهي، جميعها، لمصيرٍ واحد فقط مع اختلافٍ بالتفاصيل.

اقرأ/ي أيضًا: فجر يعقوب: أصوّر الأشياء لتبقى مثل لصاقة ضد الغياب

بينما سيّرت شافية حياة الأب، انفردت الرسالة الموقّعة من أغاثا كريستي، والتي وصلت إلى مهيار، لتخبرهُ بأنّه مدعوّ للحضور إلى مكانٍ لا يرتكز على قواعد ثابتة، ولا يبدو أنّ الزمن فيه واضح أو قابل للفهم أيضًا؛ لأجل أن يسرد قصّته التي لن نعرف تفاصيلها، أمام لجنةٍ مختّصة، وفي مائتي دقيقة فقط. قبل موعد سرد القصّة، ولأنّ السارد/ مهيار لديه في الأساس مشكلة في الإلقاء لن يتغلّب عليها سريعًا، ستضع له أغاثا كريستي – توازي بعض تفاصيلها داخل العمل سيرة الروائية أغاثا كريستي – 5 امتحاناتٍ عليه تجاوزها قبل أن يسرد قصّته في مقاطع شفهية يراها عملًا شاقًّا، وعليها، سيتأسّس ما تبقّى من رواية فجر يعقوب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار| الشاعر بيتر نوبيرغ: الشعر السويدي معادٍ للاستهلاك

عوالم خوان خوسيه ميّاس.. بواطن اللاوعي والسرد